ثمة مؤشرات تبدو على درجة من الأهمية والخطورة، بشأن التسوية السياسية المقبلة حول ملف أبيي، ولعل هناك ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول ما يجري خلف الكواليس من تسوية قادمة ربما يشوبها كثير من الغموض، أو ربما يُغيَّب فيها أهل المصلحة الحقيقيون.. هذه المخاوف والمحاذير لم تنشأ مع التسوية السياسية التي تم التوصل إليها مؤخرًا في أديس أبابا لكنها ظلت موجودة، تكبر وتنمو مع تفاقم هذه المشكلة، وتتغذى من ثدي القضايا العالقة بين الخرطوم وجوبا، بتقاطعاتها وإسقاطاتها المختلفة، ولعل هناك الكثير من المؤشرات والدلالات وقرائن الأحوال التي عكست هذه المخاوف في مراحل مختلفة... ففي وقت سابق كانت قيادات من المنطقة حذرت من حدوث أية تسوية سياسية يتم فيها تغييب المسيرية، وقد جاءت تلك التحذيرات في وقت شاع فيه أن الحكومة تسعى إلى تسوية مع الجنوب تحسم كثيرًا من القضايا العالقة لصالح الشمال مقابل التخلي عن أبيي.. شكوك ومخاوف وفي أوقات كثيرة يُلاحظ أن الحكومة تدفع بتطمينات قوية للمسيرية على مستوى الرئيس البشير تؤكد فيها أنها لن تتخلى عنهم الأمر الذي يعزز وجود تلك الشكوك والمخاوف وتناميها، فالحكومة كثيرًا ما تطلق التطمينات عندما تتسع دائرة التشكيك والمخاوف لدى المسيرية ،إذن هناك شكوك ومخاوف لدى البعض من احتمال حدوث ما يشبه الصفقة السياسية بين المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال والحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب حول ملف أبيي، والسؤال الجوهري الذي يطرحه الآن أكثر من مراقب سياسي هو: هل ستتم تسوية هذا الملف الحساس بتقاطعاته الدولية خلف الكواليس، وتحدث الصفقة التي يحذرها المسيرية والآخرون، أم أن الأمور ستتجه نحو الضوء الساطع؟؟.. الإجابة عن السؤال ستظل معلقة إلى حين إنهاء الأزمة، لأنه لا أحد يجزم ما إذا كانت الحكومة ستحني ظهرها للعاصفة، أم ستصمد في مواجهة الضغوط والمغريات... ويعزز ذلك التصريحات النارية التي أطلقها الزعيم المسيري الفريق بابو نمر، والتي هدد فيها بالحرب على الدينكا والحكومة حال تقديم أي تنازلات تتعلق بقضية أبيي، مشيراً إلى أنه سيقود الحرب بنفسه على الطرفين. تشكيك الفهيم ليس بعيدًا عمّا سبق من شكوك ومحاذير، تلك التصريحات التي أدلى بها رئيس الجانب الحكومي في لجنة أبيي الخير الفهيم، فيما نسبه المبعوث الروسي ميخائيل ميرغيلوف للرئيس عمر البشير بخصوص موافقته على تقسيم المنطقة بين الدولتين، حيث قال الفهيم، لوكالة السودان للأنباء «أنا لا أعتقد أن الرئيس سيكون ناقش مسألة الوضع من تقسيم أو غيره، لأن المقترح المطروح من قبل الوسيط الإفريقي ثابو أمبيكي مسألة مختلفة وهي مسألة استفتاء. وأضاف: إن الجانب السوداني كان رده عدم قبول إجراء أي استفتاء يكون خارج القوانين السودانية، وزاد: «لذلك أعتقد أن مسألة تقسيم المنطقة الحديث فيها أمر سابق لأوانه، وشدد الفهيم على أهمية أن تكون الأمور في مسألة الحريات الأربع بين الشمال والجنوب واضحة، بحيث يشرع قانون يسمى حقوق السوداني بجنوب السودان وحقوق مواطن دولة الجنوب في السودان. بالونة اختبار الناظر إلى تصريحات الفهيم وهو من أهل المنطقة يدرك أن ما صدر عنه، هو أول رد فعل لتصريحات المبعوث الروسي، وهو بالطبع رد فعل ناقم أو على ألأقل مستنكر لتلك التصريحات، في وقت صمتت فيه الحكومة... وتبقى الأسئلة الأهم هنا: هل فعلاً الرئيس البشير أسرّ للمبعوث الروسي مارغيلوف بموافقة الحكومة على تقسيم أبيي بين الشمال والجنوب، أم أن المبعوث الروسي صرح بذلك بدوافع ورغبة شخصية منه وأراد أن يطلق بالونة اختبار نيابة عن الحكومة؟، وهل الحكومة السودانية كلّفته بذلك أم أنه تكرم من تلقاء نفسه بإطلاق هذه البالونة التي أثارت جدلاً واسعًا في المسرح السياسي السوداني منذ إطلاقها؟، أم أنه أراد إحراج الحكومة التي تحكم شعبًا لا يقبل بأمر التقسيم، لطالما أن التقسيم أمر مستحدث ولم يرد في مقترحات ثامبو أمبيكي. تصريحات استباقية لا جدال في أن تصريحات الخير الفهيم المشككة في حديث المبعوث الروسي، هي الأخرى جاءت استباقية لأية ردة فعل من جانب معارضي مسألة التقسيم التي لم ترد أصلاً، لكن السؤال الذي يبحث الكثيرون له عن إجابة شافية هو: لماذا لم تنفِ الحكومة تصريحات المبعوث الروسي؟! وهل هذا الأمر يعزز بالضرورة قيام المبعوث الروسي بإطلاق بالونة الاختبار، لتنظر الحكومة ماذا تفعل بعدها.