كانت هناك معركة حامية الوطيس بين المدعو كاربوف والمدعو كسباروف ولولا هذه ال «أوف» لما عرفنا أن المدعوين ينتميان إلى روسيا. ووضع المسألة على هذا النحو يجعلنا نعتقد أن تلك المعركة الحامية الوطيس لا بدّ أن وطيسها قد حمي في مباراة مصارعة ارتكبت فيها كل المخالفات الممكنة وغير الممكنة... ولكن الواقع يقول إن تلك المعركة التي امتدت أياماً طويلة وساعات أطول.. كانت في ميدان الشطرنج. لقد كان أناتولي كاربوف بطل روسيا بلا منازع في ميدان الشطرنج ، اشترك في «32» مباراة عالمية وتفوّق وكسب منها «26» مباراة وضرب الرقم القياسي في مبارياته السنوية التي تبلغ «42» مباراة في العام. ولم يسلبه لقب البطولة إلا الشاب الروسي جاري كسباروف الذي كان يبلغ الثانية والعشرين من العمر عندما هزم كاربوف في التاسع من نوفمبر عام 1985م إلا أن قصة ذلك الصراع لم تبدأ لتنتهي في ذلك التاريخ فقد بدأت محاولات كسباروف وهو صبي صغير السن في السادسة عشرة من العمر عندما بدأ يتحدى كاربوف الذي كان بطلاً عالمياً منذ عام 1975م. كنتُ أشاهد مباريات كاربوف وكسباروف على شاشة التلفزيون الكندي وجمع غفير من الصحفيين ومحبي لعبة الشطرنج قد وصلوا إلى آيسلندا لمشاهدة تلك المباريات. وكنتُ أشعر بالعجب والساعات الطوال تمر دون أن يتحرك أحد اللاعبين ويحرك أية قطعة ومن وقت لآخر كان كاربوف يثور ويعقد مؤتمراً صحفياً ويتهم خصمه الصبي كسباروف بأنه قد جاء ببعض السحرة وأجلسهم وسط الضيوف وكان هؤلاء على حد زعم كاربوف يوجهون له بنظراتهم موجات كهرومغناطيسية تجعله يتخبّط ولا يستطيع التركيز وأنه لن يواصل المباراة إلا إذا خرج هؤلاء من القاعة. وكان يثور جدل عنيف حول أحقية المشاهدين لحضور المباراة وما إذا كان لهم تأثير حقيقي على تركيز اللاعبين. وقد استدل كاربوف على حجته تلك بما كان يفعله يوري جاجلر ذلك اليهودي أمام عدسات التلفزيون وهو يوجه نظراته ويركزها على شيء معين.. فيكسر الزجاج ويلوي المسامير ويحرك القطع المعدنية معتمداً لا على قدرة خارقة ولكن حسب ما كان يردده جاجلر بأن التركيز يولد شحنات كهرومغناطيسية إذا وجهت بطريقة صحيحة، فيمكن أن تحدث أشياء يظنها الناس من الخوارق ولكنها لا تعدو أن تكون ظاهرة طبيعية يغفل معظم الناس عن استغلالها. قرأت أخيراً أن كسباروف قرر العودة إلى روسيا بعد أن ظل زمناً طويلاً في الولاياتالمتحدة. من هنا فقد خطرت على ذهني خاطرة عبقرية أهديها للإخوة في إدارة الأندية الرياضية منبهاً لهم أن يتذكروا تراث أمتهم الطويل من «العين الحارة» التي يتمتع بها بعض إخوتنا «السحارين» ذوي العيون الحارة وخصوصاً بعشوم ود أب فرطاقة الذي استجلبه بعض سكان المناطق المتأثرة بالأمطار الأخيرة بعد أن تهدمت منازلهم وباتوا في العراء. ود أب فرطاقة من قرية «شلعوها المعاينة» الذين اُشتهروا بالعين الحارة التي لا تجلي وتظهر نتائجها في التوِّ والحين. الذين استجلبوه قالوا له: يا بعشوم.. المطرة جننتنا وهسع شوفا شايلة كيف.. دي كن نزلت بتغرقنا كلنا... دحين عايزنك تديها لينا عين تفرطقا وتفرقا باقي الخريف دا كلو... فرفع رأسه للسماء وقال: - بالله شوف السحابة دي مزرقنة كيف.. هسع الغنماية كان شبت ما بتشرب منها؟ وتفرّق السحاب وإلى كتابة هذه السطور لم يلتئم شمله. وهل جاءتكم أمطار بعد زيارة ود أب فرطاقة للخرطوم؟ فأقترح على الأندية الرياضية أن تستجلب شخصاً مثل ود أب فرطاقة بدلاً عن «الأناطين» ليقوم بجهجهة اللاعبين فمثلاً يوجه نظره للاعب الخصم وهو يقول: - الكتلة... دي هسع رجل ولا عمود كبري؟ فيقع اللاعب وتنكسر رجله في التو والحين ولا يعود للملاعب أبداً.. وقد كانت من أعظم إنجازاته أن «سحر» لاعب الهلال «الدريسة» عليه رحمة الله.. فلم يعد للملاعب حتى لقي ربه. وإذا أراد اللاعب الخصم أن يصوب الكرة من ضربة جزاء يصيح ود أب فرطاقة: - يا زول إنت عايز تسجل قون ولا تسجل واطة؟ وعندها يصوب اللاعب الكرة إلى كفتريا الإستاد. وهكذا تتبدد كرات المنتخب الخصم.. ويتبدد الفريق بينما يغمغم ود أب فرطاقة: - هم وكت ما قادرين يلعبوا .. ليه بلبسوا فنايل من أساسو؟.. فتتمزق الفنايل من أساسو. - آخر الكلام: - دلْ على وعيك البيئي.. لا تقطعْ شجرة ولا تقبلْ ولا تشترِ ولا تهدِ هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكنْ شعارُك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبُر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.