الصحافة السودانية ظلت ولفترة طويلة تعاني من مشكلات صعبة تفاقمت مع حلول الأزمة الاقتصادية العالمية التي أدت إلى إصابة العديد من المؤسسات الصحفية في دول العالم بالإفلاس وتشريد العاملين بها من عمال وفنيين وصحفيين وإداريين.. وبصرف النظر عن ضعف البنيات الأساسية وعدم تطابق مواصفات الشركات الصحفية أو «المؤسسات الإعلامية» فيما يختص بالمؤسسية أي البناء المؤسس في النظم الإدارية مثل السياسة التحريرية، التخطيط، التنظيم، الرقابة، والتوجيه دراسة جدوى حقيقية لقيام شركة صحفية وإصدارات صحفية في ظل ظروف بلد كالسودان يعاني من ركود في التجارة بسبب العقوبات المفروضة.. والحصار الاقتصادي الغربي المضروب على السودان.. كذلك دخول التكنولوجيا بصفة عامة في مواد الحصار.. الأمر الثاني أن العديد من المؤسسات الصحفية لم تأخذ بمعايير الهياكل الإدارية واللوائح المنظمة لتلك الهياكل وكذلك اللوائح المالية التي تحدد العلاقات بين العاملين بمختلف تخصصاتهم والإدارة العامة التي قد لا تكون لها صلة مجرد صلة بالإدارة الصحفية ولا حتى بالإدارة العامة وما ينبغي أن تكون عليه مستويات الإدارة الصحافية.. الأمر الذي يربك العلاقات الأفقية والرأسية ويخلط بين مستويات المسؤوليات.. خاصة مثل العلاقة بين التحرير الذي تقوم مهمته الأساسية على توزيع العمل يومياً والتحفيز والصرف لتجويد الأداء وبين الإدارة المالية التي تضع العراقيل والموانع أمام الصرف على حركة المحررين، حوافزهم،رواتبهم.. حقوقهم الأساسية في الزمن الإضافي الذي يؤدي فيه العمل والسهر واستحقاقات الإجازات والمنح وغيرها من الحقوق المذكورة في قانون العمل لسنة 1997م. كذلك عدم التزام المؤسسات الصحفية رغم المجهودات الكبيرة التي يبذلها المجلس القومي للصحافة لتطبيق اللوائح والالتزام بالمعايير مثل تطبيق الحد الأدنى للأجور بالنسبة للجامعين عند مداخل الخدمة، وعدم التمييز بين المبدعين والذين ينجزون. وغيرهم من العاملين.. واعتبار الجميع «سواسية» هم سواسية في الإنسانية وفي الحقوق، ولكن هناك فوارق مهمة يجب أن يميز بها المجد عن القاعد والذي ينجز للمؤسسة ويحقق لها مكاسب والذي يقوم بتأهيل نفسه بالدراسات والاطلاع. المؤسسات الصحفية نعم هي قطاع خاص.. وهي مملوكة لأشخاص في شكل شركات.. والدولة تتعامل معها كشركات لا أحد يعلم مصادر دخلها وكمها وكيفية صرفها.. وبالتالي تتردد كثير من إقالة عثراتها لأسباب عديدة أولها مبدأ أن من يقدم لك الدعم المباشر أو غير المباشر ستكون له اليد العليا عليك ولن تستطيع المؤسسة الصحفية المدعومة أن تقول للحكومة عينك في رأسك أو حتى مجرد النقد غير المباشر.. ثانياً وبذات القدر فإن المؤسسة الصحفية المدعومة سوف تجد نفسها أمام حقيقة أو ضرورة تدخل الحكومة في سياساتها التحريرية وهذه التجربة معلومة ولا تحتاج إلى أي درجة من العبقرية لاكتشافها لأن هناك دعمًا مقدمًا في شكل إعلانات ضخمة تمنح ودون أية قراءات من توجيه مجرد النقد البناء رغم إعلان الممولين بأنهم يتقبلون النقد ويحتاجون بشدة للنقد إلا أن المثل الدارفوري الذي يقو: الدابي إن كان في خشمه جراداي ولا بيعضي!! فالدعم المباشر جرادايه والدعم غير المباشر جرادايه كبرى.. إذاً إذا تعثرت بعض الصحف عن الصدور في ظل هذه الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار المدخلات الطباعية وعلى رأسها أسعار الورق.. فإن على الدولة وهي تواجه ذات المشكلات أن تقوم بمبادرة لبحث كيفية الخروج من هذه الأزمة بدعوة الناشرين والمعنيين بقضية الصحافة والسعي لإيجاد حلول ومخارج حتى نحافظ على حرية الصحافة والشفافية المطلوبة في أدائها والوصول إلى معادلات معقولة لحلها مثل تخصيص بعض القروض لاستيراد الورق.. أو قيام مطبعة العملة باستيراد كميات من الورق.. أو طرح حلول أخرى مثل دمج بعض الشركات الصحفية وتكوين مؤسسات كبيرة يمكن دعمها وإقالة عثرتها.