وقف الحاج دفع الله دقائق أمام أحد محال البيع «المخفض» التي استحدثتها حكومة الخرطوم «المنحلة» وبعد تفكير عميق لم يشترِ إلا بعض الضروريات التي قد لا تفي ليوم واحد، وبدا كأنه يحدث نفسه عن الارتفاع المخيف في كل شيء، فقبل أيام كان الجنيه يقضي بعض الاحتياجات أما الآن فإن الجنيهين لا يقضيان سوى إيقاف «زن» الأطفال لشراء الحلوى، وبدأ صوته يعلو بعض الشيء مخرجًا أنفاسه الساخنة في وجه الشاب الذي يقف في المحل وهو يقول له «أسي فرقكم شنو من دكان الحلة»، الأسعار نفسها هي التي عند عم آدم صاحب الدكان البسيط الذي يقع على زاوية منزل حاج الطيب، لم يرد عليه الشاب سوى ببضع كلمات قائلاً: «ياحاج أنت ما عايش في الدنيا ولا شنو كل حاجة ماشه فوق مع الدولار وبعد شوية كل حاجة حاتمشي فوق مع زيادة الجازولين». وهناك الملايين أمثال الحاج دفع الله يهمسون فقط بضيق الحال ولكن غيرهم لم يحتمل ضغوط الحياة ففقد عقله وربما هناك الكثيرون ستهرب منهم عقولهم للضغوط الاقتصادية العنيفة في مقبل الأيام، وبعضهم يجسد رائعة هلاوي «حاجة آمنة اتصبري» سرحتى في هموم العيال كيفن يعملوا مع الدروس وسرحتي في حق الفطور باقي الأمور البى القروش واحد زمن داير ردا واحد خلاص قلموا اتكسر زى التقول أكلوا الصبر يا حاجة آمنة اتصبري والصبرهو مفتاح الفرج ولكن مع هذا الصبر لا بد من إيجاد حلول إسعافية للكثيرين الذين يعانون من ضيق العيش، ففكرة «البيع المخفض» التي انتهجتها حكومة الخرطوم جيدة ولكنها تحتاج لكثير من التقنين والرقابة حتى لا تصبح أسعارها مثل المحلات التجارية الأخرى، خاصة بعد رفع الدعم عن الوقود وارتفاع كل السلع الضرورية منها وغير الضرورية فلا بد لحكومات الولايات من وضع آلية رقابية لأسعار البيع في هذه المراكز المخفضة حتى لا يكون التأثير كبيرًا على حاجة آمنة والحاج دفع الله وغيرهما من أهل بلادي. إن القرارات الاقتصادية التي تعتزم الدولة تنفيذها بدءًا من دمج الوزارات وتقليص المحليات يجب أن تكون مصحوبة بقرارات أخرى لزيادة مراكز البيع المخفض ودعمها بقدر المستطاع من أجل إنقاذ الكثير من الأسر من الوقوع في بئر الضياع، وعلى المسؤولين إن يتخيلوا ضيق العيش للكثير من الأسر التي تقع تحت خط الفقر قبل هذه القرارات وتوقع مصيرها بعد هذه القرارات، خاصة مع إطلالة شهر رمضان المبارك الذي تزداد فيه الاحتياجات الأساسية وعلى رأسها السكر وبعض المواد التموينية الأخرى.