أحمد المصطفى ابراهيم كاتب صحافي منذ عام 1994م، ومعلم سابق بالمملكة العربية السعودية، وهو من أوائل المعلمين الذين اغتربوا وعملوا بالمملكة العربية السعودية في عام 1977م، حيث عمل معلماً لمادة الرياضيات في عدد من المدارس، وقضى بالمملكة قرابة العقدين من الزمان، ثم عاد الى السودان وعمل مديراً لتقنية المعلومات بالمجلس الإفريقي للتعليم، واستاذاً متعاوناً بجامعة الخرطوم.. التقيناه في هذه المساحة ليحدثنا عن تجربته مع الغربة وبعض القضايا التي تهم المغتربين.. فالى افاداته: ٭ بداية حدثنا عن تجربتك مع الاغتراب؟ اغتربت في عام 1977م وكنت خريجاً جديداً في كلية التربية، وكانت المملكة العربية السعودية في حاجة لمعلمين في المواد النادرة، وكان تخصصي رياضيات وفيزياء، وجاءت لجنة التعاقد السعودية للسودان، وكانت تترجى السودانيين للذهاب للمملكة، لأن الظروف في السودان كانت طيبة في ذلك الحين، والناس لا ترغب في الاغتراب، وتعاقدت معهم وسافرت الى المملكة في منطقة تعليم الوشم في منطقة نجد وعاصمتها شقراء، ووجهوني لمدرسة اسمها القاعية، ووجدت المدرسة مبنية من الطين والفصول ضيقة ومسقوفة بالجريد، ثم جاءت الطفرة البترولية وتبدل الحال للأفضل، وفي أقل من ثلاث سنوات كانت هنالك مدرسة مبنية على أحسن طراز ومكيفة، ومساحة الفصل 48 متراً مربعاً وبه أربعة طلاب. ٭ هل وجدت معاناة في ذلك الحين؟ في السنة الأولى كنت السوداني الوحيد في المنطقة، ولا توجد كهرباء ولا ماء ولا تلفزيون ولا هاتف، وكانت الحياة بها صعبة، ثم تغير الحال للأفضل بعد عدة سنوات، وبعدها في عام 1983م ذهبت الى الرياض معلماً، وفي العاصمة كان الوضع ممتاز جداً. ٭ هل استفدت من الغربة وما هو حصادك منها؟ في رأيي الغربة مثل الدراسات العليا يستفيد الانسان منها فوائد كثيرة جداً مباشرة وغير مباشرة، وتعتمد على قابلية الشخص للتعلم والاستفادة، والفائدة من الغربة ليست مادية فقط، فهناك التجارب والاختلاط وتوسيع المدارك وتحمل المسؤولية وتغير العادات. ٭ لماذا لا يستفيد معظم السودانيين من الغربة؟ نسبة لعدم وضع الخطط وعدم وضوح الاهداف، فكثير من السودانيين هاجروا بفعل التقليد، ولا يدري الواحد منهم في قرارة نفسه ماذا يريد أن يفعل أو ماذا يريد أن يحقق وفي كم من الزمن؟ ولا يحدد فترة زمنية معينة لرجوعه، وهذه من أسباب طول الهجرة. والسبب الآخر وجود العائلات في دول المهجر، الأمر الذي يبدو أنه أكبر معيق للعودة للوطن، فالمرأة السودانية بطبعها تحب الراحة. ٭ ما هو تقييمك لسياسة الدولة تجاه المغترب؟ الدولة أقامت حاجزاً بينها وبين المغترب، أو فكرت تفكيراً ذا أفق ضيق، وذلك بفرض ضرائب مباشرة سببت كثيراً من الجفوة بين المغترب والدولة، ولو فكرت الدولة كثيراً لوجدت أنها يمكن ان تستفيد أضعاف الضرائب المباشرة بطرق أخرى، مثل جذب تحويلات المغتربين بحافز تشجيعي للتحويل بالإعفاءات. ٭ استثمارات المغتربين بالداخل المعيقات والمشكلات؟ المعوق الأول لاستثمارات المغتربين بالداخل هو بناء منزل وإصرارهم على أن يكون هذا المنزل في الخرطوم، وهذا يكلف عشرات السنين، ومعظمهم ليست لديهم تجارب في الاستثمار، ولا توجد جهات ناصحة ولا جهات تهدي للاستثمار، وحتى الاستثمارات العامة في البنوك والشركات الاسلامية مثل التنمية الاسلامية وسندس الزراعي والنيل الأبيض القابضة، كل هذه الاستثمارات كانت مضيعة للاستثمار الجماعي، وأصبحت منفرة من كل عمل اقتصادي عام. ٭ لماذا نحن شعب مهاجر، فهنالك خمسة ملايين مهاجر، فهل الظروف باتت أقوى للهجرة مما كانت عليه؟ الهجرة ليست عيباً، والعالم كله في حالة هجرة، لكن هجرة العقول أثرها على الدولة سالب، ويجب أن ترشد من هذه الهجرة بتهيئة المناخ لهذه العقول، فمثلاً الأطباء والأساتذة بالجامعات مرتباتهم منخفضة مقارنة بما يتم إعطاؤهم له بالخارج، أما المهنيون إذا هاجروا فهم يأتون بخبرات أكثر. ٭ كيف يمكن للبلد أن تستفيد من المهاجرين؟ بالبحث عن طريقة تجذب تحويلات أموالهم عن طريق القنوات الرسمية بحافز إعفاء أو سعر تشجيعي. ٭ هل صحيح أن جهاز المغتربين مركز للجباية أكثر من كونه مركزاًَ لمعالجة آثار الغربة؟ بعد إنشاء مركز دراسات الهجرة سيتحول دور الجهاز من الجباية الى الدراسات العلمية الجادة التي تعيد الثقة بين المغترب والدولة، إذا تم تنسيق داخلي بين الوحدات الحكومية. وليكن الهم الأكبر المصلحة العامة وليس فائدة الجهة المباشرة مثل الجوازات والضرائب والخدمة الوطنية.