أحمد يوسف التاي «إنك مهما تفعل لن تستطيع منع وقوع الحادث، ولكن بالإمكان تستطيع أن تقلل من حدوثه، وإذا أردنا سلامة مطلقة في عالم الطيران ما علينا إلا أن نتخذ قراراً واحداً فقط، وهو منع تحليق أية طائرة في الجو»، هذه هي المنطقة الوسطى التي يلتقي فيها خبراء الطيران في العالم مع تباين آرائهم وأفكارهم.. والسؤال الجوهري الذي طرحته ندوة: سلامة الطيران والمسؤولية والمساءلة ضمن أسئلة أخرى أجاب عنها خبراء الطيران، هو من المسؤول عن حوادث الطيران؟ لكن قبل ذلك لا بد من الإشارة لبعض الحقائق الضرورية لهذا الموضوع على النحو التالي: صلاحية الطائرات أولاً: كثير من التشريعات في العالم اتفقت على أن سلطات الطيران المدني هي السلطة المسؤولة مسؤولية مطلقة عن تأمين سلامة الطيران، والحيلولة دون تعرض سلامة المواطنين وممتلكاتهم أو النظام العام لأية أخطار قد تنجم عن أي قصور في تنظيم حركة الطيران في أجواء الدولة أو المراقبة الجوية، ووضع معايير السلامة والكفاءة الفنية والتشغيلية الواجب توافرها في الطائرات المسجلة في الدولة من حيث صلاحية الطيران والعمليات الجوية والصيانة، وفحص الطائرات وإصدار شهادات صلاحية للطائرات المسجلة بالدولة، والإشراف والرقابة على شركات الطيران والمطارات المدنية، وفحص ومنع حوادث الطائرات طبقاً للالتزامات الدولية، والاستعانة بنتائج البحوث والوسائل الحديثة في المحيط الدولي للتحقيق في حوادث الطائرات. ثانياً: كثير من القوانين أيضاً نصت على أن قائد الطائرة مسؤول عن تشغيل الطائرة وسلامتها بمن عليها أثناء فترة الطيران، ويتمتع بسلطة كاملة في اتخاذ أية إجراءات أو تدابير لازمة لتحقيق السلامة، ومع ذلك تشير كثير من التحليلات والآراء إلى أن 90% من الحوادث هي مسؤولية كابتن الطائرة، أو العامل البشري بصورة أشمل وأدق. ثالثاً: تظل هواجس جمع المال لدى بعض شركات الطيران، واحدة من عقبات المعادلة المطلوبة بين تحقيق قواعد السلامة وأهداف التشغيل وتحقيق الربحية، بما يعني أن بعض الحوادث تقع بسبب التركيز على الربحية على حساب السلامة. الإهمال سبب الكوارث خبير الطيران المستر هايلي بلاي مدير إدارة السلامة والمقاييس، أشار في ورقته «سلامة الطيران.. المسؤولية والمساءلة» إلى أنه لا يمكن منع وقوع الحدث بأي حال من الأحوال، وأضاف لكن كل ما نستطيع فعله هو تقليل الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى وقوع الحدث، مشيراً إلى أن من أهم أسباب وقوع الحدث هو الثقة الفرطة والإهمال والتركيز على جمع المال، وزاد قائلاً: «هناك أخطاء تكون في الطائرة والبرمجيات والعوامل الجوية» موضحاً في هذا الصدد أن مفهوم الثقافة يساعدنا على التعرف على مستوى الأخطاء. من المسؤول عن الحوادث هايلي لا يستثني أحداً في تحميل المسؤولية، ويشير في هذا الخصوص إلى مسؤولية الجميع بقوله: «قبل أن نلوم المشغلين ينبغي أن نلوم الطيارين والجوانب الميكانيكية والمراقب الجوي»، وأشار في هذا الصدد أيضاً إلى أن كبار المديرين لا يودون معرفة الخطر لأن في ذلك مسؤولية قانونية، داعيا إلى ضرورة محاربة ذلك.. وهايلي بلاي يشير أيضاً إلى نقطة جوهرية مفادها أن معدل الحوادث لا يمكن أن تقاس به معدلات السلامة، وأورد أرقاماً كبيرة لحوادث في بلدان تعتبر فيها قواعد السلامة جيدة بينما تقل ذات الأرقام في بلدان تعاني نقص السلامة، مشيرا إلى أن القضية محكومة بعدد الرحلات أكثر من معدل الحوادث. أما المسؤولية والمساءلة عند هايلي فإنها تقع على عاتق الإدارة العليا، إلا أنه عاد وقال إن «الإيكاو» لم تحدد جهة بعينها لتكون مسؤولة عن الأخطاء، وأضاف: «ينبغي أن نحدد من المسؤول، والرئيس التنفيذي هو المسؤول عن الإدارة وعن الذين يعملون تحت إدارته، فالمدير التنفيذي أو كبير المسؤولين خاضع للمساءلة»، مؤكداً ضرورة أن تكون هناك مسؤولية نهائية. تطور هائل نائب مدير إدارة السلامة بالطيران المدني محمود الحسن، تحدث عن تطور مفهوم السلامة في السودان، وأشار إلى عمليات التدقيق التي تمت في السودان لقواعد السلامة من جانب «الإكاو» في الأعوام «2000 2004» أي عدم تطبيق بنسبة 1850%، وأشار إلى أن التطبيق لم يكن مكتملاً، وحدث تدقيق في عام 2006م، وضع بموجبه السودان في المرتبة «ج»، بنسبة تطبيق انخفضت إلى 31% وهي أقل تطبيق لقواعد السلامة، مشيراً إلى الإصلاحات التي حدثت في عام 2009م والتطور الذي وصفه بالهائل في مجال التطبيق، وصعد السودان إلى المرتبة «ب» ووصلت نسبة التطبيق إلى 26%، مستشهدا في هذا الصدد بشهادة مسؤول السلامة في «الإيكاو» مستر شاسا. مغالطات وتحديات منسق السلامة الجوية السابق في الطيران المدني محمد صالح الكناني، تحدى في مداخلته أن تكون «الإيكاو» قد زارت السودان وأجرت التدقيق المُشار إليه في العامين 2011م و2012م بشكل نهائي. وقال إن ما حدث زيارة أولية لا يمكن أن نستخلص منها نتائج نهائية، وكشف عن اتصالات بينه وبين مسؤولين بالمنظمة تعزز وجهة نظره، إلا أن نائب مدير السلامة عرض صوراً لزيارة الوفد وتقاريره في العامين 2011 و2012م، تؤكد زيارة وفد المنظمة وإجراء التدقيق. وانتقد آخرون سرية التحقيقات التي تجرى حول حوادث الطيران، مطالبين بنشر النتائج على الرأي العام، بينما أرجع المهندس تاج النجومي أسباب الحوادث إلى وجود مشكلة في ما سماه «الإستاندر»، وقال إن سلطات الطيران المدني مسؤولية بشكل مباشر عن الإخفاقات. وشهدت الندوة نقاشاً ساخناً وجاداً أكدت من خلاله سلطات الطيران في تعقيبها أنها لم تصل إلى المستوى المطلوب من تجويد الأداء، إلا أنها وعدت بالعمل الجاد والمسؤول من أجل تقليل المخاطر المحتملة إلى الحد الأدنى.