رغم مرور (11) سنة على أحداث (11 سبتمبر عام 2001م) في نيويوركوواشنطن لكن الرعب لا يزال يسيطر على العالم، وليس الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها.. وما زالت دول الغرب تفرض إجراءات أمنية مشدَّدة على الدخول والخروج إليها.. كما أنها تتعامل بحذر مع العرب والمسلمين القادمين إليها.. ولعلنا نلاحظ أن أمريكا تعلن من حينٍ لآخر رفع حالة التأهّب تحسّبًا لوقوع هجمات إرهابية، بل إنها باتت تهتم بكل إشارة أو معلومة في هذا الشأن حتى لو كانت خطأً أو على سبيل جسّ النبض! إن هاجس أحداث سبتمبر سيظل مسيطرًا على دول الغرب خصوصًا الولاياتالمتحدة، وتعي الإدارة الأمريكية تمامًا أن السبب الرئيس لما آلت إليه صورتُها في العالم العربي والإسلامي هو منهجها في التصدي لظاهرة الإرهاب، ومحاولتها فرض ما تريده على العالم، فلقد غزت أفغانستان بزعم القبض على بن لادن وتنظيم القاعدة حتى لقي مصرعه، ثم غزت العراق بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل التي يخفيها نظام صدام حسين حتى أعدمته، وها هي حاولت الآن التدخل في دول ثورات الربيع العربي وتسعى لفرض مشروع الشرق الأوسط الكبير، لذلك ستبقى أحداث سبتمبر حيَّة دائمًا.. وهذا الملف الخاص هو عبارة دراسة من الواقع لتلك الأحداث: المعذبون بذنب سبتمبر.. السودان والعراق وأفغانستان! كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر «2001م» هي المبرِّر الذي دفع الولاياتالمتحدة إلى شن حربين ضد أفغانستان والعراق بدعوى محاربة الإرهاب، وإلى زيادة دعمها ومساندتها لإسرائيل إلى حدود غير مسبوقة بحجة محاربة الإرهاب الفلسطيني، وإلى بدء محاولات التدخل في شؤون دول عديدة بدعوى الإصلاح والديمقراطية.. ولهذا كانت هجمات سبتمبر هي الذنب الذي دفع ثمنه أبرياء كثيرون، وغير أبرياء أيضًا، وضحايا وصموا بالإرهاب دون أن يكون لهم أي ذراع في تلك الهجمات التي تعرَّضت لها الأراضي الأمريكية في هذا اليوم المشهود.. فإذا كان ذنب حركة طالبان في أفغانستان هو أنها أيَّدت وأوت علنًا أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، وهو ما استدعى إطاحتها، فإن الشعب الفلسطيني على سبيل المثال دفع ثمنًا لمقاومته للاحتلال الإسرائيلي، وتفاوتت أسماء دافعي هذا الثمن من الرئيس المغدور ياسر عرفات، ومرورًا بالشيخ أحمد ياسين الذي قتلته إسرائيل في غارة وحشية على غزة بدعوى أنه إرهابي، وبمروان البرغوثي المعتقل في سجون إسرائيل، كما قتلت إسرائيل بالحجة نفسها العديد من كبار قادة حماس والجهاد، ونهاية بكل طفل وطفلة في فلسطينالمحتلة. ومن أبرز من دفع الثمن أيضًا المقاتلون الشيشان الذين يسعون للانفصال عن روسيا وخاضوا من أجل ذلك حربين مع موسكو منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث نجحت روسيا في تحويل قضية الانفصال في الشيشان إلى مجرد سلسلة عمليات مسلحة ينفذها إرهابيون لا يستحقون إلا القتل والاعتقال.. ولكن أبرز من دفع الثمن في بلاده وحياته هو نظام الرئيس العراقي صدام حسين الذي كانت المعلومات عن صلته بالقاعدة وبأسلحة الدمار الشامل على رأس مبررات الحرب ضده، ولكن بعد إطاحته، وحتى يومنا هذا، لم