٭ «الحل في تغيير النظام» هي عبارة السيِّد الصادق المهدي التي لا يخلو منها حديث يطلقه في أية مناسبة، وقد جاء مؤخراً ضمن مؤتمر صحفي حول الترتيبات لعقد مؤتمر السلام القومي، وهو مشروع أجوف بالطبع لأنه لن يزيد شيئاً على الترتيبات الرسمية لعملية إحلال السلام في السودان. السلام الذي ينسفه معسكر السودان الجديد وطليعته الجبهة الثورية التي ينتمي إليها أحد أعضاء حزب الأمة القومي وهو نصر الدين الهادي المهدي ولم يتخذ معه الحزب أي إجراء تنظيمي وكأنه يبارك له عضويته الثانية في الجبهة الثورية، ومع ذلك يتحدَّث الصادق عن مؤتمر سلام وكأنه يمكن أن يقدِّم لو كان في الحكم ما تقدمه أو قدمته هذه الحكومة من تنازلات قاسية من أجل السلام. وعليه أن يتذكَّر أن الجمعية التأسيسية التي كانت في عهده لا يسعها أن تمرِّر له أية تنازلات قاسية في اتجاه تحقيق السلام «الأسطورة».. وعليه أن يتذكرَّ أن زعيم المعارضة في تلك الجمعية التأسيسية كان هو النائب الأول الحالي للرئيس، هذه صورة سياسية معقَّدة تماماً مثل اللوحة التشكيلية. وكانت إجراءات تحقيق السلام في عهد الصادق المهدي تُحرَّك بطريقة ثنائية كما فعل الصادق نفسه مع قرنق وكما فعل الميرغني أيضاً. ورغم أنهما لحقا في وقت سابق بجون قرنق إلا أن الأخير آثر أن يجلس وحده مع وفد الحكومة في كل جولات التفاوض، وذلك لأن كلاً منهم يمتطي جواد السلام ليذهب به مذهباً مختلفاً. فأراد قرنق من السلام «نظرياً أن يسيطر على نفط الجنوب. وأراد الصادق المهدي هذا السلام الآن ليصل بتناوله إلى أن تستحدث له الإنقاذ منصب «رئيس وزراء» بنفس الصلاحيات المحدودة حينما كان يتقلده قبل مايو وهو لم يبلغ الثلاثين، لكن ماذا قدّم من أجل السلام في الثمانينيات من القرن الماضي؟!. جلس مع جون قرنق بالساعات ولم يستطع اختراق قناعاته وأجندته. فماذا يمكن أن يفعله الآن وهو خارج السلطة، أو بالأحرى ليس فيها إلا ابنه الذي يرث الآن في السلطة موقع عمه مبارك المهدي، وكان الصادق المهدي قد رفض المشاركة وقتها لأن أعلى منصب في محاصصة «نداء الوطن» هو «مساعد رئيس»، وما كان وقتها يليق برئيس الوزراء المنتخب السابق السيد الصادق المهدي.. ولذلك رفض المشاركة، ولأن ابنه يمكن أن يتقلَّد هذا المنصب الآن فقد باركه له ولم يباركه لمبارك من قبل، ترى لماذا؟!. لأن السياسة عنده ليست أجندة وطنية ولا حتى حزبية، بل أسرية وموغلة في الأسرية كما نرى.. ولذلك نتساءل كيف يتحمَّس السيد الصادق للسلام من خلال ما سمّاه مؤتمر السلام القومي ويكون ذلك بدون تجرد؟! إن المطلوب من الصادق أولاً هو السلام التنظيمي داخل كيان الأنصار وحزب الأمة وليعتبر أن المجموعات التي انشقت من حزب مبارك المهدي قوى واحدة تلتقي في مفاصلة حزبه، وحزبه نفسه ليس هو المعني الأول فقد انشق في أواخر ستينيات القرن الماضي عن حزب الأمة «الأصل» بقيادة الإمام الهادي عبد الرحمن المهدي وكان قد أسسه السيد عبد الرحمن المهدي كتيار سوداني يرفض الوحدة مع مصر منذ عام 1946م، وكان هذا المبدأ أصلاً لصالح الاحتلال البريطاني.. وهنا نجتر هذه المحطات لتعميم الفائدة للأجيال الجديدة وأغلبهم منشغل عن تاريخه بالثرثرات الطويلة عبر «الموبايلات» وبالرسائل شبه المجانية وبالأنس في الفيس بوك وهو «ونسة من بعيد لبعيد».. والمهم في الأمر هنا هو أن السيد الصادق المهدي إن أراد أن يقدِّم «روشتة» لمعالجة القضايا الأمنية فليستفد من فراعه ويؤلِّف كتاباً عن السلام يحكم سطوره المنطق والموضوعية، مثلما فعل فرانسيس دينق وأبيل ألير لصالح الحركة الشعبية ومشروعها المتمثل في الانفصال من أجل «المال» وليس من أجل شعب جنوب السودان طبعاً.. وليكن مضمون مُؤلَّف السيد الصادق من أجل إزالة أسباب كل ما يهدد السلام الاجتماعي والوطني وحتى السلام الحزبي لصالح حزب الأمة. نعم لا بد أن يكون الصاق المهدي زعيم حزب كبير وليس زعيم أسرة في إطار حزب. أما مؤتمر السلام القومي فلابد أن يقوم على إدانة معسكر السودان الجديد ليكون سلاماً حقيقياً..