تعود القس/ فليوثاوس فرج الاتكاء على مائدة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ليقيم أود ما يدين به في المسيحية، في محاولة يائسة للتشويش على عقائد المسلمين. وكأني به يقول: نحن أصحاب ديانة واحدة تستضيء بذات المشكاة، وتسترشد بذات الأفكار والمضامين، ومن ثم فالسير على هدي أي من الرسالتين واتباع أي من الرسولين منجاة، وحقيق بأن يفضي بسالكه إلى النجاة. بل لعله بطرف خفي حيث يتعمد تحريف ما يستشهد به يأمل أن تعود عليه كتاباته بسفر من أسماء من يتركون الإسلام، ويسيرون تحت لواء الثلاثة واحد والواحد ثلاثة، فيفوزون بصكوك غفران الذنوب. ما دعاني إلى الكتابة حول هذا الموضوع مقال الأخ/ أحمد ابن أبي عائشة على صحيفتكم العدد «1252» تحت عنوان «في الرد على ادعاءات فليوثاوس فرج»، حيث لفت الكاتب جزاه الله خيراً إلى جملة من الأخطاء الواضحة، والمجتزأة عمداً التي سردها القس/ فليوثاوس في «أطروحات سودانية» ضمن مقالات عدد الصحيفة «1213» الصادر بتاريخ 25/12/2009م. واستكمالاً لما بدأه الأخ/ أحمد في دفاعه عن الإسلام وغيرته على عقائد المسلمين، أود التنبيه أيضاً على الآتي: 1/ هل استشهاد القس/ فليوثاوس بالقرآن والسنة تصديقاً لما فيهما، أم هو محض تخير ما يناسب المقام الذي يود التبشير به. وإلا فإن الدين كل لا يتجزأ، فإطمئنان القس لما في الإسلام دليل ضمني على التصديق بما جاء به الدين الإسلامي كله. وإلا فهو كما قال المولى سبحانه وتعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) سورة البقرة الآية «85»، وكما قال سبحانه: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) سورة المائدة الاية «13». 2/ في الآية «49» من سورة آل عمران، عند الإشارة إلى معجزات سيدنا/ المسيح (عليه السلام)، عمد القس إلى تقديم وتأخير في ترتيب كلمات الآية، لتعطي معاني غير ما أراده القرآن، ثم اجتزأ كلمة ليعطي للمعنى دلالات منحرفة تماماً. حيث رتب القس الآية كما يلي: (وأحيي الموتى بإذن الله)، (وأبرئ الأكمه والأبرص)، في إشارة خبيثة إلى الاعتراف بأن إحياء الموتى يكون بإذن الله، أما إبراء الأكمه والأبرص فبقدرة السيد/ المسيح (عليه السلام) استقلالاً. والآية كما جاءت في كتاب الله هي قوله تعالى: (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). سورة آل عمران الآية «49». 3/ استدل القس على مكانة سيدنا المسيح (عليه السلام) بتفسير الإمام البيضاوي لقوله تعالى: (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ)، حيث قال القس: «فلقد قال البيضاوي إن الوجاهة في الدنيا وفي الآخرة هي الشفاعة». وهذا الكلام غير صحيح من حيث النقل أولاً، لأن ما قال به الإمام البيضاوي هو: «والوجاهة في الدنيا النبوة وفي الآخرة الشفاعة». فانظر إلى الحذف المقصود لكلمة «النبوة»، بما يفيد نفي بشرية السيد المسيح (عليه السلام)، كما أن فيها إشارة إلى تميز السيد/ المسيح (عليه السلام) بتلك الشفاعة. هذا، وإن كان القس/ فليوثاوس يستشهد بالقرآن، فنفيده علماً بأن كلمة الوجاهة هذه مدح بها الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى (عليه السلام)، حيث يقول المولى عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا) سورة الأحزاب الآية «69». 