إذا كان المؤتمر الوطني كما قال السيد محمد مندور المهدي في تصريحات له نشرتها صحف الخرطوم الصادرة أمس، يدرس مسألة التفاوض مع قطاع الشمال في الحركة الشعبية وهو فصيل تابع لحزب حاكم في دولة أجنبية، فلماذا لا يكمل تنازلاته بالكامل ويقبل مرة أخرى بالاتفاق الإطاري الذي وُقِّع في نهاية يونيو «2011م» في أديس أبابا وتم رفضه بعد ذلك.. وتنتهي القصة!! عودنا المؤتمر الوطني وحكومته، أنه يرضخ تماماً كلما مورست عليه الضغوط من الخارج، ويذعن بسهولة عندما يُلوَّح له بالعقوبات، ويبتلع ما قاله مسبقاً ويكرع جرعة السم التي تقتله ولا يرعوي!! ويعلم الجميع أنه بمجرد الإعلان عن دراسة تجري داخل الحزب الحاكم حول التفاوض مع قطاع الشمال، فإن ذلك يعني الموافقة في النهاية على هذه المفاوضات مع عملاء دولة الجنوب، خاصة أن هناك قيادات ورموزًا داخل المؤتمر الوطني تؤيد بشدة اتفاق أديس أبابا السابق وتقف مع التوصل لاتفاق يزرع من جديد الحركة الشعبية قطاع الشمال داخل الجسد السوداني الذي تعافى من وجودها لكنه لا يزال يعاني من شرورها في جنوب كردفان والنيل الأزرق! وهب أننا تفاوضنا مع قطاع الشمال وقبلنا بالاتفاق مع الحلو وعقار وعرمان من جديد، فعلى أي شيء نتفق؟ وهل سيلتزم هذا القطاع الشمالي، بما يتم توقيعه، فإذا كانت نيفاشا لم تطبق في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق والبلاد كانت واحدة ولم ينسحب الجيش الشعبي ولم يخضع لإجراءات التسريح وإعادة الدمج وتتم تصفية وجوده العسكري في هذه المناطق، فكيف سيتم التعامل معهم في اتفاقية جديدة ستكون هي نيفاشا أخرى أشد سوءاً وأكثر غيلاً!! إذا كانت التصريحات من هنا وهناك حول المدارسات بشأن التفاوض مع قطاع الشمال رغم تأكيدات مندور بوجود قرار من الحزب بعدم إجراء أي نوع منها بشكل قاطع، فإنها جاءت بلا شك هذه الأقوال وعين المؤتمر الوطني والحكومة تتجه نحو نهاية المهلة التي حددها مجلس الأمن الدولي في قراره «2046» الذي دعا فيه لمفاوضات مع قطاع الشمال في الحركة الشعبية، فما أبأس هذه الفكرة وما أغرب هذه التصريحات! لأنه يعطي إشارة واضحة بما يشبه ترجيح القبول بما جاء في القرار الأممي، وقد نجد غداً قيادات قطاع الشمال تتربع على طاولة المفاوضات في أديس أبابا أو بحردار، وتمد ألسنتها للجميع!! ومن هنا لا بد من الإشارة إلى أن لجنة الوساطة الإفريقية التي تحدَّث رئيس الجمهورية عن مساعدي رئيسها مبيكي، مشيراً لعدم رفعهم للملاحظات والاعتراضات من حكومة السودان للسيد أمبيكي وتغييبهم لكثير من المعلومات عنه، هذه اللجنة تقدمت بمقترح فتح مسار جديد للتفاوض حول الأوضاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق لإكمال ما يسمى ببقية نيفاشا!! فإذا كانت نيفاشا نفسها قد شبعت موتاً بعد ذهاب الجنوب وانفصاله، فلماذا تبقى ذيول هذه الاتفاقية تطارد البلاد حتى اليوم؟ ولماذا تقبل الحكومة بهذا المنطق المعوج؟! بل ذهبت اللجنة الإفريقية أكثر من ذلك بتحديد اليوم 24/7/2012م موعداً لبدء التفاوض حول هاتين المنطقتين! ما يجري في أروقة المفاوضات منزلَق جديد في مساراتها نسأل الله أن يجنِّب البلاد ويلاتها، فالوساطة الإفريقية تستغل نهايات المهلة وتمارس لعبة شديدة المكر بإدراج قضية الولايتين، حتى تضع الحكومة أمام خيارات صعبة، فإن هي وافقت تم تمريرالتسوية عليها وإقحام قطاع الشمال، وإن هي رفضت تم تحميلها مسؤولية عدم تطبيق القرار «2046» فيجب حينئذٍ عقابها!! على طريقة إسحق أحمد فضل الله.. غداً نكتب عن «صحفية المخابرات» أسماء الحسيني ومقالاتها عن السودان..