من المقولات المشهورة.. الناس على دين ملوكهم، ومنها أيضاً الأثر: كما تكونون يُولّى عليكم. ولا أدري ما إذا كان بين المقولتين تعارض أم توافق!! الأولى تقول: الناس على دين ملوكهم.. أي إذا كان الحاكمون على دين.. كانت الرعية على دين.. وإذا لم يكن الحاكمون على دين.. لم تكن الرعية على دين والثانية تقول: كما تكونون يولَّى عليكم.. يعني أهل الصلاح يولَّى عليهم أهل الصلاح وأهل الفساد يولَّى عليهم أهل الفساد.. وإن من أفسد الفساد ألاّ يؤمر بمعروف وألا يُنهى عن مُنكر.. والمدهش والمخيف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظل غائباً في هذه البلاد على المستويين السلطاني والشعبي الطوعي.. والنماذج التي تُثبت هذا القول متوافرة ومتعاضدة في كثير من المرافق ولقد أكتويتُ بنار أحد هذه النماذج في الأسبوعين الماضيين عندما سافرتُ مرتين متتاليتين إلى نهر النيل مستخدمًا البصات السفرية. وهي بصات على حسب ما يقوله أصحابُها بصات درجة أولى ومكيّفة وتتوفر فيها خدمة للركاب ممتازة يحاولون أن يتشبّهوا فيها بخدمات الدرجات السياحية في الطيران المحلي والعالمي.. ويقدمون بعض أنواع الترفيه والتسلية للركاب لطول الرحلات لذلك هي مزوَّدة بعدد من أجهزة التلفاز ومكبِّرات الصوت. ولكن بسبب غياب المحتسب السلطاني.. والمحتسب الطوعي تستشري الفوضى في هذه السفريات ويبدو أن أصحاب هذه البصات لا يعرفون نوع التعاقد المبرم بينهم وبين كل راكب.. فالتعاقد يقوم على إيصال الراكب بأحسن السبل إلى وجهته التي توضحها التذكرة.. وأن تتوفر الأشياء الضرورية داخل البص مثل الماء والتكييف.. وسرعة الإمداد من المركز إذا أصاب البص أي نوع من الأعطال. أما التلفاز والراديو فليست من شروط التعاقد.. ولكنها سبل ترويح تتنافس بها الشركات حول الراكب دافع القيمة.. ومن باب أولى فليس من التعاقد تقديم الأفلام ولا الغناء ولا النكات. وإذا تطوَّعت الشركات المالكة بهذه الأشياء الترويحية فليس لها أن تقدم منها إلا ما كان مباحاً ومتفقاً على إباحته.. وعليها أن تمتنع عن تقديم ما كان محرمًا ومتفقًا على حرمته أو مختلفاً فيها.. إن المصنفات غائبة غياباً تاماً عن هذه المرافق الحيوية.. ولا أحد يسأل عن نوع المادة التي تُقدَّم داخل هذه الرحلات الطويلة.. الغناء والمعازف أمرٌ متفقٌ على حرمته لا يبيحه قول ابن حزم ولا القرضاوي ولا العدد من الذين خالفوا ممن لا يزيدون بل لا يبلغون عدد أصابع اليد الواحدة.. مع أن كل هؤلاء ممن لا يعتدّ بقولهم ولا يشكِّل خروجهم وخلافهم خرقًا للإجماع.. ومع ذلك فإن هذه الشركات تصدع آذان الركاب بأصناف من الأغاني تبلغ درجة الإسفاف وتجد نفسك مضطراً إلى استماع لعلعة المغني بأعلى صوت ثلاثة أرباع الرحلة أو أربعة أخماسها ولا أحد يتحرك داخل البص.. ثم نأتي إلى نوع آخر من الإسفاف: المدعو محمد موسى.. لعله يظن أنه من ملوك الفكاهة ولكنه أحياناً يُوقع نفسه في أعمال قد تتطلب منه أن يُستتاب.. مثل أن يقول الأب لابنه المتزوج بامرأة غير مسلمة احتجاجاً على سلوك أمه وهذا يدّعيه محمد موسى للترويج لإسفافه عند سؤال الابن لأبيه ماذا فعلت معك الكافرة؟ فإذا بالأب يصيح: والله أمك الكافرة!! هل هذه فكاهة؟ هل هذه طرفة؟! إن الذي يتزوج بامرأة من أهل الكتاب لا يناديها بالكافرة ولكنها إذا أحسنت معاملة أبيه فلا يحل لأبيه أن ينعت أمه بالكافرة!! إن محمد موسى لا يعي ما يقول!! فأين الرقابة على المصنفات!! ومتى تعي؟ ومحمد موسى يحكي عن رجل يدخل مسجداً ويسأل الناس: المسجد ده فيه مسلم؟! هذا الإسفاف والسخف والرعونة هو مفتاح النكتة ويتبرع أحدهم بالإجابة بالإيجاب.. فيأخذه الرجل ليذبح له خروفاً خارج المسجد.. لماذا يحتاج الرجل إلى شخص من داخل المسجد؟ لماذا لا ينادي أي إنسان من الشارع؟ إخراج وإنتاج في غاية السخف والرعونة.. ويعود الرجل إلى داخل المسجد ويسأل.. هل في المسجد ده مسلم؟ محمد موسى يوهم المصلين بأن الرجل مجنون وقد ذبح الذي خرج معه. فيصمت الجميع كأنما على رؤوسهم الطير!! ويتبرع آخر ليدل السائل على أن الإمام مسلم!! ولكن محمد موسى يُصرُّ على إخراج الإمام من ملة الإسلام إذ يصيح الإمام بصوت غرباوي مبين لا أدري لماذا يا جماعة.. الواهد كان هفظ ليه سورة ولا سورتين يقولوا اليه مسلم؟ محمد موسى يظن أنه يضحكنا بهذا الإسفاف.. وهو لا يدرك أنه يسير على خطى محمد طه!! لقد استفزّني هذا الاستخفاف.. وهذه الاستهانة وحاولتُ إيقافها والتقليل منها ووجدتُ بعض الاستجابة وتحدثتُ مع مالك البص مهاتفة وشكوتُ له ما يلاقيه الركاب من العنت من هذه الأشياء ووعد بمعالجتها، وفي الواقع كل هذا حدث في ترحيلات توحيد مكة وحاولتُ أن أستفيد من الاسم في الموعظة.. توحيد.. مكة ونجحت الخطة.. وكانت الاستجابة فورية.. ولكن في الرحلة الأخيرة حاول المراقب أن يجادل باعتبار أنني الوحيد الذي تحدّث واشتكى.. مع أن الجميع في كل مرة كانوا يوافقون على ما قلت وفي جميع الأحوال كان الحال يتبدّل.. ونبدأ في الاستماع إلى الشيخ محمد سيد حاج أو قرآن.. أو مدائح.. أو أحد الشيوخ الأئمة الدعاة من الإخوة العرب.. إن هذه المرافق تحتاج إلى رقابة وإلى عناية من السلطات ومن الشركات المالكة أو الأفراد.. وأحياناً يكون تعامل الطاقم مع الركاب غير لائق.. وغير عادل وغير منصف.. وغير مهذب.. كأن يرفض السائق التوقف لإنزال بعض الركاب في مكان ما ويُصرُّ على الاستمرار إلى الموقف النهائي وهذا تعسُّف ومعاملة غير كريمة وليس فيها ما تعودناه من الوُدّ واللِّين منذ ترحيلات البص السريع التابع لأسرة باسيلي بشارة.. الذين كانوا يُخضعون السائق للكشف الطبي قبل بدء السفرية بأقل من نصف ساعة.