يثبت أي دليل باعتراف جهات التحقيق الأمريكية نفسها على وجود أي صلة لنظام صدام السابق بالقاعدة أو بهجمات سبتمبر «2001» على وجه الخصوص، والشعب العراقي يدفع الثمن الآن نيابة عن صدام، رغم ما تدعيه وسائل الإعلام الأمريكية من أنه بات ينعم بالأمن والحرية والديمقراطية والرخاء؛ لأن العراقيين لم يتذوقوا طعم هذه الوجبات الأربع منذ أن وطئت أقدام الجنود الأمريكيين أراضيهم. السودان رغم مرور «11» عامًا على الأحداث وتغير الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن بالرئيس باراك أوباما الذي تنتهي فترته إذا فاز المرشح ميت رومني في الانتخابات القادمة في نوفمبر القادم،، حيث كانت قضية السودان أغرب قضية يتم التعامل معها من قِبل الولاياتالمتحدة حيث تعاون السودان مع الإدارة الأمريكية فور الأحداث أمنياً وسياسياً لكن رغم ذلك ناله من صوت المعذبين في أفغانستان والعراق مثلما نالوا، فلقد تم سجن أبنائه في سجن غوانتنامو الأمريكي رغم براءتهم وكان آخرهم إبراهيم محمود القوصي، بينما تبقى النور عثمان محمد ويتوقع أن يتم إطلاق سراحه بحلول عام «2014م» بحسب ما ذكرت صحيفة الاسوشيتدبرس الأمريكية وآخرهم إبراهيم عثمان إبراهيم، من أصل «12» معتقلاً سودانيًا اعتقلتهم الإدارة الأمريكية بالشبهة وتم أخيراً إطلاق سراحهم، رغم تلك البراءات ورغم تعاون السودان مع الإدارة الأمريكية لا يزال السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، لذا فإن صح القول فإن السودان معذب من قبل «11» سبتمبر من قِبل واشنطن وليس بعد تلك الأحداث، التي يجدد السودان سنويًا رفضه لها وإدانته، وكان آخرها العام الماضي، حيث أرسلت الحكومة السودانية مواساتها للشعب الأمريكي الذي يحيي اليوم ذكرى أحداث «11» سبتمبر وأعلنت في بيان صادر عن وزارة الخارجية رفضها المطلق للاعتداء على المدنيين وإزهاق أرواح الأبرياء وإلحاق الخسائر المادية بمواقع سكنهم أو عملهم وعدَّته تصرفًا إجراميًا تحرّمه كل الأديان السماوية والأعراف والقيم الإنسانية، رغم ذلك لا يزال السودان في قائمة الإرهاب. ذكرى سبتمبر.. (الإنتباهة) في (نيويورك) و(واشنطن) كتب: المثني الجديد في مدينة نيويورك مع مرور الذكرى ال (11) على أحداث سبتمبر هي أن برج مركز التجارة العالمي الذي تم تشييده مكان البرجين المنهارين في نيويورك شارف على الانتهاء ليتربَّع على عرش أعلى مبنى في المدينة، متجاوزاً مبنى (امباير ستايت)، لكن رغم ذلك تظل نيويورك هي مدينة «11» سبتمبر المعروفة ومستودع أسواق المال العالمي، بخلاف أنها تستظل بتمثال الحرية المشهور، رغم مرور «11» عامًا على الذكرى وإعلان أمريكا الحرب على الإرهاب حتى تجسَّد للبعض في تلك البلاد أن كل مسلم أو عربي هو إرهابي، لكن الإسلام انتصر في النهاية، حيث إن أمريكا قامت بدعاية مجانية للإسلام بحربها تلك وعرف كل العالم القاصي والداني اسم الإسلام بل وصل الحد أن مدينة نيويورك نفسها باتت تنمو بطريقة تدعو للفخر حيث تحصلت (الإنتباهة) من هناك على أن عدد المساجد بتلك المدينة بلغ أكثر من «250» مسجداً يسلم فيها عقب كل صلاة الجمعة من كل أسبوع «4» أشخاص على الأقل، كما أن «80%» من سائقي التاكسي