لماذا يصف البعض الوضع الاقتصادي بالانهيار؟ وما أثر تحرير أسعار المحروقات ورفع الدعم عنها في الأمن القومي السوداني؟ وهل بالفعل أن السياسة الاقتصادية تعتمد على الشعب «المواطن» ودخله المحدود أم أنها معالجات واقعية وحتمية؟ وما هي الأسباب التي جعلت من السودان شبكات لغسيل الأموال كما يُشاع؟ وما علاقة الأموال خارج ولاية وزارة المالية بانهيار الاقتصاد، وهل صحيح أن نصف الأموال خارج ولاية وزارة المالية؟!! أسئلة مباشرة وجريئة طرحتها (الإنتباهة) على الدكتور يوسف بخيت الخبير الاقتصادي... د. يوسف تحدث في محورين: الاقتصاد، والشأن الدارفوري، وأكد أن زيادة أسعار المحروقات عبارة عن فرض ضرائب على أسعار المحروقات، وقال إن هذا الإجراء لا يفيد الاقتصاد وإنما يُحدث نتائج عكسية قد تؤثر على الأمن القومي السوداني باعتبار أن الإجراء ينعكس مباشرة على المواطن والقطاعات المنتجة التي تعاني في الأصل من عدم توازن السياسات الاقتصادية.. وفيما يلي نص الحوار... في البدء كيف يمكن أن تصف واقع الاقتصاد السوداني؟ اقتصاد السودان يوصف بأنه اقتصاد الدول الأقل نمواً منذ الاستقلال حتى الآن، وتقلص المنتجين إلى «27%» مع زيادة عدد المستهلكين حيث أصبحوا «73%». في تقديرك ما هي الأسباب الحقيقية لتدهور الوضع الاقتصادي؟ عدم اتساق السياسات المالية والاقتصادية في البلاد، بالتالي أصبحت وزارة المالية أقل أهمية من المؤسسات، في الوقت الذي كان يجب أن تكون هي المرجع لكل المؤسسات. هل هذه هي الأسباب المباشرة فحسب وفقاً لما ذكرت؟ ارتفاع الأسعار لازم الاقتصاد السوداني منذ الاستقلال حتى اليوم عدا ثلاث حقب لوزراء مالية.. في عهد الشريف حسين الهندي ومأمون بحيري ثم عبد المنعم منصور، الاقتصاد كان موجهاً باعتبار أن الدولة هي التي تتولى أمر الاقتصاد متمثلة في الجمعيات التعاونية وغيرها من التكافل الاجتماعي... لكن بعد التأميم في عهد نميري ازدادت قبضة الحكومة وأصبح الاقتصاد ضامرًا جداً، وأصبح المواطن العادي يفقد الثلاث وجبات، لكن عندما أتت الإنقاذ أرجعت الاقتصاد السوداني إلى التحرير مثلما كان في 1992م وأصبح مناصفة بين القطاع العام والخاص بالرغم من إهمالها للقطاع التعاوني. ولكن يشير البعض إلى سياسة التحرير وعدم وجود المناخ والفرص المناسبة للتطبيق.. ما هو رأيك؟ هذا صحيح، فتحرير الاقتصاد تم دون الاستعداد له، وازدادت طائفة السمسرة والاحتكار وأُهمل الإنتاج مع الضعف في الاستثمار. كيف تنظر إلى قرار رفع الدعم عن المحروقات؟ هو عبارة عن وضع ضرائب إضافية، وفي تقديري أن ما يحدث بسبب بعض المحتكرين الذين ينتظرون هذا القرار منذ زمن، مثلما حدث في عهد نميري باستفادة المحتكرين عندما ارتفع سعر السيخ. لكن هناك من يرى أن رفع الدعم عن المحروقات مفيد للاقتصاد والدولة كيف يتفق ذلك مع ما ذكرت؟ سحب الدعم عن المحروقات غير مرغوب فيه، لأن العائد الناتج من رفع الدعم غير مفيد بالنسبة للدولة وسيُفقدها الكثير، لأن المواطن سيقلل من الاستهلاك، إضافة إلى أنه سيرفع من حالة التضخم التي تجتاح الآن الاقتصاد المحلي وسيتذمر المواطن. إذاً لماذا (تُصر) الدولة على رفع الدعم عن المحروقات؟ في تقديري أن هذا القرار بدا وكأنه عقاب للمواطن لسداد فاتوة تكاليف سياسات الحكومة الخاطئة، وضحايا هذا القرار هم العمال ذوو الدخول الثابتة. كيف ذلك؟ يقلل من حجم الإنتاج لأن الاستهلاك سيقل تدريجياً ويحدث تذمر المواطن في هذا الوضع. لماذا وهناك معالجات وخيارات تُطرح مثل زيادة الأجور؟ لن تحل زيادة المرتبات المشكلة بل ستتفاقم أكثر وربما تلجأ الحكومة إلى الاستدانة من النظام المصرفي لتغطية نفقاتها ولن يقف الصرف طالما التضخم موجود، إضافة إلى تأثيره على الاستثمار في البلاد بانخفاض قيمة الجنيه السوداني. كيف يمكن الحد من التضخم كإجراء عاجل وحتمى وماهي المعالجات في تقديرك؟ أولاً: أن يتم الاتصال بالبنك الدولي والمانحين لإعادة جدولة الديون. ثانياً: أن تضع الحكومة ميزانية جديدة لتخفيض المصروفات الهامشية للدستوريين. ثالثاً: تقوية القطاع المنتج. رابعاً: الشفافية بين الدولة والمواطن لمعرفة حقيقة الوضع حتى يتكافل الشعب، وحدث ذلك في غانا، ثم مواجهة المواطن بالأولويات. خامساً: نحتاج إلى إضافة مراقب عام، وظيفته مراقبة الدولة قبل حدوث شيء. سادساً: ولاية وزارة المالية على إدارة الاقتصاد بالكامل، (التحكم بالكتلة النقدية). إذاً ما هو رأيك في إجراء خفض عدد الدستوريين؟ تخفيض مخصصات المسؤولين خطوة مفيدة لأن ما يتقاضونه كثير مقارنة بالوضع الذي يعيشه المواطن، مثلاً الدستوري يسافر كثيراً وتتم احتفالات لا ضرورة لها والكثير الكثير مثل ذلك. في تقديرك ماهي أسباب فرض ضرائب جديدة أو رفع الدعم كما هو معلن؟ لأن الحكومة تريد أن تزيد (الكاش)، ولأنها مواجهة بخطر أمني يهدد البلاد من خروقات للجيش الشعبي وحركات دارفور بالتالي ليس لديها سوى الحل من خلال الشعب، لكن رفع الدعم لن يحل المشكلة كما ذكرت سابقاً. على من سيكون التأثير بعد سحب الدعم؟ سيتأثر أصحاب الدخول الثابتة وستزيد كل مدخلات القطاع الزراعي وستقل المساحات الزراعية كثيراً. إلى أي مدى سيؤثر هذا القرار وهل يمكن أن يكون له انعكاس سياسي؟ نعم، لأنه بسحب الدعم لن نضمن العواقب والمعالجة ستحتاج إلى أكثر من عائد رفع الدعم، وسيتحول الوضع من اقتصادي إلى سياسي. ما هو دور وزارة المالية في هذه الأحداث الاقتصادية؟ ليس لديها ولاية على إدارة الاقتصاد السوداني، وفي تقديري أمامها خياران إما أن تتحمل الوضع هكذا أو تذهب لأن المشكلة أصبحت قومية. قومية بمعنى مشاركة الجميع؟ نعم، لذلك يجب ان يجلس كل الاقتصاديين للبحث عن حلول باستشارة البنك الدولي وصندوق النقد والمانحين. ولكن سياسة البنك الدولي كما يقول البعض تؤثر سلباً على الاقتصاد في الدول النامية ما هو تعليقك؟ أبداً هي سياسات ناجحة عدا ما يتعلق بتخفيض أو تعويم الجنيه، ويجب على الدولة ألّا تقبل بذلك لأن التخفيض سيرفع من أوضاع بعض المانحين، وفي تقديري أن جزءًا من اقتصاد السودان يوصف بأنه غسيل أموال. ماهي المؤشرات التي دعتك إلى هذا التقدير؟ التضخم الموجود الآن بالاقتصاد السوداني. هل بالضرورة ارتباط ذلك بغسيل الأموال؟ نعم.. فالتهريب أحد الوسائل لتبادل الأموال خاصة خارج إطار التبادل المصرفي. إذاً ماهي علاقة الدولة بما يجري في الخفاء؟ ليس لها علاقة لأن ما يحدث يتم في الخفاء. إذاً هناك ثغرات في القانون؟ لا يستطيع القانون الحد من مؤشرات وحالات غسيل الأموال وحالات الفساد. ربما انهيار الاقتصاد السوداني بحالات الفساد؟ نعم، إضافة إلى غسيل الأموال. أشرت إلى أن كثيرًا من الأموال خارج ولاية وزارة المالية ما هي التفاصيل؟ شركات الاتصال وشركات الكهرباء والمياه والبنوك الخاصة. هل يمكن الإشارة إلى مستويات المخصصات الخرافية للمسؤولين؟ هي ليست خرافية بل ليس لها مقابل، بدليل تقارير المراجع العام الذي أظهر كل أنماط الفساد بل أكثر من ذلك وهو رفض بعض الجهات للمراجعة. ما هي الأسباب المباشرة في تقديرك لعدم توازن الاقتصاد؟ الإنفاق على مؤسسات بعينها أكثر من الإنفاق على المواطن يُحدث عدم توازن مما يؤدي إلى تذمر المواطن، كما ذكرت سابقاً، إضافة إلى وجود مؤسسات تستهلك الدخل القومي دون إنتاج، والجبايات أيضًا أثرت على الموقف كثيراً، مثلاً نيالا إلى الجنينة يوجد ما يقارب «39» نقطة للجبايات في جملتها حوالى مليون وثلاثمائة ألف. ذكرت سابقاً (الكتلة النقدية).. ألا يختلف هذا عن سياسة التحرير؟ لا ... هذا ما يسمى بدورة الكتلة النقدية. كيف تتم معالجة ذلك؟ الأمر يحتاج الى تخطيط إستراتيجي وتغيير سياسة الدولة. للدولة خطط إستراتيجية هل يمكن نظرياً وعملياً معالجة الأوضاع إستراتيجياً؟ نعم.. ليس بالصعب حدوث ذلك، مثلاً استيعاب الخريجين هو أولى الخطوات ويمكن أن يتم ذلك باتفاق بين الحكومة والقطاع الخاص بتحمل الحكومة جزءًا من مرتبات الخريجين ويساهم القطاع الخاص بالباقي، كما أنه يمكن أن نقسم السودان إلى وحدات اقتصادية إنتاجية متخصصة مثلما حدث في الهند، الجزيرة تتخصص في القطن والقضارف الذرة والشمالية للبلح والموالح وكلٌّ حسب ما تنتجه ستحدث نقلة نوعية متفردة. دعنا نتحدث في محور دارفور كيف تنظر إلى السلطة الإقليمية لدارفور وهل أحدث اتفاق الدوحة تأثيراً؟ تتحدث السلطة الإقليمية هذه الأيام بأنها بدأت في تنفيذ الاتفاق لكن الوضع الآن مازال هشًا من ناحية أمنية، وإذا سُحبت القوات الدولية ستحدث كارثة، إضافة إلى المجموعة الموجودة الآن في كاودا، والدولة لديها عدة جبهات مفتوحة، كما أن حالة الطوارئ مازالت قائمة بالإقليم. ماهي علاقة أبناء دارفور بكاودا والجيش الشعبي؟ كاودا مثل نيوسايد وهي تتبع إلى الشمال بجبال النوبة وتتميز بالجمال الطبيعي، رأى د. جون قرنق سابقاً أن استقطاب أبناء دارفور بُعد إستراتيجي وتطور الآن إلى تحالف مكتوب بين الحركات المسلحة والجنوب وانضم لها معنوياً بعض من الأحزاب بالشمال وهدفهم الوحيد هو إسقاط النظام فقط. ماهي علاقة الدارفوريين بالجنوب؟ هي علاقة قديمة جداً، في عهد السلاطين كان سكان دارفور قليلين في العدد فذهبوا إلى الجنوب وأرسلوا بعض المبشرين ومنذ ذلك الوقت امتدت العلاقة. كيف يمكن وصف الأوضاع بين أهل دارفور والجنوب الآن؟ حتى الآن لم يدخلوا معنا في مواجهة لكن الأوضاع بيننا حذرة، لكن كانت العلاقة طيبة سابقاً، أذكر عام 1982م حدثت مشكلة حفرة النحاس بين دارفور والجنوب فهي منطقة شمالية عاصمتها (كافي كنجي) وتم اتفاق بين دريج وأبيل الير على عدم الاختلاف في تبعية حفرة النحاس وتركها مفتوحة وقومية، لكن الآن ضُمت للجنوب وكنت شاهدًا على هذا الاتفاق. ولكن دولة الجنوب ضمّت حفرة النحاس أو (كافي كنجي) إلى خارطة دولتهم؟ هذا تعدٍ واضح من الجنوب. إذاً الجنوب كافأ دارفور باحتلال حفرة النحاس؟ نعم.. هذا سوء تخطيط فقط. كيف يمكن أن ترتقي السلطة الإقليمية لدارفور إلى تنفيذ الاتفاق والانتقال إلى مرحلة سلام وتنمية؟ أن يبدأوا بالتنفيذ خاصة أدبيات السلطة الانتقالية إبان فترة مناوي بإحداث غربلة للاستفادة من الجيد، مثلاً أدبيات مجلس السلم والمصالحة ثم برامج التدريب ابتداءً بالإنذار المبكر ثم برامج دعاة السلام ثم تطوير سبل كسب العيش إضافة إلى تنفيذ برامج العودة الطوعية ومرشد حقوق النازحين واللاجئين، أخيراً جاء الوقت لإقناع من لم يوقعوا على أي اتفاق. إذاً كيف ومتى يقف صوت الرصاص؟ صوت البندقية لن يقف إن لم يوقِّعوا خاصة أن منهم من له تأثير على عدد كبير من الموجودين بالمعسكرات مثل عبد الواحد.