كنت قد طرحت في ختام الحلقة الأولى بعد استعراض تصريحات كيسنجر عن نذر حرب عالمية ثالثة ستكون مدمرة ونووية عدة أسئلة ووعدت بالإجابة عنها في الحلقات القادمة وهي: 1 / هل تعبِّر تصريحات كيسنجر عن تحليل شخصي أم موقف مؤسسة؟ 2 / إن كانت هناك مؤسسة تتبنى هذا السيناريو الدموي ما هي هذه المؤسسة ومن هم رموزها وما هي المنطلقات الفكرية والأبعاد العقائدية التي تنطلق منها؟ 3 / ما هي الإجراءات العملية التي تمت خلال الشهرين المنصرمين والتي جعلت الوقوف عند تصريحات كيسنجر أمرًا على درجة من الأهمية؟ 4 / ما هي السيناريوهات المحتملة لوقوع مثل هذه الحرب الكونية النووية وما هي الحيثيات التي تدعم كل سيناريو ؟ 5 / أين ستقف الدول العربية وحركات العمل الإسلامي التي وصلت للسلطة وما هو موقع الجهاد الكوني من الإعراب في هذه السيناريوهات؟ قبل الإجابة عن السؤال الأول دعونا نتفق أن الحرب العالمية الثانية كانت مفيدة جدًا لأجندة النورانيين في السيطرة على العالم، فقد نتجت عنها مؤسسات دولية مركزية مثل الأممالمتحدة والمجتمع الأوروبي سابقاً الذي يعرف الآن بالاتحاد الأوروبي، والعديد غيرها في مجالات التمويل والأعمال والعسكرتاريا. أي حققت بالضبط ما كانوا يسعون إليه، كذلك فإنها وضعت الدول تحت عبء الديون والقروض التي تم منحها لكل الأطراف من قبل الروتشيلديين والملوكيين وهي المرتبة العليا في الماسونية العالمية وبحسب تصريحات كيسنجر فإن حرباً عالمية ثالثة ستسقط هذه المؤسسات الدولية وتدخل العالم في ظل حكومة عالمية ذات منظومة معرفية وقانونية وثقافية واحدة وينتهي دور منظمة الأممالمتحدة.. هذه الفكرة ليست ملكاً لهنري كيسنجر ولا تعبِّر عن رأيه الشخصي بل هي فكرة ظلت تعمل لها مؤسسات عديدة وسأستعرض هذه المؤسسات وأُعرِّف بها: 1/ مجموعة بلدربيرغ: يعود اسم مجموعة بلدربيرغ إلى فندق بلدربيرغ في قرية أوستيربيك بهولندا حيث عقد فيه أول اجتماع للمجموعة عام 1954م ويمثل الأوروبيون ثلثي أعضاء المجموعة والبقية من الولاياتالمتحدة، مجموعة بلدربيرغ أو مؤتمر بلدربيرغ، أو نادي بلدربيرغ، عبارة عن مؤتمر سنوي غير رسمي يحضره حوالى «150» من المدعوين، معظمهم من كبار الشخصيات السياسية ورجال الأعمال وكبار الاقتصاديين وكبار مديري البنوك الضخمة باختصار لا يحضر هذا الاجتماع إلا الأشخاص الأكثر نفوذاً في العالم ويتم الحديث في المؤتمر خلف جدار من السرية الشديدة حول العديد من المواضيع العالمية الاقتصادية والعسكرية والسياسية. وهناك شخصيات عربية ومنتمية للإسلام تشهد بعض هذه الاجتماعات كمراقبين عندما يحتاج إليهم اجتماع ما في أمر معين منهم شخصيتان سودانيتان!! وعلى طريقة الدكتور البوني: «أنا ما بفسر وأنت ما تقصر» !! والمجموعة تمثل نواة للحكومة العالمية يجتمع أفرادها على أسس فكرية عبّرت عنها ألواح ولاية جورجيا عاصمة المخابرات الأمريكية بالقرب من قبر مالتوس مؤسس نظرية الفائض البشري الذي يجب التخلُّص منه، وهذه الألواح سأعود إليها في مقالات أخرى وبعض رموز الثورات العربية شهدت اجتماعات للمجموعة كمراقب حتى يأخذ التكاليف والمطلوب تنفيذه!! وهذه المجموعة يرى قادتها ورموزها أهمية قيام حرب كونية تعيد ترتيب أوراق العالم بما يخرج الحكومة العالمية إلى العلن. 2/ مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي: وقد قال الكاتب البريطاني ديفيد آك عن هذا المجلس ما لم يقله مالك في الخمر!! ويتمتع هنري كيسنجر بعضوية هذا المجلس الذي يعمل منذ أمد بعيد لإقامة الحكومة العالمية عبر حرب كونية يعمل على تحضير مسرحها، وقد نشط هذا المجلس في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1950 العصر الذهبي للحركة الفدرالية العالمية. بيعت مليونا نسخة من كتاب وندل ويلكي بعنوان «عالم واحد» والذي طبع للمرة الأولى عام 1943م، كتب أخرى دعت لاستبدال الأممالمتحدة بحكومة فدرالية عالمية منها كتاب «علم تشريح السلام» لكاتبه إمري ريفز وقد أصبح كتابه هذا مرجعاً لأنصار الفدرالية العالمية. أسس أنصار الفكرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1947 ما أسموه «الفدرالية العالمية المتحدة» سميت فيما بعد الجمعية الفدرالية العالمية، ثم «مواطنون لحلول عالمية» زعمت أن عدد أعضائها وصل إلى «47,000» عام 1949م، سنة 1947 التقت في سويسرا عدة حركات من عدة دول لتأسيس تحالف عالمي، سمي حركة الفدرالية العالمية. مع حلول عام 1950 زعمت أنها تتألف من«50» مجموعة تنتشر في «22» دولة وتضم أكثر من «156» ألف عضو. في فرنسا عام 1948، بدأ غاري ديفيس بإلقاء خطاب غير مرخّص من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة منادياً من أجل حكومة عالمية، استمر في إلقاء خطبته حتى جرّه الحراس إلى الخارج، تخلى غاري ديفيس عن جنسيته الأمريكية وبدأ بالتسجيل للمواطنة العالمية، التي زعم أنها سجلت أكثر من «750» ألف إنسان في أقل من عامين. استطلاعات الرأي التي أجرتها اليونسكو في 1948 1949 بيّنت أن أغلب من استطلعت آراؤهم في«6» دول أوربية يرحبون بفكرة الحكومة العالمية بينما رفضها أغلب من استطلعت آراؤهم في أستراليا وأمريكا والمكسيك. في عام 1953 أعلن دايفيس تأسيس «الحكومة العالمية لمواطنين عالميين» على ثلاث أسس سماها «قوانين العالم» وهي: «إله واحد، عالم واحد، إنسانية واحدة»، وقد قال غاري في كتابه «عقيدة العالم الجديد» وكتابه «خطة احتلال العالم» عن الأدوار التي قام بها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي والمنظمات والواجهات التي يقوم بإنشائها للترويج للحكومة العالمية والحرب الكونية التي سيعبر العالم عن طريقها إلى تحقيق هذا الحلم الذي ذكر هنري كيسنجر أنه ظل ينتظره طيلة حياته. وأظن أن شرح هذا الأمر وفضحه حتى ندرك جميعاً كيف يدار العالم ومن يديره وإلى أين يديره وكيف يحتاج إلى عشرات المقالات؟ وبيان ذلك وفضحه منهج قرآني «وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ». ونواصل