4/ وافتأت القس أيضاً على العلامة الفخر الرازي حين لم يشر إلى أن معاني الوجاهة التي أوردها الرازي هي أربعة أقوال عند أهل التفسير، ذكرها الرازي مرتبة، وليس كما أشار إليها القس مدرجة متداخلة. كما أنه نقل أن الرازي قال: «وإن الوجاهة تعني زعامة النبوة، وزعامة الشفاعة» وهذا ما لم يقله الرازي البتة. وليس في تفسير الرازي مطلقاً قول القس: «هو وجه الأنبياء والمرسلين المقدم في الدنيا عليهم»، إلا أن يكون هو كلام القس/ فيلوثاوس. وإن كان هو من كلام القس فالأمانة العلمية والخلقية تقتضي وضع ما يفيد انتهاء ما قاله الرازي، حتى يدرك القارئ أن ما بعده كلام مستأنف. وإن كل كتب التفسير تشير إلى أن الوجاهة بسبب النبوة، وهذه بلا شك لا ينفرد بها سيدنا المسيح (عليه السلام). أما الزعامة فهي كما توردها كتب التفسير فعلى الناس، أي العوام من غير الأنبياء، وليس الزعامة على الأنبياء كما أشار القس. 5/ مال القس إلى السنة النبوية، فنقب في صحيح البخاري فقال: «كما قال البخاري: إن كل ابن آدم ينخسه الشيطان فيستهل صارخاً إلا عيسى ابن مريم». والحديث عند البخاري، ولكن ليس بتلك الصيغة، كما أن فيه أيضاً اجتزاء. فالحديث الذي في البخاري (كتاب بدء الخلق/ باب: صفة إبليس وجنوده): عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: (النبي صلى الله عليه وسلم كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد، غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب). وعنه رضي الله عنه أيضاً: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها). فانظر أولاً إلى العبارات والكلمات التي تشي بالنقل غير الأمين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر إلى حذف القس كلمة «فطعن في ا لحجاب» التي تفيد عدم نجاة السيد/ المسيح عليه السلام من طعنة الشيطان. ولا شك أنه إذا كان السيد المسيح ابنًا لله في زعمهم فكيف يتأذى من الشيطان! كما أن كتب السنة التي أوردت هذا الحديث تجد فيها إما كلمة «يولد» أو كلمة «حين يولد» التي حذفها القس. وأنت حين تقرأ ما نقله القس ربما تبادر إلى ذهنك أن الولادة كانت بسبب الشيطان. 6/ قال القس بعد ما أورد الحديث الذي نقله خطأ عن البخاري، قال: «وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان يولد وهو يحمل الخطية (والصحيح الخطيئة) الأصلية». والسؤال هو أين تلك الإشارة، وما القرينة التي استند إليها القس؟ وهل «الإنسان» الذي أراده القس لا يشمل السيد/ المسيح (عليه السلام)؟ 7/ وقبل ذلك كله، فالآيات التي ذكرها القس ورد فيها قوله سبحانه وتعالى: (عيسى ابن مريم) في إشارة واضحة إلى بشرية السيد، حيث نُسب إلى أمه لعدم الأب، فقد خلقه الله بقدرته المطلقة. قال الإمام الفخر الرازي: «لم قال عيسى بن مريم والخطاب مع مريم؟ والجواب: لأن الأنبياء يُنسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، فلما نسبه الله تعالى إلى الأم دون الأب، كان ذلك إعلاماً لها بأنه محدث بغير الأب، فكان ذلك سبباً لزيادة فضله وعلو درجته» انتهى. 8/ في خواتيم مقالته أورد القس قوله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) «82»، مشيراً إلى حسن العلاقة التي نشأت بين النبي صلى الله عليه وسلم ونصارى المدينة. والسؤال «لا يستكبرون» عن ماذا؟ قال العلامة البيضاوي: «عن قبول الحق إذا فهموه»، وأقول إن الحق الذي لا جدال فيه ختم الرسالات بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن كثير: «وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف، فقال: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) أي: «مما عندهم من البشارة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم». وفي الختام نحمد الله الذي تكفل بحفظ هذا الدين، فلم تزل مياهه لا تكدرها سفن الشانئين، ولا توقف نمو شجرته معاول الطاغين. لكن أن يتصدى له من يدّعي أنه أقرب مودة لمعتنقيه، ويتحلى بقلادة التزكية من القرآن (وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)، فهذا مما يدعو إلى العجب ويثير الحيرة!. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل!