غضبك جميل زي بسمتك في اللغة العامية السودانية (عُشَر) الواحدة منه (عُشَرة). العُشر نوع من الشجر عريض الأوراق، له ثمر منفوخ مثل البالون، تسيل منه مادة بيضاء يسمِّيها العوام (لبن العُشر)، ويقولون إن تلك المادة تسبب العمى. في طريق الخرطوم مدني توجد مدينة (أبو عُشر)، وهى ثلثي المسافة من الخرطوم إلى مدني. الثلث الأول هو مدينة المسيد، وإلى (أبو عشر) ينتسب الشاعر حُمّيدة أبو عشر. وقد غنى إبراهيم الكاشف (إبراهيم أحمد أبو جبل) من كلمات حميدة أبو عشر أغنية وداعاً روضتي الغنا... وداعاً معبدي القدسي... طويت الماضي في قلبي... وعشتُ على صدى الذكرى... وهذا الدمع قد يُنبي بظُلم المهجة الحيرَى.. إلى أن يقول... حبيب الروح لا أقوى على حمل الهوى وحدي. وعندما انتقل إبراهيم الكاشف إلى رحاب الله، وفي مقابر أحمد شرفي بأم درمان، وقبل أن يوارى الثرى، وقف صديقه الحميم صدِّيق الكحلاوي بالقرب من الجثمان وغنَّى وداعاً روضتي الغناء، فأبكى الحاضرين. وغنى إبراهيم الكاشف أغنية (سلو قلبي) من كلمات الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد، الأمين العام للإخوان المسلمين). ويذكر أن صادق عبد الله له صوت عذب إذ ينشِد (أعْبدَةُ ما ينسى مودتَّكِ القلبُ ولا هو يُسليه رخاءٌ ولا كربُ)، من شعر عمر بن أبي ربيعة وألحان وأداء خليل فرح. بهذه المناسبة علمت من الأستاذ الوزير عبد الباسط عبد الماجد أن في الخرطوم اليوم محاضرة بصوت الإمام الشهيد حسن البنا. هل يشرف شيخ صادق على طبعها ونشرها. وغنَّى عبقري الغناء عثمان حسين من كلمات حُمِّيدة أبو عشر (ظلموني الأحبة)، ويوجد في الخرطوم حيّ يسمى حي (العُشَرة). وعلى ذكر الكاشف وعثمان حسين، فقد كان أبوعفان يحب أغنية الكاشف (إنت عارف أنا بحبّك... وبحلف بك... ولا ماك عارف بالمرَّة)، وهى من إبداعات عبيد عبد الرحمن. وكان الرئيس إبراهيم عبود أيضاً يحب أغنية (إنت عارف)، وقد سأله إبراهيم الكاشف في حفل عام، أيّ أغنية تحب أن أغني، فقال الرئيس في دُعابة وقورة (إنت عارف). فانطلق صوت الكاشف يملأ المسرح ... إنت عارف... إلى نهاية الأغنية. وكان الرئيس نميري يحب أغنيات إبراهيم الكاشف، ويحتفظ بتسجيلات لكلِّ أغانيه. وكان منزل أسرة إبراهيم الكاشف ومنزل أسرة الرئيس نميري في مدينة ود مدني قريبين من بعض. أحبّ عثمان حسين (إنت عارف) لإبراهيم الكاشف و(المستحيل) لمحمد وردي، وتمنى أن لو كانت من أغنياته. كما أحب (السنين)، للطيب عبد الله. ومن الأغاني التي أحبها وغناها عثمان حسين أغنية (الزمان زمانك)، من كلمات عبد الرحمن الريح، وأغنية (ما رأيت في الكون يا حبيبي أجمل منك.. في دلالك وتيهك وفي جهالة سنك)، والتي يرجع ميلادها إلى عام 6391م، وهى من أوائل أغنيات المبدع عبد الرحمن الريح. كان عثمان حسين يقول عن عبد الرحمن الريح (شيخنا). وأحبّ عثمان حسين وغنى أغنية (زيدني في نيراني) من كلمات عمر البنا وألحان كرومة. والذي لم يستمع إلى (الزَّرعي) أي عثمان حسين في هذه الأغنية، فاته فن عظيم. غني الكاشف وعثمان حسين من كلمات (أبو عُشَر). وكتب حميدة أبو عشر أحد أجمل مطالع الأغنيات السودانية... (غضبك جميل زي بسمتك)، والتي يغنيها عبد الحميد يوسف. وفي اللغة الفصحى (العُشَر واحدته عُشَرة. وهو نوع من كبار الشجر وأوراقه عريضة، الإنتفاع بأخشابه أقل من الإنتفاع بأخشاب الأشجار الأخرى، فأخشابه هشة. قال ذو الرُّمَّة: كأن رجليه مسماكانٍ من عُشَرٍ ٭٭ صقبان لم يتقشَّر عنهما النَّجَبُ). تقول القواميس العربية عن العُشَر أنه كبير وعريض وقليل النفع وهش. وتلك هى صفات (القطاع العام)، و(قوى الإجماع الوطني)، و(الجامعة العربية)، و(الأممالمتحدة) التي ترفض سويسرا أن تكون عضواً فيها. القصة الثانية السيد علي الميرغني... كبرياء الزعامة قبل (44) عاماً كان رحيل السيد علي الميرغني، الذي انتقل إلى جوار ربِّه في 4/ نوفمبر 8691م. كتب الصحفي يحيى محمد عبد القادر عن زيارة قام بها إلى السيد علي الميرغني عام 6391م، حيث التقى به في داره بحلة خوجلي بالخرطوم بحري. قال الصحفي الراحل... إستقبلنا الزعيم الجليل باسم الثغر. وما إن اتسع الحديث حتى رأيت نفسي أمام رجل ليس واسع الإطلاع ملمَّاً بكل الشئون العامة فحسب، وإنما أمام رجل يحب النكتة الطريفة، ويضحك من أعماقه، ويعطيك صورة للدنيا غير مملوءة بالآلام، أمام رجل خفيف الظل، بكل ما في هذه الكلمة من معنى، سهلٌ سمحٌ غير متعنِّت أو متشدِّد، يُساير الناس ويجاملهم ويتبسَّط معهم، الفرق بين سيادته والإمام عبد الرحمن المهدي في الحديث، أن السيد علي الميرغني كان يخاطب كل جماعة باللهجة الخاصة بها، أما الإمام عبد الرحمن فكان معظم حديثه باللغة العربية الفصحى، السيد علي الميرغني بسيط في حياته فهو يسكن منزلاً متواضعاً لا تحِّليه الشُّرفات العالية ولا تتخمه الأثاثات الفاخرة، ولا تحيط به مظاهر الأبّهة والفخامة، ولا تُصطنع فيه الأساليب الحديثة في الإستحمام والمأكل والمشرب والملبس والضيافة، رغم تواضعه الجمْ يحتفظ دائماً بمسافة بينه وبين الآخرين، خاصة الأجانب منهم، وكان يحدث أن يحدّد ميعاداً يقابل فيه في (سراي الميرغني) بالخرطوم الحاكم العام البريطاني، فإذا جاء الحاكم العام واستقبله الأتباع وجلس، يجئ السيد علي متأخراً بضع دقائق من الخرطوم بحري لكي يقف الحاكم العام عند قدومه ولا يضطر (وهو الزعيم الحسيب النسيب إذا انتظر مجيئه) إلى الوقوف له، كما يقضي البروتوكول. وعندما زار سيادة السيد علي (روما) حدَّد له (البابا) ميعاداً لمقابلته يوم الثلاثاء دون أن يستشيره، فاتصل بالمقام البابوي أحد الأتباع وقال إن (السيد علي) يوم الثلاثاء سوف يكون متوعِّكاً ولكنه مستعد لمقابلته يوم الخميس إذا رأي ذلك مناسباً، وتمّ للسيد علي ما أراد. إنتهى حديث الصحفي الراحل يحيى محمد عبدالقادر. ويذكر القاضي الشهير والسياسي الوطني البارز السيد الدرديري محمدعثمان في مذكراته، وقد كان على علاقة طيبة بالسيد علي الميرغني، يذكر السيد الدرديري اهتمام السيد علي الميرغني الوثيق بمجريات السياسة الدولية. وقد كان السيد الدرديري خلال الحرب العالمية يترجم للسيد علي البرقيات الإخبارية لوكالة (رويتر) عن الحرب. وعن متابعة السيد علي الميرغني لشئون العالم الإسلامي، ذكر العالم الهندي المسلم الشهير السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي، وقد زار السودان والتقى بالسيد علي، قال الندوي وقد تحدث عنه بإعجاب (وجدته يتميَّز بمتابعة دقيقة لأوضاع العالم الإسلامي). العلامة الندوي مؤلف العديد من الكتب، من أشهرها (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين).