اشتهر (السبيل) في كل مناطق السودان، ومنذ القدم كان السودانيون يكرمون عابري الطريق الذين انقطعت بهم السبل، ويقدمون لهم الماء والطعام. ومع مرور الزمن اختفى الطعام، وبقي السبيل على الطرقات، وهو أكبر دليل على كرم السودانيين، فتلك صفاتهم، كما كان الاهتمام ببناء السبائل عادة قديمة عند كل الملوك والسلاطين منذ القدم، ولكن عند المسلمين أخذت طابعاً مميزاً لذلك سارع السلاطين والأمراء والحكام لإنشاء السبائل في الأزقة والطرقات وفي الأماكن العامة حتى يعم الخير وينالوا الأجر والثواب. سبيل خلف الله يعدّ من معالم مدينة أمدرمان القديمة، فهو يقع في حي أبوروف، أحد أعرق أحياء أمدرمان. حيث حدثنا عنه عم الفاتح عباس الذي ناهز السبعين عاماً قائلاً:(إن سبيل خلف الله من أول السبائل في أمدرمان، وأنا من جيت لقيت السبيل دا، ويمكن عمره يكون أكبر من ناس أبونا). وباستطلاعنا لبعض سكان الحي عن عمر هذا السبيل أكدوا لنا أن هذا السبيل - وهو عبارة عن غرفة مبنية من الطين وبداخلها ثلاثة أزيار- أقامه خلف الله العوض بشير قبل أكثر من (100) عام بحسب إفاداتهم، وأضافوا أنه قبل أن يقام السبيل عُرض على خلف الله بيع الركن الذي يقام عليه ليصبح استثماراً، لكنه رفض قائلاً: (أنا عايزو استثمار مع ربنا). وقالوا إن سبيل خلف الله يُعد من أشهر معالم أمدرمان، حيث كان يستدل به القاصدين البقعة. أما في السودان فيأخذ السبيل شكل مجموعة من الأزيار في مزيرة تحت شجرة أو مظلة. ويستخدم الزير أو (التيبار) لحفظ الماء وتبريده، ويصنع من الفخار. وصناعة الفخار من الصناعات الشعبية في المقام الأول وهي منذ زمن قديم، فنجد أن صناعة الفخار كانت تميز مملكة كوش عن غيرها من الممالك في ذلك الزمان القديم، والدليل على ذلك وجود قطع فخارية يرجع تاريخها إلى مملكة كوش. وهي مازالت صناعة تخلب وتأسر لب الكثيرين. وفى كثير من مناطق السودان نجد أن صناعة الأزيار تمثل تراثاً سودانياً عريقاً لا يكاد يخلو منها بيت سوداني، حيث (المزيرة) تعتبر تراثاً تشتهر به الأحياء الشعبية في كل مناطق السودان. ونجد (سبيل الماء) في كل شارع حتى أصبح من معالم المدن، حيث يطلق على كل سبيل اسماً وأحيانا تكتب لوحة على المزيرة (سبيل المرحوم فلان). وفي الآونة الأخيرة ظهر في السبيل مبرد المياه بدلاً عن الأزيار، خاصة في أحياء الخرطوم الراقية، وتبلغ تكلفة إنشائه بين «1600» إلى «2000» جنيه، بينما تتراوح أسعار الأزيار بين «20» إلى «25» جنيهاً. ويكفي أن الغرض من إنشاء السبيل بكل أنواعه، هو عمل الخير وكسب الثواب والأجر.