مما لا شك فيه أن أهل البطانة بكل فئاتهم واتجاهاتهم السياسية يحمدون للرئيس تخصيصه لهم بالزيارة والتشريف والسؤال عن ما حدث ويحدث لهم فتبني الرئيس للمنطقة نابع من إيمانه باصالة أهلها واستحقاقهم لكل الود والتقدير الذي يحمله لهم، لذلك فإن زيارة الرئيس للبطانة تحظى بمكانة خاصة عند أهل البطانة وهم يقدرون للرئيس مسعاه هذا ويحمدون له اهتمامه الذي وضع منطقتهم في قلب الحدث، لكن مع ذلك فهناك تقصير كبير جدًا ظل يلازم هذه التظاهرة منذ إنشائها، ففكرة مخيم البطانة والتي يمكن لو استغلت استغلالاً صحيحًا ان تؤدي دورًا أكبر ومخرجات أكثر نضجًا وفعالية، وذلك لا يتأتى إلا عبر خطط مدروسة ومتابعة لصيقة، فعبر هذا المخيم يمكن أن تنهي منطقة البطانة كل مشكلاتها في الخمس سنوات الأولى من قيامه ليتجه التفكير بعد ذلك نحو رعاية الابداع وترقية قطاع السياحة في مجالات الصيد والتخييم والتصييف حيث إنه بقليل من الجهد يمكن أن تكون البطانة مؤهلة لموقع ثقافي وسياحي متميز تمامًا كما حدث بقرية الجنادرية وذلك حين رعى الملك فهد بن عبد العزيز مهرجانًا مماثلاً بها منذ العام 1986م، وكذلك ما أحدثه وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسى في منطقته «أصيلة» بابتداع مهرجان أصيلة السنوي والذي يشكل اليوم من العلامات البارزة في الحراك الثقافي والسياحي في المغرب والعالم العربي. فمن أوجه اللامبالاة التي أجهضت معظم مشروعات المخيم أن مسؤولي الولاية لا يولون البطانة ربع الاهتمام الذي تلاقيه من الرئيس ولا يهتمون بتوجيهات الرئيس فيما يخص المنطقة فقد وجه رئيس الجمهورية خلال المخيم السابق بمجانية تطعيم الثروة الحيوانية والسعي لحل مشكلات الثروة الحيوانية من خلال توفير المياه عبر برنامج حصاد المياه التابع للنهضة الزراعية للاهتمام بصحة الحيوان ووجه كذلك وزارتي العلوم والتقانة والتعليم العالي والبحث العلمي بإدخال التقانات الجديدة المتعلقة بالمطر الصناعي للمساهمة في جهود نجاح الموسم الزراعي وتوفير المراعي، لكن ايًا من هذه التوجيهات لم يلتفت إليه فكان الأولى بحكومة الولاية تنفيذ هذه التوجيهات الرئاسية وكذلك الأجدر بحكومة المحلية أن تسأل وتتابع ما يحدث أو أضعف الإيمان أن يكون وزير الثروة الحيوانية بالولاية أسامة درزون على اتصال بالجهات التي وجهها الرئيس لكي لا يشعر الناس أن حديث الرئيس هو للاستهلاك السياسي فقط، لكن للأسف لم يكن من أولويات أي من ذكروا سابقًا السعي لتنزيل ما وجَّه به الرئيس على أرض الواقع فهم يأتون مع الرئيس ويذهبون معه ولن يهمهم من البطانة في باقي السنة إلا ما تخرجه لهم من مردود ضريبي هو في ازدياد بعد تنامي سوق التعدين الأهلي. مخيم البطانة هذه السنة كان مليئًا بالثغرات التنظيمية والتناقضات الفادحة فقد حضرت اجتماع اللجنة التحضيرية وكان حديث قيادات البطانة فيه مليئًا بالتوجيه اللاذع والسعي لاستدراك الأخطاء السابقة لكن الوزير أسامة درزون في حديثه عن الشكل الجديد للمخيم رفع سقف الآمال للمخيم هذا العام فمن جملة ما قاله في اجتماع اللجنة قبل شهر من قيام المخيم أنهم اتفقوا مع قنوات خليجية لتغطية الفعاليات الرئيسية التي منها تكريم خنساء العرب الشاعرة روضة الحاج بحضور ضيوف ومستثمرين عرب، لكن روضة الحاج لم