من الشعوب الأخرى بتلك المدينة و«85%» من أصحاب البقالات من المسلمين، ولعل تلك المدينة خلال هذه الألفية سوف تصبح مدينة نيويورك الإسلامية إذا تواصل النهج الحالي. خلال زيارة (الإنتباهة) لمدينة واشنطن وبالتحديد لمبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) طفنا أيضًا بالمكان الذي تعرَّض للهجوم في أحداث «11» سبتمبر، ونتج عن الحادث مقتل «125» موظفاً منهم مسلمون وعرب، إضافة إلى ركاب الطائرة، حيث بحسب موظفي الوزارة أنهم قاموا ببناء مكان الحادث في ظرف أسبوع واحد رغم قوة الضربة، لقد وثَّق الأمريكان لتلك الحادثة بطريقة غربية حيث عند زيارتنا لمتحف الأخبار وجدنا هنالك بقايا «حطام الطائرتين اللتان اصطدمتا ببرج التجارة العالمي»، وفي الجولة أيضًا تعرضنا لمعرض للصحف حمل كل منشيتات الصحف العالمية لأحداث العالم الكبرى لليوم الذي تلى الحادث، إضافة إلى بقايا الهواتف النقالة لضحايا البرج وبعض المتعلقات بالأشخاص الذين قاموا باختطاف الطائرة وكيفية قيامهم بزرع القنابل في أحذيتهم. أهمية ذكرى سبتمبر بأقوال المراقبين الأمريكان منذ أن مال كبير موظفي البيت الأبيض اندرو كارد في الساعة «الثامنة و45 دقيقة» من صباح «11 سبتمبر 2001»، ليهمس في أذن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، قائلاً أمريكا تتعرَّض للهجوم ولم يعُد العالم كما كنا نعرفه من قبل، قامت أمريكا ولم تقعد، ومن حولها قامت دولٌ أخرى لكنها بعد فترة جلست واستأنفت مسيرتها، ورأت في النهاية أن الولاياتالمتحدة خرجت عن نطاق السيطرة.. اليوم وبعد مرور عقد كامل على الهجمات التاريخية، يبدو أن بعض العقلاء في الولاياتالمتحدة يراجعون الأمر برمته، ويتساءلون دون مواربة، ألم نبالغ كثيرًا في ردود أفعالنا؟يصف المحلِّل السياسي ديفيد روثكوف، في مجلة فورن بولسي الأمريكية، كيف نجح الراحل بن لادن وبشكلٍ مذهل في قيامه بهجوم منخفض التكلفة، منخفض المخاطر نسبيًا، على يد حفنة من الأفراد، ليتسبَّب في واحدة من أكبر عمليات المبالغة العسكرية في التاريخ، أنفقت خلالها تريليونات الدولارات، وقتل مئات الآلاف، وفقًا لروثكوف، فإن بن لادن عندما استهدف وول ستريت وواشنطن لتوجيه ضربات ضد رموز القوة الأمريكية، وجَّه في الواقع دون أن يدري ضربة موجعة نحو صورتنا عن الذات.. يكتب روثكوف أيضًا: تحدَّثنا عن 11 سبتمبر كما لو كانت مساوية لهجوم بيرل هاربور، وبداية لحرب عالمية ضد أعداء عاقدين العزم وقادرين نظريًا على الأقل على تدمير نمط الحياة الأمريكية (على عكس من حقيقة القاعدة التي هي عصابة متشرذمة من المتطرفين مع قدرات محدودة).. تحدَّثنا عن الحروب الثقافية وعالم منقسم، سخَّرنا جميع نظمنا الأمنية لملاحقة بضعة آلاف من الرجال الأشرار، لقد أصبنا بالجنون.. أما جوزيف ناي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد والمساعد السابق لوزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن الدولي فيرى أنه لا تبدو «11» سبتمبر وكأنها نقطة تحوُّل تاريخية، يشير ناي إلى أن أبرز تحوُّلات القوى العظمى في هذا القرن هي زيادة تمكين اللاعبين غير الحكوميين، وأن هجمات «11» سبتمبر كانت توضيحًا دراميًا