أدركت العديد من الدول النامية أن الموارد البشرية المؤهلة والمدربة تعتبر العنصر الحاسم فى تطورها وتقدمها وبها يمكن مقابلة ومواكبة تحديات العصر الجديد، عصر العولمة والتكنولوجيا والمعلوماتية. وللتعليم العالي الدور الأساس في تأهيل وتدريب الموارد البشرية اللازمة لبناء الدول على أسس علمية تمكِّنها من مواكبة التطورات والمستجدات وتحقيق التنمية المستدامة والنهضة الشاملة و هذا رهين بتوافر تعليم عالٍ جيد ومتميِّز. والسودان اليوم مقبل على مرحلة جديدة فى تاريخ تطوره يجب ان يكون للتعليم العالي دور فعال وهام فى معالجة قضايا السلام والديمقراطية والتنمية المستدامة.. كما أنه فى إطار تنمية الموارد البشرية سوف يضطلع بالدور الأساس فى إعداد الكوادر والأطر المؤهلة التى تحتاج إليها مؤسساته والمجتمع بصورة عامة لذلك تناولت هذه الورقة موضوع دور التعليم العالى فى تنمية الموارد البشرية عبر ثلاثة محاور متداخلة ومرتبطة بعضها مع بعض. يتناول الجزء الأول، مسار تطور التعليم العالي فى البلاد كرافد للاقتصاد والمجتمع بالأطر المؤهلة تأهيلاً عالياً فى المجالات والتخصصات المختلفة. ويشمل الجزء الثانى دور التعليم العالي فى تأهيل هيئات التدريس والأطر المعاونة بمؤسسات التعليم العالى. ثم أخيرًا جودة مخرجات التعليم العالى والمداخل لتحقيقها من تقويم مؤسسي وبرامجي وغيره. شهدت العديد من الدول خلال سنوات العقد السابق والحالي نمواً هائلاً في التعليم العالي تمثل في زيادات كبرى في أعداد الطلاب على مستويات الدرجات العلمية المختلفة في الجامعات والكليات. ويعزو البعض هذه الطفرة الكبرى في التعليم العالي الى النمو في الطلب الاجتماعي لهذا المستوى من التعليم مع تعاظم دور الاستثمار الخاص في التعليم بشقيه العام والعالي. وتفيد تجارب الدول الأكثر تطوراً في العالم بالدور الريادي لقطاع التعليم العالي في تحقيق نهضتها وتطورها على كل الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية. وقد أضحت جامعات هذه الدول اليوم منابع إشعاع معرفي وفكري لا يطول القطاعات والشرائح الاجتماعية فيها وحسب بل يتخطى الحدود الجغرافية لتلك الدول مساهماً في دفع حركة التطور العلمي والتكنولوجي عالمياً. وقد أدركت الحكومات الوطنية فى العديد من دول العالم النامي أهمية وجود نظام متميز للتعليم العالي لتأهيل الكوادر العليا في التخصصات التي تحتاج إليها عمليات بناء الاقتصاد الوطني وإحداث تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية في بلدانها.. كذلك لم يغب عن بال تلك الإدارات العلاقة العضوية والطردية بين جودة التعليم العالي والتطور الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي.. ويؤمن الكثيرون في هذا الصدد، بأن إسهام التعليم العالي في تحقيق التطور الاقتصادي والتنمية الاجتماعية يكون بتزويد القوى العاملة بالمهارات والمعارف والسلوكيات الجديدة التي يتطلبها سوق العمل والتقدم التقني. وهذه المهارات المكتسبة ليست مجرد مهارات فنية مطلوبة لتأدية أعمال بعينها، ولكنها إضافة الى ذلك مهارات عامة ومستديمة قد تكون مفيدة أكثر على المدى البعيد. ويتجلى اسهام البحث العلمي في استخدامه المباشر من قبل المجتمع بصفة عامة، ومن خلال الأعمال التي يؤديها الباحثون للقطاعات. وتشكل الجودة عنصراً أساسياً ومحورياً في رواج ناتجه. ولقد أدركت العديد من دول العالم النامي أن جودة التعليم العالي في الألفية الجديدة تعتبر أمراً ضرورياً لها إن أريد له أن يسهم بفاعلية فى بناء القدرات البشرية التى تحتاج إليها تلك الدول وأن يواكب المستجدات في المعرفة وانتاجها ونشرها وأن تكون له الريادة فى التطورالاجتماعي والاقتصادي والسياسي لشعوب تلك البلدان والسودان ليس استثناء. لقد جاء ميلاد التعليم العالي في السودان بقيام كلية غردون التذكارية عام «1902م» وتلا ذلك إنشاء معهد امدرمان العلمي في عام1912م ثم تأسيس كلية كتشنر الطبية فى عام«1922م». وخلال سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن نفسه، تم تأسيس مدارس عليا فى مجالات البيطرة والزراعة والقانون والعلوم والآداب. وفي الأربعينيات تم وضع تلك المدارس.