تحضر أو ربما لم تُدعَ من الأساس وإن دُعيت فمعها عذر الغياب ومع حقها الحكم بضعف الفعالية أو التقدير بأنها لا تليق بمكانتها كشاعرة زلزلت عروش كبار شعراء العربية وكرَّمها الملوك والرؤساء من المحيط إلى الخليج. ومن الثغرات الفاضحة أيضًا سوء التنظيم الذي بدا واضحًا في الربكة التي حدثت في جوانب الضيافة والترحيل وترتيب المعارض والفوضى التي اعترت الفعالية الرئيسة في منطقة الفرش، وكذلك ضعف عرض سباق الهجن الذي وضع على عجل فلم يتم اختيار هجن ولا متسابقين وإنما هو موضوع تم على عجل لملء الفراغ الحادث، أما بالنسبة لليلة الأنس فقد كانت كارثة في كل شيء فهي مفتعلة وغير منضبطة مما أتاح للمتكسبين والمتطفلين من الشعراء اعتلاء المنصة والتسول في سلوك لا يشبه أهل البطانة المجبولين على الكرامة وعزة النفس. كذلك من الأخطاء الفادحة هذا العام إبعاد الشاعر علي الأمين كريز من منصة التقديم وهو الذي ظل يقدم المخيم منذ إنشائه فقد أتت اللجنة بمقدم برامج بإذاعة القضارف لوث آذان السامعين بأبيات ركيكة ومصطنعة سماها شعرًا وهذا ما لا ينقص المخيم كواجهة ثقافية لمنطقة البطانة فالابتذال والتقعر في الحديث لا يصل بصاحبه إلى درجة مالكي نواصي البيان من أدباء البطانة وشعرائها ومن وصف الشاعر كريز صاحب كتاب دهب الخزانة بالضعف هو أضعف من أن يحكم عليه. لكن الكارثة الكبرى كانت تجاوز كلمة الإدارة الأهلية في الفعالية الرئيسة فهذا التغييب الممنهج للإدارة الأهلية والسعي لإقصائها بات واضحًا وجليًا وربما وراءه جهات لا يمكن الوصول إليها وهذا التغييب فيما أرى هو سلوك قُصد به ترفيع شخصيات على حساب القيادة التاريخية لقبيلة الشكرية وقد كنا ننتظر كلمة السيد ناظر قبيلة الشكرية الشيخ عوض الكريم أبوسن أو وكيله الشيخ أحمد محمد حمد أبوسن وقد كان كلاهما حاضرًا لكن لا أدري لماذا تم تجاوزهما؟ خصوصًا أن منطقة البطانة لا يتكلم فيها أحد في حضرة آل أبوسن تمامًا كما لا يُفتى ومالك في المدينة، لكن كما قال جدنا الشيخ عوض الكريم أحمد ابوسن الملقب ب «كشاجم» لأحدهم: «كلمة يا شيخ العرب دي أصلها البتتلصق فيهو ما بتمرق منو زي كلمة يا ...» والنقاط عبارة يعرفها القاصي والداني في البطانة ولذلك لا أحد يخشى من أن يؤثر هذا التجاوز على موقعهم في قلوب الناس أو يقلل من شأنهم لدى من يدينون لهم بالولاء من النهر إلي البحر ومن السهل إلى الجبل. أخيرًا البطانة تحتاج لتخطيط لحاجياتها التنموية وتنظيم لهذه الخطط وتوظيف لإمكاناتها وتوجيه للسياسات لتحقق مفهوم التنمية المستدامة ورقابة لكل ما سبق تحصي ما يدخل ويخرج من موارد ومصادر وإمكانات وسيفضي كل ذلك حتمًا لنهضة حقيقية تسد كل الفراغات التي صنعها الماضي وتمّحي آثار التجاهل الطويل الذي عاشه أهل البطانة. كما لا أنسى أن أشيد بوجوه ووجهاء الصباغ رجال عهدناهم منذ تفتحت أعيننا «رجال حارة» وكبار فوق الصغائر آل أبوصرة وكبيرهم الشيخ الوقور الحاج علي ود أب صرة الذي استضاف ليلة الأنس فهو مع كبر سنه يحمل روح الشباب ويعمل كأن البطانة هي بيته الكبير وكأن ضيوفها «نازلين» بداره فقد سخر كل جهده وجهد أبنائه لإنجاح هذا المخيم ككل وقد ظل كعهدنا به داعمًا للشباب ومؤيدًا لهم وواقفًا خلف أطروحاتهم فله الشكر والإعزاز وللمطبلين الرماد .