أجراه: عبد الله عبد الرحيم تصوير: متوكل البجاوي في هذا الحوار تطرق الدكتور إسماعيل الحاج موسى إلى تداعيات جولات التفاوض التي تُجرى الآن بأديس أبابا بين الحكومة والحركة الشعبية بدولة الجنوب وقطاع الشمال بغرض إيجاد حلول مُرضية لمشكلة الدولتين العالقة كالنفط الذي انتهى البحث فيه باتفاق مجزٍ حسب الدولتين ولكنه عُلق بالتوصل إلى اتفاق حول المسائل الأمنية حسب وجهة نظر الحكومة التي تمسكت بالاتفاقية نصاً ومضموناً بحسب إسماعيل بيد أن الحاج موسى لم يُخفِ مخاوفه من تجدُّد الصراع مرة أخرى مع دولة الجنوب التي يرى أنها لم تلتزم بما توقِّعه من اتفاقيات مع الجانب السوداني مدللاً على ذلك بكثير من الشواهد التأريخية أقربها اتفاقية السلام الشامل، وأكد أنه حينها يجب حمل السلاح للدفاع عن الأرض التي استُشهد دونها خيرة شباب السودان، ومن ثم ثمَّن ما توصل إليه الطرفان من اتفاق حول رسوم عبور النفط الجنوبي متطرقاً إلى وضع قطاع الشمال وما يقوم به من محاولات لفرض وجوده على الساحة ووصفه بأنه «حصان طروادة» وغير ذلك الكثير من الجوانب التي أبانها الحوار: ما هي المسؤولية السياسية والقانونية في الجلوس مع قطاع الشمال كحزب سياسي؟؟ قطاع الشمال بالحركة الشعبية يحاول أن يجد له موضع قدم بالساحة السياسية السودانية، ويحاول بطريق غير مباشر أن يُرغم الحكومة على الاعتراف به كحزب، وهذا الحكومة لن تفعله، لأن قانون الأحزاب لعام «2007م» المادة «14» في الفقرتين «ح» و«ي» يجعلون من المستحيل لهذا القطاع أن يسجل كحزب ويعترف به، لأن الفقرة «ح» تقول على الحزب ألّا تنطوي أهدافه على العسكرية وألّا تكون له قوات سواء بالداخل أو غيره ولا يكون فرعًا لأي قطاع سياسي خارج السودان وقطعاً الجنوب صار دولة مستقلة، غير أنهم قطاع الشمال يملكون المليشيات وهذا يجعل من الصعب جداً الاعتراف بهم كحزب سياسي بالسودان للمخالفة الواضحة. هل هناك دفوعات أكثر منطقيًا تجعل القطاع غير مرحَّب به وغير قانوني وبالتالي لا يحق للحكومة الجلوس معه؟؟ المسألة واضحة جداً بالنسبة لنا، والرأي العام السوداني واضح جداً في هذا الخصوص وبمختلف منابره، فقد عبَّر عن رفضه التام لما يسمى بقطاع الشمال ولأسباب كثيرة غير أنه يمثل فرعًا لحزب أجنبي وهذا ممنوع وفقًا لكل الأعراف، وأيضاً أنه يملك مليشيا عسكرية الأمر الذي تمنعه المواد القانونية والمنطق كذلك. والقطاع هذا تحديداً كان هو السبب في كل المشكلات التي حدثت بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وكانوا عبارة عن خميرة عكننة، ورأس الحربة في المشاكسات والمشكلات التي حدثت بين الشريكين وأعتقد ليس لهم فرصة أخرى أبداً ليلعبوا دورًا في الساحة السياسية من جديد. وهل عودة عقار ستُسقط عنه التهم الموجهة إليه بفعل ما ارتكبه من جرائم؟؟ أبداً لن تسقط الجرائم بالتقادم، وهو الآن مجرم وهناك تهم عليه.. وعقار لن يستطيع أن يعود حاكماً لأن هنالك شروطًا للترشيح لهذه الوظيفة، وإذا أوفى بهذه الشروط لا يستطيع أحد منعه، ويكون الحكم حينها صندوق الانتخابات، ومن هذه الشروط أن لا يكون قد أُدين في جريمة تخل بالشرف والأمانة. لذلك يرى كثير من أبناء المنطقتين أن الحركة الشعبية قطاع الشمال خطفت قضيتهم وتاجرت بها ونفس السيناريو يتكرر من عناصر ليس لهم صلة بالمنطقة مثل وليد حامد وياسر عرمان في أديس أبابا؟؟ والآن المفروض أن يقوم أبناء هذه المناطق بدورهم لأن القضية لهم وإذا أي شخص اختطف قضيتهم هم من يستطيع استعادة هذه القضية المختطَفة والحقوق تُنتزع ولا تُمنح وهذا هو واجبهم تجاه المسألة، والحكومة عملت ما عليها أنها قررت أنها لن تفاوض أي فصيل مسلح وبالذات قطاع الشمال، فهو حزب غير معترف به في الشمال لأنه يمثل فرعًا من حزب أجنبي ومن ثم القضية قضية أبناء المنطقتين في استعادتها من المختطِفين وان يناضلوا من أجل استعادتها. يلاحظ أن الحكومة تؤكد اعتراضها على عرمان والآن وفدها يجلس في أديس مع الحركة الشعبية نفسها ألم يكن في الأمر غرابة؟ أنا عضو في القطاع السياسي وفي كل اجتماعاتنا أكدنا أننا لن نحاور قطاع الشمال، وهذا تحديداً ما صرح به رئيس الوفد كمال عبيد، وأكده أخونا نائب رئيس الجمهورية الدكتور الحاج آدم في أكثر من مناسبة، وأكدنا أننا سنحاور أهل المنطقتين، وهؤلاء ليس منهم فقط يريدون أن يتخذوا من مذكرتهم تلك حصان طروادة ليدخلوا بها الساحة السياسية السودانية. إذن ما هي جدوى التفاوض الآن هناك وقطاع الشمال لا يزال يفرض نفسه على الحكومة كحزب يجب مفاوضته؟ الحكومة تؤكد أنها ليس لها أي سبب وجيه أو مقنع لمفاوضة قطاع الشمال صحيح أن القرار 2046 لمجلس الأمن فيه إشارات لقطاع الشمال ولكن كان المقصود هم أهل المنطقة وليس الحزب المشار إليه، وغير ذلك لا توجد دولة تستطيع أن تفرض عليك أجندة تتعارض مع قوانينك ومع أعرافك، والقانون واضح جداً قبل أن يخرج هذا القطاع، وهم يعلمون ذلك جيداً، لذلك نحن لم نسعَ خلف هذا القطاع وليست هناك جدوى من مفاوضته إطلاقاً بالرغم من أننا مع الحوار لأنه قيمة دينية لا مناص منها، وحتى الحربين العالميتين انتهتا بالحوار، ولكن يحاوَر دائمًا أصحاب المصلحة الحقيقية في الأمر فما هي مصلحة قطاع الشمال في المنطقتين؟؟ وهل هم من يطأ الجمرة هناك؟! ملف الحدود هو الملف الأصعب الذي تواجهه المفاوضات فإلى أي مدى يمكن للطرفين تجاوزه؟؟ هناك شيئان أعتقد أنهما ساهما في تعقيد هذا الملف منهما السلوك العدواني الذي اتسمت به الحركة الشعبية منذ توقيعها على الاتفاق في العام 2005م فهي منذ البداية تعاملت معنا بكثير جداً من سوء النية الذي وصل لمرحلة العدوانية، ونحن تعاملنا معهم بكثير جداً من حسن النية الذي وصل لحد المهادنة حقيقة، وجاءت الاتفاقية مكتوبة بنص واضح جداً كل الشعب السوداني يحفظه وهو أن يعمل الطرفان لكي تكون الوحدة خياراً جاذباً، ولكنهم منذ توقيع الاتفاق ظلوا يعملون لكي يكون الانفصال هو الخيار الجاذب؟! فهم لا يلتزمون بما وقَّعوا عليه لذلك نجد سلوكهم دائمًا عدوانيًا وليس لهم التزام بقيم أو عهود وما إلى ذلك، وهذا جزء من سلوكهم وهم كانوا جزءًا أصيلاً من الحكومة السودانية، بل كان منهم النائب الأول لرئيس الجمهورية وغيره من الوزراء الذين يشكلون حكومتنا، ورغم ذلك كانوا يجمعون المعارضة السودانية بجوبا لتضرب الخرطوم.. انظر درجة هذا التناقض وعدم الأخلاق في تصرفات الحركة الشعبية، هؤلاء ليس لهم عهود أبداً.. أما السبب الآخر فهو انحياز المجتمع الدولي أو ما يسمى بالدولي لهم وهذا شجعهم وجعلهم يتمسكون بأشياء ليس لهم حق فيها. قضية أبيي سبق أن حكمت فيها محكمة لاهاي فلماذا تساوم فيها الحكومة بفتح الملف مرة أخرى من خلال أديس أبابا؟ هناك أشياء واضحة جدًا منطقًا وقانونًا، فهتين المنطقتين حتى الحركة الشعبية في الاتفاقية اعترفت بأنهما يتبعان للشمال لأنه في الاتفاقية نفسها هناك تعريف لمن هو الجنوبي الذي يحق له أن يصوت ولم يذكر فيه ناس أبيي ولا جنوب كردفان ولا النيل الأزرق ولكن هناك جنوبيين متعايشين مع المسيرية في أبيي فهؤلاء سُمح لهم بالتصويت بالرغم من أن مستوى التعايش هناك بين الدينكا والمسيرية كان يضرب به المثل.. والمنطقتان الأخريان أعطوهما ما يُعرف بالمشورة الشعبية وهذه ليس معناها التخيير في أن ينضموا للشمال أو الجنوب وإنما لمعرفة مدى تنزيل التنمية هناك وفقاً لاتفاقية الشمال، والاتفاقية معترفة بأنهما شماليتان فكيف تخير فيهما بالانضمام للجنوب أو البقاء في الشمال، هذا لا يستقيم عقلاً وليس هذا هدف المشورة الشعبية كما يخلط البعض، ونفس الأمر مع أبيي.. فمشكلتنا نحن أننا لم نتراجع ولكن الطرف الآخر الذي وقّع معنا الاتفاق لم يكن له أخلاق ولا قيم ولا يلتزم بعهوده.. وقبل عدة أيام أكد رئيس مجلس الأمن في اجتماعه الأخير أن الحدود بين السودان وجنوب السودان هي حدود 1/1/1956م. ما هو تقييمك للاتفاق الذي تم في الحريات الأربع في ظل ظروف التوتر في العلاقات وأنك قد قلت إن هذا ينطوي على مخاطر أفما زالت هذه المخاطر قائمة؟؟ لم يكن هناك اتفاق على الحريات الأربع، ولكن هم يتحدثون عن ذلك، وكان في الاتفاق السابق الذي وُقِّع في أديس أبابا هناك كلام عن الحريات الأربع ووجد هذا معارضة كاملة من المؤتمر الوطني، وأنا في المكتب القيادي وأتذكر أنه لا يوجد عضو واحد دافع عن هذه الاتفاقية، بل رُفضت من كل الأعضاء، ونافع كان رجلاً ديمقراطيًا بعد أن استمع لرفض كل الأعضاء وجاء الرئيس من رحلة خارجية آنذاك وفي مسجد النور قال الحمد لله أن إخواني في المكتب القيادي أغنوني عن رفض ذلك، والحريات الأربع كلها مخاطر لأنك تعطي الشخص الحرية الكاملة في أن يفعل ما يشاء بأمر الإقامة وحق التملك والجنسية. ما هو تقييمك لاتفاق النفط الذي تم بأديس مؤخراً؟؟ الي الآن لم يوقَّع رسمياً وكل ما قيل هو عبارة عن حديث خرج من ألسنة المتفاوضين إن كانوا من جانب الحكومة أو جانب دولة الجنوب أو من الوساطة. هل يعني هذا أن الحكومة لم توافق على ذلك الاتفاق؟ لا لا.. وافقنا ولكن لم يُذكر حتى الآن تفاصيله، وفي المفاوضات دائمًا تجد كل الطرفين يقوم بتعلية سقف المطالب، لأن كلمة تفاوض تعني تنازل، فرفعنا نحن سقفنا وأيضاً رفعوا هم سقفهم، ولكن في الآخر وصلنا لحل وسط، وأعتقد أن الاتفاق مجزٍ بالنسبة لنا لأن وزير المالية قال إن هذا الاتفاق سيُحدث انفراجًا لأزمتنا الاقتصادية ورغم ذلك لم يوقع عليه لأن الوفد السوداني ربط ذلك بالاتفاق حول الملف الأمني. وهذا يعني أن الوفد وصل إلى صيغة مُرضية حول النفط؟؟ واضح لأن المسؤولين الآن يعبِّرون عن رضاهم بأن ذلك يُحدث انفراجًا لأزمتنا. والجنوبيون قبلوا به باعتباره حلاً وسطًا، وبعد أن تم ضغط من أمريكا التي قالت لهم إنكم لا تعرفون أين مصالحكم وإنكم دولة حديثة وقامت بعد ذلك بتقديم التهنئة للرئيس البشير بالاتفاق حول النفط ومروره، رغم أن أمريكا دولة ليست لها أخلاق لأنها دائمًا تطالبنا بالإذعان لقرارات المحكمة الجنائية الدولية وهي أكثر من ناصب هذه المحكمة العداء وهي لم تكتفِ بعدم توقيعها على لاهاي وحسب وإنما مجلس الشيوخ أصدر تعليماته للرئيس الأمريكي بأنه إذا حكمت لاهاي على أي مواطن أمريكي فيجب عليه استعمال كل الوسائل حتى العسكرية لإطلاق سراح هذا المواطن وتطالبنا في الوقت نفسه بتسليم رئيسنا.. انظر إلى عدم الأخلاق والازدواجية.