استؤنفت المفاوضات مرة أخرى بين الخرطوموجوبا عاصمة الدولة الجديدة، في أديس أبابا لتمضي باتجاه تحقيق مصالحة ومصالح مختلفة للطرفين. جوبا يهمها فقط التوقيع النهائي على اتفاق «الحريات الأربع» وإدخاله فوراً حيز التنفيذ، وقبل سحب الفرقتين التاسعة والعاشرة المرابطتين في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بقادة سودانيين مزيّفين يدّعون الاحتجاج المسلح ضد الحكومة لصالح الولايتين، ويقف وراءهم القادة الكبار للجيش الشعبي في جوبا وخزينة الشعب الجنوبي الشحيحة ومخططات إسرائيل وأجندة النفوذ الأمريكي.. الذي لا يشبع إلا بالتهام كل أراضي العالم الثالث.. واتفاق الحريات الأربع لايهم الحكومة السودانية في شيء غير أنه إطعام للئيم جائع تريد قطع لسانه، وكأنها عقد مقارنة بين ترك اللئيم جائعاً قبل انسحاب قوات الجيش الشعبي من الولايتين وإشباعه بالحريات الأربع قبل ذلك وهو يتضّور جوعاً لها. لعلها رأت الأفضل نتيجة قبول التوقيع على الحريات الأربع قبل سحب القوات الجنوبية، أو بالأحرى التابعة للجيش الشعبي الذي يجد الدعم الكبير من واشنطن وإسرائيل دعماً في هذا الوقت للجيش الشعبي وليس «الشعب الجنوبي»، وهل الأحوج إلى هذا الدعم الآن هو المواطن الجنوبي أم الجيش الشعبي؟! وفي الوقت الذي يعاني فيه المواطن الجنوبي من سوء ضروريات الحياة من صحة وتعليم وطعام وغيرها من الخدمات، تكشف واشنطن حقيقة توقيع عقود مع شركتي أسلحة أمريكية لتطوير الجيش الشعبي.. وحتى إسرائيل لم تفوّت فرصة دعم الجيش الشعبي، وقد منحته خمسمائة مليون دولار كمساعدات، وهذا ما يقوي بالطبع حلف الدولتين لتكون جارة السودان الجديدة والإقليم الجنوبي السوداني القديم، عوناً للاحتلال الإسرائيلي. وهذا هو الفرق بين التطبيع الإسرائيلي مع دولتي مصر وجنوب السودان. وإن كان لا خير في إحداهما إطلاقاً. والسؤال: أيها السيد الوزير إدريس، رئيس وفد التفاوض، هل بكل هذا تكون دولة جنوب السودان مؤهلة للتوقيع معها على إتفاق الحريات الأربع؟! إن هذه الحريات ستكون وكأنها وُقّعت مع إسرائيل، ما دام الجنوب أصبح بعد الانفصال منطقة نفوذ إسرائيلي، وهذه الحريات الأربع ستستفيد منها إسرائيل وهي متخفية وراء بعض مواطني الجنوب أكثر من المواطن الجنوبي الذي صوت للانفصال بنسبة تكاد تكون كاملة، وهذا دليل على أن الحريات لا تعنيه هو في شيء، وإنما تعني أصحاب المشروع التآمري الإفريقي الغربي الإسرائيلي ضد السودان. فهل طالب السودان واشترط سحب الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين للجيش الشعبي للتوقيع على اتفاق الحريات الأربع حتى يكون التوقيع في أجواء سليمة وملائمة؟! أم أنه يرى سحب الفرقتين بالتوقيع على مثل هذا الإتفاق؟! وكيف؟! إن شعب الجنوب شأنه شأن الشعب السوداني.. لا يحتاج في هذه المرحلة على الأقل، إلى حريات في دولة أخرى، وإنما يحتاجها داخل دولته، ويحتاج إلى الأمن والاستقرار الذي يأتي كنتائج ايجابية لسياسات صحيحة.. هذه السياسات غير موجودة. إذن جوبا تهتم بهذه الحريات الأربع، والخرطوم كما يبدو تراهن عليها لوقف «الصداع النصفي» الذي يسببه نظام جوبا، مستخدماً إزعاج الحلو وعقار في «الولايتين»، يضاف إليه ازعاج حركات تمرد دارفور التي نقلت نشاطها من الشمال الغربي إلى الجنوب حسب الظروف الجديدة. السودان يمكن أن يضمر فكرة الحريات الأربع مع الجنوب حتى المستقبل، كما يمكن أن يفعل مع معظم دول الجوار. لكن الآن الوقت غير مناسب.