فيما يبدو بأن مواجهة الوضع الاقتصادي الصعب، يتطلب إعفاءً بالجملة وليس القطاعي، ذلك لأن الأمر لم يعد يحتمل أنصافاً للحلول أو ترقيعات لثوب أصابه البلى، وتمزقت أطرافه، وتهتك وسطه. فالحكومات التي تشكلت في وقت سابق، لم تخلُ من مجاملات، كما أن الذي يركب على الدابة زمناً طويلاً، ولم يتعود على المشي راجلاً، من الصعب عليه الترجُّل خاصة إذا كانت المركبة التي يعتلي ظهرها فخيمة ووثيرة، وتلك ظاهرة، تثبتها التجارب المعاصرة، التي أظهرت بأن الذي يأبى النزول من عليائه طوعاً، ستجبره تصاريف الزمان، وتقلُّبات الأحوال على السقوط المريع على الوجه أو الظهر فيكون كالذي جنى على نفسه كما جنت براقش على نفسها حسب الأمثله الجارية على ألسن النَّاس. ومازلت على درجة من الإصرار، بضرورة أن تختفي أسماء عن الساحة الوزارية وكذلك الحزبية، والكثيرون يقولون بأنَّ ماعون المجتمع ما يزال مفتقراً لمن لديه الكفاءة، وهؤلاء لا يعلمون بأن في أعماقه توجد كفاءات ذات قدرات فذة وإمكانات عظيمة، ولكن المسألة تتطلب المزيد من التمحيص والدقة في اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب. وما دامت الأوضاع قد اضطرتنا لإجراء تقشف واسع النطاق، يشمل إعادة هيكلة الحكم من القاعدة إلى القمة، فلا أجد معنى لإبقاء شخصية في تشكيلات الحكم وهي ضعيفة في تأهيلها، وفقيرة في حصيلة خبرتها، ونحن لدينا الفطاحلة الذين تتحدث بهم الأوساط العلمية، وبيوتات الخبرة العالمية، وكذلك المنظمات الدولية التي أشادت بأدائهم ومنهم من نال الشهادات الرفيعة وتسنمَّّ المواقع التي لا يجلس على منصتها سوى الأفذاذ. ومع أن الحكومة الرشيقة التي تتناسب مع إجراءات التقشف المستهدفة للإصلاح الإقتصادي، ستكون بيد الأحزاب المشاركة في الحكومة، غير أن الشارع السياسي، يطمح نحو الاستجابة لمطالبه، لأن العقيدة الشعبية تستنكر أن يتحدث باسم الشعب من تطغى على عقليته منافع الذات، والتركيز على شخصنة القضايا، دون الالتفات إلى جوهرها وكنهها الموجب للتجرد وضرورة سبر أغوار ما ينبغي أن يبقى والذي ينبغي أن يزول. والإعفاءات التي طالت مستشاري السيد رئيس الجمهورية ، ما كان ينبغي لها أن تقف عند هذا الحد، مادام الهدف هو الإصلاح الشامل، وقد يقول قائل إنَّ حزم الإصلاح تأتي تباعاً، وليس في هذا القول ما يمكن رفضه، ولكن إلغاء القديم بكل مآخذه كان واجباً، وذلك تحرُّزاً من بقاء قديم وسط جدي، وتكرار خطأ كان الأولى التحرز من عدم الوقوع فيه، استصحاباً للتجارب التي خلطت بين غثٍ وسمين، وبين حق وباطل. ورحم الله الشهيد سيد قطب الذي دعا في أكثر من كتابٍ ألّفه إلى تجنب إنصاف الحلول وعدم التعويل على ترقيعات لخرقٍ بالية، لأن مثل ذلك الصنيع لايحق حقاً ولا يزهق باطلاً. «فماذا بعد الحق إلا الضلال، فأنى تصرفون»