من الناس من يرحلون من هذه الدنيا الزائلة يخلفون وراءهم ذكرى طيبة وحميدة ويقول الناس بعد رحيله (يا سلام كان راجل طيب وود ناس) ومن هؤلاء الطيبين الأبرار كان الأستاذ المعلم الشيخ مكي صالح الذي رحل لتلك الدار التي لا ترقى إليها الأباطيل نعته إلينا الأخبار ونحن هنا بالخرطوم وتوفي بدامر المجذوب في الأسابيع الفائتة كما علمت وهكذا حال الدنيا (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وأستاذنا مكي جاء للدامر منذ سنوات طويلة مضت من عمر الزمان وسكن بالدامر وصار دامريًا أكثر من مواليد الدامر اختلط بالناس في الأفراح والأتراح وكل المناسبات الاجتماعية والسياسية... وكان معلماً بالثانوية العليا تخرج على يديه أجيال وانخرط أغلبهم بسلاح العلم في خدمة السودان منهم المعلم والطبيب والجندي والتاجر والمزارع والعامل تخرج على يديه أجيال وأجيال ولم يكن معلماً فقط في جدران المدرسة وإنما هو عالم معلم بالمسجد وداعية إسلامي على بينة من أمره ويتحدث ببلاغة عن الإسلام وعن إعجاز القرآن الكريم وكان واعظاً ومحدثاً فريداً اختصه الله سبحانه وتعالى بالعلم كما قال تعالى في محكم التنزيل (اتقوا الله ويعلمكم الله) وبحق كان مكي رجلاً تقياً نقي السريرة وتعلم العلم وعلمه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم العلم وعلمه) كان فريداً في معاملته مع الناس باسماً وهو بحق يعلم داخل المدرسة وبعدها يجلس بالمسجد في حلقة القرآن الكريم يتلو بصوته الرخيم وفي نفس الوقت واعظ ومذكر بأمر الله سبحانه وتعالى وما جاء في كتابه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. هذا هو الأستاذ مكي الذي رحل عنا ونحن في ضرورة لوعظه وعلمه، جاء من الشمال من أرض البديرية واستوطن في الدامر وصارت له وطناً وترك فيها بصمات، ولما أحيل للمعاش لم يرحل كعادة الآخرين بل استوطن المدينة التي أحبها وأحبته معلماً وواعظاً هكذا، وأنا في هذه الكلمات أكتب بإجلال وتقدير مؤرخًا لرحيله وهو بلا شك رحل ولكنه راحل مقيم في قلوب الناس.. نعم أيها السادة والسيدات رحل مكي وافتقدناه ولكنه سيظل راحلاً مقيمًا في القلوب وفي المساجد، وستظل ذكراه خالدة في أعمال الخير والدعوة وإنني أحسب أن الإنسان في هذه الحياة لا بد أن يتزود والمسافر إلى أي جهة كان يحمل معه الزاد، ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)، وأحسب أن مكي رحل وهو يحمل زاده إلى تلك الدار التي لا ترقى إليها الاباطيل، وليتني كنت حاضراً وقت مواراته الثرى لأقف متحدثاً وناعياً بما أعرفه عنه من صفات حميدة وخصائل كريمة هكذا كما قال شوقي أمير الشعراء قديماً. قم للمعلم وفِّه التبجيلا ٭٭٭ كاد المعلم أن يكون رسولا ونحن نقف للمعلم الواعظ مكي إجلالاً وتقديراً وهو صاحب رسالة واعظاً ومعلماً ونقف تبجيلاً وتقديراً له عليه الرحمة والرضوان.. يا ترى كم تخرج على يديه أفادهم بعلمه في الدنيا والآخرة عليه الرحمة والرضوان.. وعزائي إلى أبنائه وحرمه وأهله وزملائه من الأساتذة وإلى إخوانه في الله بالحسناب محمد صالح ومحمد خير وبابكر النور وإلى جميع أهل الدامر الذين صار الأستاذ مكي دامريًا أكثر منهم.. خالص عزائي ودعواتي سائلاً الله أن يرحمه ويسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء ونحن وأهله وأبناؤه نمتثل أمر الله سبحانه وتعالى (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) صدق الله العظيم. وداعاً أيها الداعي للهدى والمعلم والشيخ ابننا مكي صالح، وإلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين وسلام عليك في الخالدين يرحمك الله برحمته الواسعة ودمتم سيداتي في حفظ الله ورعايته سبحانه وتعالى والسلام.