مدينة عطبرة من المحطات المحفورة في الذاكرة ونحن اطفال في طريق العودة من الجزيرة مقر عمل الوالد الى قرية ارقي بشمال السودان كان للرحلة طقوسها ننتظرها بشغف وتشوق كل عام في اجازة الوالد السنوية بدءًا بمحطة القطار بمدينة ود مدني مروراً بمحطة السكة حديد الخرطوم ثم ينطلق القطار ليتوقف في مدينة عطبرة حيث يتم تغيير مقدمة القاطرة ويمكث ساعة كاملة يلتقينا اهلنا فقد هاجر جدي لأمي منذ عام 1929م الى مدينة عطبرة ولحق به كثير من اهلنا يلاقونا بالود والترحاب وما لذ وطاب كزوادة للرحلة، وكانت وقتها القطارات من الوسائل الرئيسية التي تربط اجزاء السودان المتباعدة، وبعد عطبرة يمر القطار بمنطقة الرباطاب ويذكرني ذلك بالرباطابي الكان مسطح في القطر وكان غزير وكبير الشارب قال له الكمساري راجل كبير وشنبك اكبر منك وكمان مسطح في القطر فاجاب الرباطابي «نان دايرني اشحنوا» والرباطاب مشهورون بسرعة البديهة، استلف احد الجيران من جاره فأساً وطالت المدة ولم يرجع الجار الفأس فأرسل صاحب الفأس ابنه عند صلاة الصبح لإحضار الفأس وسأل الجار الطفل دايرنو بدري كدا تسوا بيهو شنو فرد عليه الطفل دايرين نحلبوا نسويبوا شاي الصباح، لا تكتمل رحلة القطار إلا بأكل الترمس في محطة ابوحمد وتنتهي رحلته في مدينة كريمة والكل متشوق لوجبة القراصة بالكداد قبل مغادرة كريمة على ظهر الباخرة المنطلقة الى مدينة الدبة ثم البانطون وعناق الأهل على المشرع. استعدت شريط الذكريات هذا وانا استجيب لمبادرة كريمة من مولانا اسامة حسن رئيس الجهاز القضائي بولاية الخرطوم والمهندس كمال سوركتي وهما من ابناء عطبرة البارين بمدينتهم في ان تقيم منظمة د. كمال ابوسن الخيرية في اطار الخيم الرمضانية العلاجية المجانية التي درجت المنظمة على اقامتها برعاية كريمة من سيدة الأعمال الخيرة الدكتورة سلمى ابراهيم الصول صاحبة بيونسي التجارية سعدت بالدعوة ورحبت بها وهي تعيدني الى مدينة محفورة في ذاكرة الطفولة ومليئة بالأهل والأحباب ويستحق اهلها الكرماء «الطيبين» هذه الخدمة.. على الفور اتصل مولانا اسامة بزملائه في الجهاز القضائي بمدينة عطبرة وقد استقبلونا في استراحتهم العامرة التي ساهم اسامة في انشائها ابان ترؤسه للجهاز القضائي بعطبرة واحسنوا وفادتنا اعانني على تنفيذ القافلة الصحية الصديق الدكتور عمر حموري الذي تجمعه صلة قربى بالمهندس كمال سوركتي وصداقة بمولانا اسامة، هيأت لنا د. سلمى معملا متحركًا على نفقتها الخاصة وامدنا الدكتور فتح الرحمن عمر الفنقلون والدكتور ايمن سمساعة وكلاهما صيادلة بكميات من الأدوية المجانية تبرعت بها مشكورة شركة تبوك الدوائية، صحبني في هذه الرحلة اربعة من الاستشاريين وخمسة من الأطباء العموميين وخمسة من فنيي المعامل اضافة الى استشارية الصحة النفسية الدكتورة حواء صالح اسماعيل المدير الاداري لمنظمة كمال ابوسن الخيرية، رغم العجالة التي تم فيها الترتيب للقافلة استقبلتنا الدكتورة سامية وزيرة الصحة بولاية نهر النيل واطمأنت إلى كل التفاصيل، ساهمت اذاعة الولاية المحلية في بث المعلومة للمرضى حتى تعم الفائدة ووقف على راحتنا في استراحة القضائية مولانا عادل الحسين ومولانا شمس الدين احمد محمد وزملاؤهم.. فى القضائيةاعدوا لنا افطارًا رمضانيًا شهياً ووقفوا على راحتنا وسهلوا مهمتنا وكان فى استقبالنا بمستشفى عطبرة التعليمى مديرها الطبى د.محمد بانقا، مازحته قائلاً يا دكتور مستشفاكم صحته محترفة، والحق يقال يعمل كوكبة اطباء مستشفى عطبرة فى مبانٍ متهالكة واجهزة طبيه قديمة وغير مواكبة «من زمنًا خده مشلخ» فلهم التجلة والتحية وهم يسهرون على راحة المرضى فى هذه الظروف، قام الأطباء بالكشف على المرضى وهم كثر ووزعت الأدوية المجانية وقمت بعمل ثلاث عمليات «جهاز غسيل فيستوله لمرضى الفشل الكلوي» وفرت عليهم عناء السفر للخرطوم. حققت القافلة اهدافها، سعدنا بخدمة اهلنا بمدينة عطبرة ايما سعادة، واكرمتنا الوزيرة د. سامية بكرتونة بلح وكرتونة حناء لكل من ساهم في القافلة، هاتف صديقي د. حموري الأستاذة فتحية الملقبة بفتحية البركل كناية عن شايقيتها المتأصلة، هاتفها قائلاً د. أبوسن ادوهو كرتونة حناء فأجابت إن شاء الله المرة الجاية يدوهوا عروس وكمان راس قطر.