ما أتعس الذين ينتابهم القلق والضجر إزاء ما تحدثه الليالي والأيام، فيرحل عنهم الصبر وتفارقهم السعادة بقدر تلك المسافات الطويلة التي تفصل بينهم وبين الطمأنينة والتوكل والإيمان. وهذه البلاد، وفي عهد قريب، كانت بلقعاً، فجفَّ شجرها، وغاض ماؤها، وعانى النَّاس فيها من قلة الدخل، وشح الإمكانات، وندرة الغذاء، وانعدام الدواء، أما عن المحروقات والإمداد الكهربائي، فحدث و لا حرج، ونسأل الله ألا يعيدنا إلى حال كان بائساً، وإلى وضع اشتكى النّاس منه لطوب الأرض، والمؤمنون منّا يعلمون بأن الشكوى لغير الله مذلة. ولا شك أنَّ هذه الأيام، تشهد ارتفاعاً في أسعار السلع، وبعضاً من الضيق فيما يتصل بمتطلبات الحياة، ولكن إذا استدبر الناس من أمرهم ما استقبلوا بنظرة إلى الماضي مقارنين إياه بحال الحاضر لما كانت النتيجة إلا حمداً وشكراً، ودعاءً لله بإزالة البلاء، والقضاء على الغلاء، والانتظار من المولى عز و جل تفريج الكربات، لأنه هو الذي يأتي لعبادة بالفرج والسعة، وهطول الغيث، وغيرها من النعم. وحيث إن الرجم بالغيب وبذل الجهد الكاذب، ليتعلق الناس بالأحلام والآمال مما لا يتفق مع الواقع ومعطياته، أمرٌ غير مستحب، فإننا لا نقول قولاً منافياً للحقيقة، إذا كانت البشريات يراها الناظر، ويلمسها أولئك الذين أنعم الله عليهم بنفاذ البصيرة، وذكاء العقل، ومن توفرت لديهم المعلومات بموجب دراسات وبحوث، دعت إلى استخلاص نتائج غير قابلة للنفي والنكران. ومن تلك البشريات، فإننا موعودون، زهاء ثلاث السنوات القادمة، بإنتاج من النفط يفوق ذلك الذي كان من نصيبنا قبل انفصال جنوب السودان. وشركة بترو إنرجي وحدها، حسب المتوفر من المعلومات ستنتج ليس أقل من «250» ألف برميل نفط يومياً. وشركة إستار أويل، بالإضافة إلى تطوير الحقول الحالية وما خطط له من إنتاج بالفولة و هجليج جهد سيزيد الإنتاج فيما يربو على «100» ألف برميل يومياً إضافة إلى إنتاج آخر من حقول جديدة ستدخل دائرة الإنتاج بما لا يقل عن «100» ألف برميل أخرى وقد تزيد. والمبشرات تدل على أن المربعات الست الأخيرة التي طرحت هي كذلك من المتوقع أن يكون الإنتاج منها مقدراً، وإن لم يكن هذا في معظمها فإن البشرى تشمل قدراً كبيراً منها. ومن البشريات، ذلك الإنتاج الوفير من الذهب، وتلك المساحات الواسعة التي أعطي امتياز التنقيب فيها عن المعادن النفيسة لكبرى الشركات، مما حدا بإنشاء ذلك المصفى الذي يصفي أكثر من «250» ألف طن، وهو من أكبر المصافي للذهب في قارتنا الإفريقية. وبالرغم من الحقائق الأخرى التي تشير إلى أننا موعودون بإنتاج مهول من الغلال، والثروات الزراعية والحيوانية، بفضل ما بذل من جهد لمضاعفة مساحات الزراعة والرعي، وما طرح من مشروعات جادة تستهدف حصاد المياه، واستغلال أكثر من «50» مليار متر مكعب تتمتع بها أحواضنا الجوفية. ولعلم القراء، فإن منطقة غرب أم درمان، قد تمددت بها على طول الطريق المؤدي للولاية الشمالية مشاريع إستراتيجية واستثمارية، وهي منطقة تبلغ مساحتها ما يتجاوز الثلاثين مليون فداناً، تكفي لغذاء ملايين الأنفس في قارة إفريقيا والعالم العربي، والمسيرة في استغلال تلك المساحة تتسارع وتيرتها اليوم تلو الآخر. وكل تلك النعم أراها قاب قوسين أو أدنى، ولكنَّها تحتاج إلى إرادة يكون مضمونها الصبر الطيب، وما أجمله إذا كان عنصراً من عناصر الإيمان وإصراراً على مغالبة التحديات وقهراً للأعادي مختلفي الأشكال والألوان. يقول الدكتور عائض القرني: «التحلي بالصبر من شيم الأفذاذ الذين يتلقون المكاره برحابة صدر وبقوة إرادة، ومناعة أبيّة، وإن لم أصبر أنا وأنت فماذا نصنع؟».