من الطرائف المتداولة في مصر أن رجلاً من أهل الصعيد توفي وترك لورثته سيارة تاكسي كان يعمل بها في نقل الركاب بين القاهرة والإسكندرية.. وكان عدد ورثته خمسة أولاد ذكور بالتمام والكمال.. وقد قرر هؤلاء الأولاد أن تستمر السيارة في عملها كالمعتاد بعد وفاة أبيهم.. ونظراً لأنهم كانوا أبناء من زوجات مختلفات فقد كانوا أيضاً مختلفين ومتشاكسين ومتناحرين.. وكان كل من هؤلاء الإخوة لا يثق بالآخرين... ولهذا فإنهم قد قاموا باستئجار سائق لكي يقود العربة ويقوم بنقل الركاب بدلاً من أن يختاروا من بينهم سائقاً.. ذلك لأنهم لا يأتمنون بعضهم بعضاً فقد اضطر كل منهم أن يظل مرافقاً للسيارة ويركب بجوار السائق حتى يشرف عليه ويطمئن إلى تحصيل العائدات أولاً بأول.. وبالطبع فإنهم قد ركبوا كلهم مع السائق وصاروا يرافقونه في كل الرحلات التي يقوم بها بين القاهرة والاسكندرية.. وبعد مرور عدد من الأيام وتنفيذ مجموعة كبيرة من الرحلات ذهابًا وإيابًا اكتشفوا أنهم لم يحققوا أي أرباح بل في الحقيقة لم يحققوا أي دخل من الرحلات المكوكية لهذه السيارة على الرغم من تكرارها... واجتمعوا مرة ومرتين وثلاثًا لتدارس هذه الأزمة لعلهم يجدون حلاً لمشكلة انحسار وانعدام العائدات. ومع كل تلك الاجتماعات لم يوفقوا في تحديد المشكلة مثلما لم يوفقوا في إيجاد طريقة مستحدَثة للحصول على الدخل المجزي.. وعلى الرغم من أن السائق كان يقول لهم إن المشكلة تكمن فيهم أنفسهم لأنهم يشغلون المقاعد التي كان يجب أن يشغلها الركاب إلا أنهم لم يقتنعوا بهذا التفسير.. ولهذا فقد استعانوا بأحد أبناء عمومتهم والذي يعمل مستشاراً اقتصادياً بعد أن تحصل على أرفع الشهادات والدرجات العلمية من أمريكا ودول أوروبا الغربية.. وبعد أن قضي المستشار أسبوعاً كاملاً في بحث المشكلة وقام بتطبيقات ميدانية وعملية على مشروع التاكسي الذي «ما بيربحش ليه ما تعرفش ليه». خرج عليهم بقراره وتوصيته النهائية التي تقول بضرورة أن يقوموا بتغيير السواق واختيار سواق جديد.. ونتوسل بهذه الطرفة لنقول إن أمر الاقتصاد لن ينصلح حتى لو قمنا بزيادة أسعار المحروقات ومشكلتنا الرئيسة تتمثل في الإنفاق الأمني وعلى «هياكل الحكومة يزداد طردياً مع نشوء الحركات المسلحة... وإذا ما علمنا أن أي خمسة أشخاص معهم سيارة تاتشر ومدفع دوشكا وكلاشنكوف يمكنهم تكوين «حركة مسلحة»... وإذا علمنا أن ذلك وارد الحدوث في أم عضام وأم براطيش وأم دفسو وأم جركم مما يجعل عدد الحركات المسلحة أكثر من سبعمائة حركة في العام وكل أعضاء الحركة يرغبون في أن يكونوا وزراء و«مساعدين» و «مستشارين» فماذا تفعل الحكومة غير أن تستجيب لهذه الطلبات الشعبية وتترهل المصالح الحكومية بناء على المطلب الشعبي. والاقتصاد السوداني يصعب إصلاحه الآن لأن الجميع يركبون في «التاكسي»... والإصلاح لا يتم بتغيير السائق ولكن بإنزال «الملاك» حتى يركب المسافرون ويتحقق الدخل... ولا داعي طبعاً لاستشارة المستشارين الاقتصاديين فهؤلاء «كضابين ساكت»....