حزنتُ جداً للمعلومات المضطربة والمضللة التي أدلى بها الناطق الرسمي باسم الطيران المدني الدكتور عبد الحافظ عبد الرحيم حول ملابسات الطائرة التي هبطت اضطرارياً أمس الأول في فضاء قرية نائية في شمال كردفان اسمها «ود داوود» بمحلية ودبندة، وواضح من خلال حديثه أن إدارة الطيران المدني ساقطة تحت تأثير الرأي العام السالب حولها ولذلك بادرت بإطلاق التصريحات العجولة التي أخفت كثيراً من الحقائق الجغرافية والفنية المتعلقة بالطائرة وحاولت التقليل من أهمية وخطورة الحادثة ومحاولة تقديم النفي للخبر ووقائعه قبل أن يعرفه الناس ويبدأوا في البحث عن خلفياته ومراجعته..!! من التناقض قول «عبد الحافظ»: «إن الطائرة لم تواجهها مشكلة ولم تهبط اضطرارياً وإنما هبطت للتزود بالوقود ومن الطبيعي أن تزود بالوقود من أقرب مدينة» وأضاف: «إن الطائرة مكثت لمدة من الزمن انتظاراً لجلب الوقود من مطار الأبيض وبعدها باشرت رحلتها التي من المفترض تنتهى في الضعين بشرق دارفور» انتهى حديث عبد الحافظ..!! عذراً أستاذ عبد الحافظ، لا تستهتر بعقول الناس، إن الطائرة واجهتها مشكلة حقيقية وهي نفاد الوقود مما أضطر الكابتن للهبوط في تلك القيزان بمنطق حديثه للسلطات الأمنية التي تحرت معه بمحلية ودبندة وأن الهبوط لم يكن طبيعياً كما زعمت، منطقك هذا فيه غرابة وإخفاء للحقائق في عالم مفتوح وشفاف وأنت أستاذ الإعلام، تدرك ذلك وسيد العارفين به.. ثم أين هي أقرب منطقة للتزود بالوقود كما تقول..؟؟هل هي ودبندة والطائرة تحركت من الخرطوم في طريقها للضعين بشرق دارفور في مسافة تقارب الألف كيلو متر، لأن المسافة بين الأبيض والضعين فقط تبلغ خمسمائة كيلو متر والمنطقة التي هبطت فيها الطائرة تبعد عن الأبيض مئتين وتسعين كيلو متراً، فكيف بالبساطة التي تحدثت بها أن تتزود هذه الطائرة ثم تقلع لتواصل رحلتها الميمونة؟!! وأقول الأبيض لأنه ليس هناك منطقة فيها وقود طائرات أصلاً.. دا كلام غريب ومدهش حين تقول إن الطائرة قد أقلعت وواصلت مهمتها وهي حتى مساء أمس رابضة بود بندة وطاقمها مقيم باستراحة المحلية والوقود في طريقه من الأبيض إلى موقع الحادثة، وحتى كتابة هذه السطور الطاقم يبحث عن تراكتور لسحب الطائرة من رمال القوز الذي غاصت فيه إطاراتها بعمق وأن المنطقة لم يوجد بها تراكتور والحراثة هناك في بوادي كردفان تقليدية وليس هناك ما يستدعي كل هذا التضليل.. كان الأوفق أن تنطق بالحق، لكن يبدو أن المعلومة غير متوفرة لديك فاضطررت للنجر والقطع الأخضر.. قضية أخرى أكثر أهمية هي مجالنا الجوي الحيوي وحمايته فإذا نظرنا لهذا الطائرة إذا ما كانت قد هبطت في تلك الديار النائية لم يتعرف عليها أحد ولا عن هوية ما بداخلها لأنه بمجرد ورود النبأ قد تحركت سلطات المحلية بصورة ماكوكية لمعرفة هوية الطائرة ولم تتوفر لديهم الرؤية بصورة عاجلة، فقد تم الاتصال بوزير الزراعة الولائي وغيره من الجهات الولائية لمعرفة ما إن كانت هناك معلومة عن حركة طائرة مجهولة الهوية في أجواء الولاية ولم يدلِ شخص بمعلومة فقط المترجم السوداني المرافق للطاقم قال إن الطائرة في مهمة تتبع لوزارة الزراعة ومستأجرة من شركة خاصة،الشيء الطبيعي أن يكون هناك تنسيق على كل المستويات في هذا الإطار وأن المعلومة يجب أن تكون متوفرة في أي مؤسسة ذات علاقة بالمجال الجوي أو الأمني أو الملاحي تفيد أن هناك طائرة من طراز كذا في مهمة كذا..؟؟ المواطن البسيط في منطقة ود بندة كان حسه الأمني عالٍ جداً عندما تحفَّظ على طاقم الطائرة وإبلاغ الأجهزة المختصة بالأمر ومساعدتها حتى استلامهم وقد كان المواطنون أكثر تشدداً بعدما وجدوا الطاقم أجنبياً وهذه روح وطنية إيجابية كبيرة دفعتهم لهذا العمل الرائع الذي يستحقون عليه التقدير والإشادة. لكن هذا لم يتضح في هذا المجال وأحداث كثيرة مرت على بلادنا لطائرات نفذت ضربات جوية تفاجأ بها الناس ولم يعرفوا عنها شيئاً والرؤية حولها غامضة حتى اليوم.. في حادثة طائرة ود بندة واضح أنه لم يتم التحسب للمسافة والمناخ وتغييرات الرياح وكثير من العوامل التي تتسبب في فشل الملاحة الجوية في تقدير الموضع والإحداثيات والمسافات بشكل دقيق لوجهة الطائرة.