إن الفساد أنواع.. وهو أنواع كثيرة.. بل هو درجات بعضها فوق بعض.. وبعضها أشد ضراوة من البعض بل إن الله جل وعلا يعلمنا أن الكفر ذاته درجات فيقول جل من قائل :«الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا» وأهل العلم يقولون في تصنيف الكفر «كفر دون كفر» ويقولون كفر ناقل عن الملة. فهناك كفر النعمة وهناك كفر الألوهية وهناك كفر الربوبية وهو أشد أنواع الشرك كلها.. وأشد من هذه جميعاً ادعاء الربوبية عندما حكى القرآن عن فرعون قوله «..أنا ربكم الأعلى» ومعلوم ومقرر عند أهل العلم أن شرك الربوبية أعظم درجة من شرك الألوهية.. أما ادعاء الربوبية فهو الأعظم والأشد بلا أدنى شك. والفساد نوعان: فساد الفعل.. وفساد المنهج.. ارتكاب الأمر المحرم.. فعل وهو فساد.. دواؤه التوجه والاستغفار ولكن تبرير الفعل المحرم ومحاولة تأصيله.. ليس مجرد فعل إنه منهج.. وصاحب هذا المنهج لا يتوب ولا يستغفر ولن يتوب ولن يستغفر .. وهو لا يعترف بأنه ارتكب محرماً؟ إن هذا لا يُذنب.. إنه يفعل فعلاً أكبر من هذا كله.. إنه يشرع.. وهو يشرع بما يخالف به شريعة ربه وأحكامه. إن الفعل المحرّم عندما يرتكبه فرد من الرعية لا يزيد في الغالب عن كونه ذنباً وفعلاً محرمًا.. بالطبع إلا عندما يكون المذنب شيوعياً مثلاً.. فالشيوعي يجعل المعصية موقفًا فكرياً وكلياً ومنهجياً وشريعة.. وهذا يصدق في الشيوعي في بلاد الإسلام .. ولا أقول الشيوعي المسلم لأن الشيوعي ليس مسلماً أصلاً. ولكن الفعل المحرم عندما يصدر عن حاكم.. وهو ليس مجرد معصية ولا مجرد ذنب.. إنه منهج وشريعة، إن الساحة الآن تعج بالأفعال المحرمة في الإعلام وفي الاقتصاد وفي السياسة العامة وفي السياسة الشرعية وفي الأسرة وفي التعليم وفي العلاقات الخارجية ليس هناك اجتراء على الله أكبر من تقنين المعاصي. إن الله يقول جل وعلا: «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين» والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون» إن كفر الفعل يقود صاحبه إلى المسارعة إلى المغفرة ولكن كفر المنهج يمنع صاحبه عن ذكر الله وعن الاستغفار ويؤدي به إلى الإصرار على الذنب، والتلميح هنا ظاهر في الإشارة إلى كفر المنهج لقوله تعالى «وهم يعلمون» لأنهم لو كانوا لا يعلمون لكانوا مجتهدين أو متأولين ولكن الغالب في كفر المنهج أنه أعم وأشمل من مجرد الخطأ في الاجتهاد أو التأويل. إن الذين ينادون «بالقضاء على الختان بجميع أنواعه» لا يرتكبون مجرد فعل محرم.. إنهم لا يقفون عند حد فساد الفعل ولكنهم يتخطونه إلى فساد المنهج.. والعجيب أنهم يعطوننا تفسيراً عملياً وتصديقاً تطبيقياً لقوله تعالى «ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون». فهؤلاء يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون لأنهم يقولون «الختان بجميع أنواعه» وهم يعلمون أن ختان السنة يخالف الختان الفرعوني وسائر أنواع الختان الأخرى.. وهم من أجل ذلك يقعون في كثير من المحرمات كالتحريض والتدليس والجهل والكذب والاستكبار وهذا ما تعج به كتب ومقالات الكثيرين منهم مثل إمامهم العوا وبعض «جراء» و«سواسيو» الأممية في السودان. إن الذين يجبون الأموال على غير أصلها الشرعي ممن لا تجب عليهم ثم يضعونها في غير محلها الشرعي وينفقونها على من لا تجب لهم.. هؤلاء أيضاً لا يرتكبون فعلاً محرمًا مجرداً.. إنه ليس فساد الفعل ولكنه فساد المنهج.. وهؤلاء الجباة الذين سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم «أصحاب المكس» «و«الماكسون» هم على خطر شديد وذلك لأن النظر يدل على أن حسابهم يوم القيامة أشبه بحساب الكفار وليس فيه شبه من حساب المؤمنين. وربما سأل سائل كيف يحاسب الكافر يوم القيامة وهو غير مخاطب بفروع الشريعة كالصلاة والزكاة والصوم والجهاد والحج؟! قلت: ومن قال إن الكافر يوم القيامة لا يحاسب فقد أبعد النجعة!! إذ كيف يدخل النار إذا كان أصلاً لا يحاسَب؟! ولكنه يحاسَب إلا أن حسابه يختلف من حساب المؤمن.. فالمؤمن ربما قصر في الفروع. ولكن الكافر كذب بالأصل الكلي وأنكر الوحدانية والألوهية وربما الربوبية والبعث والجنة والنار فعلى أي شيء وعلى أي وجه يحاسب وهو قد بعث ورأى بعينيه ما كذب به وهو الأصل الكلي؟! أليس الحساب هو تقرير الشخص بما أنكره في الدنيا؟ فما الحاجة إلى تقرير الكافر بالبعث وهو يرفل في عرصات القيامة؟! إن التفكير بأن الكافر لا يحاسب لا يزيد على كونه ضرباً من الفجاجة.. والعمدة في هذا الأمر أن الكافر يعاقب على ما فعله في الدنيا.. وعلى ما لم يفعله.. وإن لم يحاسب حساب المؤمن ولم يقرر على أفعاله لعدم الحاجة. وصاحب المكس فيه شبه من الكافر.. إذ هو أيضاً لا يحاسب يوم القيامة ولا يقرر مثل غيره من أهل الملة.. بل يؤخذ ويلقى في النار.. وذلك لفساد منهجه.. إن فساد المنهج ليس معصية.. إنه كفر «فليحذر الذين يخالفون عن أمره».