يصنع العالم اليوم من السلع سبعة أضعاف ما كان يصنعه في مستهل سبعينيات القرن العشرين وينتج من المعادن ثلاثة أمثال ما كان ينتجه منها وزادت حصة الصناعة من الناتج المحلي الإجمالي في الأقطار المنخفضة الدخل من «28» في المائة في عام «1965» إلى «37» في المائة في عام «1989م» كما ارتفعت أيضاً في البلدان متوسطة الدخل من «34» في المائة إلى «36» في المائة بينما انخفضت هذه الحصة في البلدان الصناعية من «42» في المائة إلى «35» في المائة وذلك عبر نفس الفترة والتي شهدت البلدان الصناعية خلال جزء منها منذ أوائل الثمانينيات ركوداً وانخفاضاً عاماً في ناتجها الصناعي وهنا فإن من الجدير بالملاحظة والرصد أن التصنيع بالنسبة للدول النامية في أوائل السبعينيات لم يكن يمثل آلية مهمة من آليات النمو الاقتصادي بل كان ينظر إليه على أنه وسيلة فعّالة لتحديث المجتمع وعصرنته وتشجيع إدخال سلوكيات للعمل ونظام قيمي جديدين بالإضافة إلى العمل على خفض ما تصدره هذه الدول من مواد أولية غير مصنعة وموارد طبيعية، ووجد هذا التوجه سبيله في مؤتمر منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية في ليما وبيرو عام «1975م» بالإعلان عن هدف طموح بأن يصل الإنتاج الصناعي للدول النامية في سنة «2000م» إلى «25» في المائة على الأقل من الإنتاج الصناعي العالمي وذلك من خلال استخدام هذه الدول قصارى جهدها من أجل الزيادة القصوى لإنتاجها الصناعي إلا أن تجربة الواقع تلقي بشكوك كبيرة بالنسبة لإمكانية تحقيق هذا الهدف، فبينما استقر نصيب الدول النامية من الإنتاج الصناعي العالمي عند «12» في المائة في الفترة ما بين «1980م 1985م» فقد ارتفع ارتفاعاً ضئيلاً ليصل إلى حوالى «14» في المائة في عام «1990م» ويُعزى ذلك إلى ما تعانيه هذه البلدان من مشكلات تتعلق بزيادة الديون وأعباء خدمتها وصافي التدفقات الرأسمالية إلى الخارج وحواجز الحماية ضد دخول منتجاتها إلى أسواق البلدان المتقدمة والحاجة الملحة إلى تلبية احتياجات سكانها المتزايدة وفي أوائل السبعينيات تباينت وجهات نظر الدول النامية والبلدان المتقدمة بالنسبة إلى الأثر البيئي للتصنيع حيث احتلت دواعي التنمية والتقدم الاقتصادي السريعين أولوية عظمى وذلك بالنسبة لأهداف الدول النامية التي اعتبرت التلوث الناجم عن الصناعة والذي شكل أحد الاهتمامات الرئيسية للبلدان الصناعية في ذلك الوقت ولا يشكل ذلك أية مشكلة بالنسبة لهم وأن أمامهم الوقت الطويل قبل أن يصبح هذا الأمر مشكلة في مجتمعاتهم وكان منطلق هذه النظرة أن الفقر هو الملوث الرئيس وأن التوسع الصناعي السريع هو الطريق الأكيد إلى النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة وجاء عقد الثمانينيات ليشهد تغيراً ملموساً في نظرة الدول النامية لهذه المسألة حيث بدأت في التقارب من وجهة نظر الدول المتقدمة وقد جاء ذلك كنتيجة للتجربة المباشرة للدول النامية بالنسبة للآثار المدمرة لبعض الصناعات على كل من عناصر البيئة الطبيعية وعلى صحة الإنسان ونوعية حياته وعلى الاستقرار الاجتماعي وساعد أيضاً في تغيير نظرة السبعينيات عددٌ من الحوادث الصناعية الضخمة التي تسبب عنها آثار بيئية خطيرة في كل من الدول النامية والصناعية، وعلى نطاق المستجدات والمتغيرات وخلال السنوات الأخيرة شهد العالم تحولاً أساسياً في النظرة إلى العلاقة بين البيئة والنمو الاقتصادي فحواها البعد عن النظرة المقابلة والمفاضلة بين أهدافهما النمو مقابل البيئة تلك النظرة التي سادت التفكير الاقتصادي التنموي لفترة طويلة وبذا بدأ التفكير بإمكانية تكامل النمو والبيئة والذي تطور لاحقاً إلى ضرورة هذا التكامل وذلك من أجل تحقيق التنمية الحقيقية وفي هذا الإطار يتم التمييز بين مفهومين طالما تجاهل الكثير من رجال الاقتصاد التفرقة بينهما وهما مفهوم النمو باعتباره تدفقاً للمادة والطاقة خلال النظام الاقتصادي بينما يؤكد مفهوم التنمية على تحسين النواحي غير المادية أو غير الفيزيقية وقد ذهب البعض إلى مساواة ومعادلة التنمية بالتطور بمفاهيمه الإحيائية والاجتماعية وقد أثر هذا كله في تطوير مفهوم التنمية المستدامة أو القابلة للاستمرار والذي تمت بلورته وإرساء الكثير من الأسس والمبادئ القانونية المصاحبة من خلال اللجنة الدولية للبيئة والتنمية في تقريرها.