لهذا التحوّل، حيث قتل هجومٌ من جهات فاعلة غير حكومية عددًا من الأمريكيين يفوق قتلى هجوم بيرل هاربور عام «1941م» على يد الحكومة اليابانية، فيما يطلق عليه عملية خصخصة للحرب التي يرى أنها قد بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي، وأنها في المقابل تستلزم مزيجًا من القوة الصلبة والقوة الناعمة، ويرى أيضًا أن الإرهاب عبارة عن دراما سياسية، يمكن لأصغر فاعل أن يتنافس مع الأكبر من حيث القوة العسكرية، وأن يضع جدول أعمال للعالم. ويشير إلى أن أزمة «11» سبتمبر وفرت في تلك الفترة فرصة لجورج دبليو بوش للتعبير عن وسيلة سرد جديدة للأحداث وتقديم رؤيته للسياسة الخارجية الأمريكية لهذا القرن، كان بوش يرى في نفسه زعيم عصر انتقالي، وصفه الصحفي الكبير بوب وودوارد، بأنه رجل يحبّ مزج الأشياء بعضها البعض لتغيير ما قد تبدو عليه.. كان ذلك مفتاحه للذهاب إلى العراق من الصعب تصوّر الحرب على العراق بدون «11» سبتمبر، ووفقًا لناي فإنه بسبب فشله في فهم السياق الأوسع للتحولات الثقافية والسياسية، فقد وضع إستراتيجية جعلت الأمور أكثر سوءًا، مهما كانت المنافع من إسقاط صدام حسين، إلا أنه لم يعالج مشكلة الإرهاب، وكانت التكاليف تفوق بكثير المنافع، حيث ساهم تريليون دولار من تكلفة الحرب على العراق في خلق العجز في الميزانية الأمريكية، الذي ابتليت به البلاد اليوم، وفي النهاية تمكَّن بن لادن من إلحاق ضرر حقيقي بالقوة الصلبة الأمريكية، فضلاً عن القوة الناعمة.لم يكن روثكوف أو ناي، أول من انتقدوا بشدة ردود الأفعال المبالغ فيها من قِبل الولاياتالمتحدة تجاه هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فمع اقتراب نهاية إدارة بوش الابن، أشار الباحث الفرنسي أوليفييه روي، هو واحد من المحللين الأكثر خبرة والمخضرمين في مجال الإسلام السياسي، في افتتاحية مهمة له في صحيفة هيرالد تريبيون الدولية، إلى أن احتلال الولاياتالمتحدة للعراق، هو الذي تسبَّب في نهاية المطاف في خلق بعض الدعم العراقي لتنظيم القاعدة، وهو الذي قوى عمل جماعات إسلامية راديكالية في بلدان أخرى أثبت التاريخ أن لها أهدافًا ومصالح محلية تصطدم مع روح الجهاد العالمي التي تبناها تنظيم القاعدة. ما زالت الخارجية الأمريكية، مثل كل عام على مدار الفترة الماضية، تحذِّر مواطنيها يوم الذكرى المريرة من عدم السفر إلى إي مكان حول العالم، وترصد مليارات الدولارات لتأمين أجواء الولاياتالمتحدة ومواطنيها، بعد أن دفنت بن لادن وألقت القبض على معظم أعوانه، ما زالت تتعامل مع الحدث على أنه نقطة تاريخية لا يمكن تجاوزها، يرى ديفيد روثكوف أنه يجب السعي إلى وضع إطار عقلاني ل «11سبتمبر» كحدث عظيم، وأبرز ملامح القرن، لكن مع الاعتراف بأن أبرز سماته كانت منع أمريكا والكثيرين حول العالم من التركيز على أكبر القضايا في عصرنا، يقول: كان ذلك الإلهاء والتكاليف المرتبطة به فرصة لانتصار بن لادن وهزيمتنا.. انتصارنا النهائي سيأتي عندما نعود مرة أخرى إلى أرض الواقع، ونستعيد الحس التاريخي ونسأل أنفسنا، إذا نظرنا إلى الوراء، ما هي التطورات الأخرى التي وقعت خلال العقد الماضي وتجاوزت في أهميتها هجمات سبتمبر.