تقول الطرفة أنه على أيام الإنقاذ الأولى في التسعينيات وعندما كانت قنوات التلفزيون والإذاعة مشغولة بقضايا البلاد الأساسية ومشكلات الحرب والسلام، وعندما كان الدفاع عن الوطن والعرض والأرض قيمة متقدمة عند مديري القنوات.. كانت هذه القنوات تقدم مواضيع هادفة وجادة تملأ فراغاتها برفع الروح المعنوية للمواطنين وتحثهم على الدفاع عن بلادهم... في ذلك الوقت انطلقت الطرفة التي تقول إن مواطناً من إحدى الدول العربية كان قد وقع على إحدى القنوات التي تبث أفلاماً إباحية... والرجل راودته نفسه بالمشاهدة فقضى يوماً كاملاً في مشاهدة تلك القناة «الما كويسة».. ولكنه بعد ذلك أصيب بعقدة ذنب عظيمة لم تفارقه لمدة طويلة... وظل يذهب لكل الفقهاء وأصحاب الملل ويحكي لهم عن العقدة التي تلازمه جراء الذنب الذي ارتكبه بمشاهدة قناة سيئة التقديم وبها أفلام إباحية.. وكان الكثير من الفقهاء يقترحون عليه أن يتوب أو يتصدق... ولكن الرجل لم يكن مقتنعاً بذلك بل كان يسأل عن الكفارة التي يمكن أن يفعلها حتى يقتنع بأن آثار الذنب قد ذهبت عنه... ويقال إنه قد عثر على شيخ متفرغ للعبادة والتدريس في أحد المراكز المقدسة، وشرح له مشكلته المتمثلة في أنه قد شاهد فيلماً إباحياً في قناة »سيئة« وأصابته عقدة نفسية من ارتكاب هذه الفعلة الشنيعة، والشيخ هوّن عليه الأمر كثيراً وأفتاه بأن كل ما عليه أن يفعله هو أن يستغفر عن ذلك الذنب ويقدم كفارة بسيطة تتمثل في أن يشاهد القناة السودانية لمدة ثلاثة ليالٍ متتالية، فإن في ذلك كفارة لذنبه »بتاع القناة الما كويسة« وربما أن فيه كفارة لما تقدم من ذنوبه وما تأخر. وذلك ما كان من أمر قنواتنا على أيام الجدية، والرجالة و «الحشمة» والانضباط والتعفف في تلك الأيام. وفي يونيو الماضي طالب عدد من البرلمانيين من بينهم رئيس لجنة التعليم بالمجلس الوطني البروفيسور الحبر نور الدائم، طالبوا وزير الإعلام بتقليل المساحات المخصصة للغناء بالقنوات والإذاعات الرسمية »حتى لا نكون أمة لاهية«... وفي ذات الوقت دعت إحدى البرلمانيات إلى عدم استغلال صور المرأة في الإعلام بطريقة سافرة، في الوقت الذي دعا فيه بروف الحبر إلى إبراز حقيقة أننا »أمة مجاهدة«. ومن المؤكد أنه لا يمكن أن تدعي أمة أنها مجاهدة بينما يتركز جهادها في »الفيس بوك« ويبرز جهادها »صورة وصوت« في مذيعات »التِرْتِرْ والخرز«... ولا يتوقف الأمر على الشهور العادية مثل يناير وفبراير وأبريل بل يتعداه إلى رمضان وشوال وذي الحجة... ويبدو أن قنواتنا قد صارت مثل »بيت الدلوكة« حتى في رمضان نفسه، فكل وقتها غناء ورقيص واستعراض »حنة« مربعات ومثلثات وختم وبودرة تطل من الوجوه ويزيد سمكها عن ثلاثة سنتمترات، حتى أن الواحدة لو عرقت أو ضحكت أو بكت تنزل البودرة من على وجهها ويتناثر الترتر من تحت قدميها. ونخشى أن يفتي نفس ذلك الشيخ الخليجي بأن من يشاهد القنوات السودانية هذه الأيام فإن عليه الاستغفار ثلاثمائة وعشرين ألف مرة، ومن بعدها عليه الغسل، وعليه أن يغسل جسمه سبع مرات وتكون إحداها بالتراب. كسرة: ماذا تم في أمر ترحيل الجنوبيين المقيمين بالسودان، علماً بأنهم يشكلون مصدر إزعاج أمني.. والمواطنون الجنوبيون يعملون فقط للاستفادة من عنصر الزمن حتى تنقضي فترة الشهور الثلاثة «بتاعة» مجلس الأمن لتلقي علينا العقوبات في السودان دون الجنوب... واذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نستعد لكل ما هو متوقع من مجلس الأمن ولا داعي للتفاوض أصلاً... علماً بأن أربعة ملايين جنوبي يستهلكون على الأقل ألفي طن من الذرة يومياً وستين ألف طن في الشهر وسبعمائة وعشرين ألف طن في العام، وقيمتها ثلاثة ترليونات جنيه في العام، هذا غير الذرة المطلوبة لإنتاج «العرقي» و «العسلية» و «العسلوب» و «المريسة» و» «الكاني مورو» و «البغو»، وهذا غير السكر والشاي والبصل والزيت والشطة والدكوة التي تقدر قيمتها بحوالى ثمانية ترليونات جنيه في العام.