{ كان السيد الصادق المهدي قد اقترح على وفدي الحكومة السودانية وحكومة جوبا فيما يخص رسوم عبور النفط الجنوبي أقل من نصف المبلغ الذي توصل إليه الطرفان في حده الأدنى وأقل منه في حده الأعلى.. وتخيل إذا كان السيد الصادق الآن رئيساً للحكومة «بصورة انتخابية» ترى كم كان سيضيع من الدولارات التي يستفيد منها المواطن في الخدمات والرفاهية؟! لقد اقترح الصادق المهدي أن تكون رسوم البرميل «11» دولارًا.. وها هي الحكومة ممثلة بوفدها برئاسة الوزير إدريس محمد عبد القادر تصل لاتفاق مع جوبا على ما يقارب ستة وعشرين دولارًا للبرميل «25.8» والغريب أن الصادق المهدي درس الاقتصاد قبل خمسة عقود ولا أدري كيف صعب عليه أن يحسب بدقة تكلفة عبور برميل النفط من حقول البترول في دولة جنوب السودان إلى ميناء التصدير في بورتسودان.. والنفط يمر بعدة محطات للمعالجة وهناك النقل والتأمين والتصدير. وربما أن الصادق المهدي أصابه اليأس متأثراً بالمبلغ «التفاوضي» الأوّل الذي وضعته حكومة جوبا للبرميل وهو «تسعة وستون سنتاً».. أي أقل من «دولار».. «حاجة عجيبة طبعاً».. ورأى أن ما وضعته الحكومة على طاولة المفاوضات ابتداءً وهو «36» دولارًا، فيه «مبالغة» لكن بالحسابات التجارية الموضوعية تبقى «المبالغة» في المقترح المستفز من الحركة الشعبية وهو «تسعة وستون» ستناً.. أقل من دولار وفأل الله ولا فأل الصادق. ومع هذا الاتفاق «النفطي» تزامن حديث غريب صدر من وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أثناء زيارتها مؤخراً إلى جوبا حيث قالت في هذا الصدد.. «على السودان وجنوب السودان أن يتوصلا الآن لاتفاق مرحلي حول النفط».. انتهى.. السؤال ما معنى «اتفاق مرحلي»؟! هل تريد الوزيرة الأمريكية أن تزرع قنبلة موقوتة في الاتفاق كما حدث من قبل بالنسبة لبروتوكول المناطق الثلاث؟! إن فكرة مرحلية الاتفاق تفضح بجلاء الورطة الاقتصادية التي اوقعت فيها القوى الأجنبية شعب جنوب السودان، حينما أوعزت له أو باركت أن يوقف انتاج النفط نكاية بالسودان أوبالأحرى بالحكومة السودانية حتى يمتد إليها مناخ «الربيع العربي».. وهي تواجه ضغوط الشعب عليها بسبب الضائقة المعيشية والغلاء بعد خروج النفط من الميزانية و«إخراج» عائد رسوم نقله منها.. تقول هيلاري كلنتون «اتفاق مرحلي»، وفي نفس الوقت يمكن أن توجه الإدارة الأمريكية حكومة جوبا بأن توقع مع الخرطوم على اتفاق «معقول» بشأن نقل النفط، وذلك حتى تتجنب تحمّل المسؤولية الأخلاقية أمام شعب الجنوب وكل شعوب إفريقيا إذا ما تضرر جداً بسبب الإملاءات الأمريكية على حكومة جوبا.. ومعروف أن بحكومة جوبا مستشاران قديم أمريكي وجديد بريطاني هما روجر ونتر مبعوث السلام الأسبق للسلام ورئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير.. ورغبة القوى الأجنبية دائماً في مصير القضايا الإفريقية هي أن تبقى بلا حسم حتى لا تنسد أمامها المداخل التآمرية، لذلك تتحدث هيلاري كلنتون عن «اتفاق مرحلي» لأمر لا يستحق أي تعقيد أو مماطلة نظراً إلى الحسابات الموضوعية بشأنه، وهي ليست سياسية ليتطفل فيها عرمان ووليد حامد وغيرهما، وإنما اقتصادية واضحة لا شبه فيها. إن الاتفاق المرحلي يمكن أن يكون للأمور الأخرى التي يطغى فيها من جانب الحركة الشعبية البعد المعنوي على ما يتصل بمصلحة المواطن. لكن الأهم في اتفاق النفط هو أن يراعي زيادة أسعار النفط العالمية، حتى إذا ما وصل سعر البرميل مائة وخمسين دولارًا لا ينبغي أن تظل رسوم نقله كما جاء في الاتفاق، والخمسة والعشرين دولارًا وثماني سنتات إن هي تناسب الآن سعر البرميل في السوق، فلن تناسبه مستقبلاً إذا ارتفع سعره بنسبه عشرين أو ثلاثين بالمائة. وهذا ما نبه إليه أيضاً الحكومة الدكتور أحمد المفتي المحامي لكن الحكومة نفسها مدركة لهذه النقطة ولابد أن تكون قد وضعت هذا في الاعتبار وهذا طبعاً شيء بدهي.