دُفقت أحبار كثيرة وأسيلت، وجندت أقلام ورفعت درجة التأهب والمواجهة إلى أقصى حدودها في مواجهة من يقترب مما اسمتها بعض الأقلام بالخطوط الحمراء فيما يتعلق بنقد مصيبة الحريات الأربع خاصّة، ووُصف منتقدوها ورافضوها بأنهم دعاة حرب ومسعِّروها، رافضين مبدأ الحوار من أصله.. وذهب آخرون إلى نهاية المغالاة والإفك حين قالوا إن الذين يعارضون اتفاقية الحريات الأربع يهددون الأمن القومي السوداني.. «كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذبًا». نحن في منبر السلام العادل وصحيفة «الإنتباهة».. حاولت منابر وحناجر وأقلام دعاة الغفلة أن تصورنا بأننا ضد الحوار والسلام والاستقرار والتفاوض الذي يفضي إلى حسن الجوار والتعاون المشترك بين البلدين السودان وجنوب السودان وقامت علينا حملة شعواء.. ظنوا أنه لا قبل لنا بها وأنهم سيُفلحون في تغيير اتجاهات الرأي العام نحو كراهية المنبريين والإنتباهيين.. بيد أن هذه الحملة لم تنجح لأنها أصلاً قامت على باطل والغاية القصوى منها دوافع شخصية، وتصفية حسابات وهمية، وتشفٍّ نتيجة مرارات داخلية، مبعثها وموقدها الغَيرة والحسد وليس شيئاً آخر. بلغت هذه الحملة درجة التحريض للإيقاع بصحيفة شقت طريقها نحو المعالي بعد أن عجن القائمون بأمرها الصبر ونالت منهم دهانيس الأيام وبنات الدهر في طرق موحشة شاقة.. صدقت مع قارئها فبوأها ما هي عليه الآن. والمنبر حزب سياسي ظل يتعاطى مع المشكل السوداني بقدر عالٍ من الوطنية الحقة ما عرف لصوص السفارات وعملاء الأنظمة الخارجية ورجال المخابرات المتدثرين في ثياب المنظمات الوطنية وغير الوطنية سبيلاً إلى قياداته كما هو حال الآخرين. لقد ظللنا نؤكد دائماً أننا دعاة السلام العادل الذي يعز الأمة ويثبت ممسكات الهوية «العقيدة والثقافة» ويحمي حمى الوطن والشعب، ويحفظ كيان الأمة من الاختراق والتشظي بتدخل الآخر المتآمر.. القريب العميل والبعيد المتربص. وكنا نحن انتباهة ويقظة ولا فخر لأننا نمتلك حجة ورؤية واضحة ولا نزايد في مبادئنا، وما ثبت لنا أنه الحق الذي لا مناص إلاّ أن نسير في سبيله مهما كانت المؤامرة علينا لأن الحق قديم والتمسك به محمدة وفضيلة تنتهي بصاحبها إلى النصر المؤزر وإن طال الطريق وقلّ السالكون وحفّته عيون اللصوص من قُطّاع الطرق والفاسدين الذين يخشَون من السلام العادل..! الذي يتخذ شعار «إنِ الحكم إلاّ لله» ويتبنى فضيلة إعطاء الحرية للجميع.. وتحقيق العدالة الاجتماعية.. وبناء دولة القانون والمؤسسات التي تفصل بين السلطات، وتعزيز قيمة التبادل السلمي للسلطة وفق الشرع ثم الأعراف السائدة من تجارب البشر الحكيمة. إن المطالبة بالسلام العادل ليس جريمة وجريرة بل محمدة وقيمة يسعى صوبها العاقلون لا السفهاء.. الشجعان لا الجبناء.. والصادقون لا الانتهازيون.. والنابهون لا القطيع والتُبّع. نقدنا نيفاشا وكشفنا عيوبها ولم يقدر أحدٌ حتى الآن أن يغطي عوراتها بحجة ومنطق سوي.. وبقينا على حالنا نرفض الاعتراف بقطاع الشمال منذ أن حُشر هذا المصطلح اللقيط الخبيث في قاموس السياسية السودانية وتعقبنا دعاته مثبتين بالحجة والبرهان والشواهد عمالتهم وخيانتهم للوطن وكفرهم بدين الأمة، وارتمائهم في أحضان الآخر الشرير المحارب الطامع في أرضنا ومواردنا. حين كتبنا وخطبنا قائلين إننا نرحب بحذر شديد ببعض الاتفاقيات ونرفض في الوقت ذاته اتفاقية الحريات الأربع وقدَّمنا رؤية موضوعية ملخصها لماذا نعطي أهل جنوب السودان هذه الحريات وهم الذين انفصلوا عنا بإرادتهم واختيارهم؟ لماذا نعطي هذه الحريات لمن ظل جيشه داخل بلادنا يقاتلنا في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومن قبل غزا ارضنا واحتلها في أبيي وهجليج؟ لماذا نعطي هذه الحريات والخلايا النائمة المتأهبة في غرفة الانتظار تنتظر اكتمال عملية تهريب الأسلحة إلى الخرطوم ومدن أخرى لتنفيذ مخطط الانفجار الداخلي المدويّ الذي ينسف كل شيء ليمهد الطريق لاحتلال جديد يقوده المارينز؟ لماذا نعطي هذه الحريات ونكتب بأيدينا شقوتنا حين نؤكدأ أنها لا تنزع بعد إعطائها وإن ظهر لنا أننا قد منحناها إلى نتنياهو وروجر ورايس وأمبيكي وليس باقان وألور ولينو وحدهم، كأنها كتاب مقدس نزل به الوحي الأمين لا نقد ولا نقض ولا رد.. ونحن نعلم أنه لا وحي بعد نبينا الخاتم؟ لماذا نعطيها ووشائج الثقة بيننا وأهل الجنوب لا تزال هشّة ومرارات الماضي لا تزال شاخصة.. ودواعي النزاع حول الأرض والحدود ونقض المواثيق والعهود لا يزال يحكم علاقة جوارنا؟. ملتقى كادقلي الذي ضخَّمه المطبلون وبشر به المضللون ونادى به الواهمون سدَّد طعنة نجلاء على خاصرة اتفاقية التعاون المشترك فيما يلي بند الترتيبات الأمنية، حيث حشر السيد أحمد هارون الناس ضحى وهو يعلم أنه عاجز أن يوفر لهم الأمن والحماية.. وهو يعلم أيضاً أن حكومته لا تسيطر على عشرة كيلو خارج حاضرة الولاية غرباً أو جنوباً أو شرقاً «وام سردبة» مثلاً حياً. أحمد هارون حشر الناس دون أن يتأكد له حسن الترتيبات الأمنية لحماية ملتقى كادقلي التشاوري الذي لم يسبقه أي ترتيب فني واجرائي وإعلامي وتشاوري واضح. والوفد الذي جاء إلى المركز مبشراً بهذا الملتقى على رأسه رجل ضعيف فاقد الخبرة والحنكة ولذا جاء تصورهم لمحاوره فضيحة مجلجلة أحرجت أبناء الولاية الأقوياء الحادبين الذين يسعى السيد الوالي ليل نهار لإبعادهم من معمعة الولاية ويقرب إليه النطيحة والموقوذة وما أكل السبع.ولم يزكِّه الشعب. هذا الوقت غير مناسب الآن لنتحدث عن فضائح الإقامة والإعاشة والرفادة بالرغم من أن كردفان عامة عُرف إنسانها بالكرم والشهامة حيث لا يُضام نازل بها ولا يُهان يكرم وتعلف دابته!! الاستقرار المزعوم الذي ظل يتغنى به السيد والي جنوب كردفان في منابر الخرطوم وصحفها أوقفت اسطوانته المشروخة ثماني مقذوفات من صواريخ الكاتيوشا مزقت أجساد أطفال مدرسة اليرموك جاءت من الجهة الشرقية التي كانت حكومة الولاية تظن أنها آمنة، وأن العدو إنما هو في جبال تافيري غربي كادقلي ولعمري هذا ضعف إستراتيجي في التأمين. نتساءل بكل صراحة ووضوح: كيف كان يكون موقف الوالي أحمد هارون لو أن كادقلي أُمطرت بهذه الصواريخ ورئيس الجمهورية أو نائبه الأول كان أحدهما مشرّفاً لفعاليات هذا الملتقى؟ يا ترى من كان سيسأل عن هذا التفريط الأمني ويمكن أن نقول التضليل الأمني؟ ومن هو الصيد الثمين؟ نؤكد بكل صراحة أن الأخ الوالي أحمد هارون يصارع الأوهام ويتشبث بالأحلام وعليه أن يملك قدرًا كافيًا من الشجاعة ليتنحى عن إدارة الولاية بعد أن يسجل اعترافاً أمام وسائل الإعلام أن الولاية تحصد حنظلاً زرعه الأخ الوالي نفسه، حيث أدار حواراً سيئاً مع قادة قطاع الشمال الحلو وعقار وعرمان وقدم تنازلات مدهشة لم نعرف سرها بعد هي التي مكَّنت للتمرد في الولاية وأعادت تنظيمه ونشلت روحه المعنوية من قعر بئر معطلة عند عين حمئة!!. وعلى الذين يسودون صفحات الصحف رجماً بالغيب وتزييناً للشر «الحريات الأربع» أن يكفوا عن هذا العبث ويتقوا الله فإن القلم والكتابة أعظم أمانة، وتكون أشد فتنة حين تبعث وتطالب بقيام الحالقة «الحريات الأربع» التي تحلق الدِّين لا الشعر. فزعت الوفود التي شاركت في ملتقى كادقلي مرتين الأولى حين ضجت سقوف قاعة ملتقاهم بدويّ أصوات صواريخ الكاتيوشا.. والثانية حين حاولوا الخروج من كادقلي عائدين إلى أماكنهم التي قدموا منها حين تخضب طريقهم بدماء طاهرة أزهقت نتيجة «كمين» غادر نصب لقواتنا المسلحة وهي تأمن طريق الوفود العائدة .. فما أمنت الوفود في كادقلي.. وما أمنت في طريق عودتها.. ورغم الجراح والغصة والحسرة تقبل الله الشهداء والتحية لمن شارك وساهم في هذا الملتقى، وتقبل الله السعي وشكر لمن كابد وشاق.. ولكن السلام تحرسه القوة لا التنازلات ولا حوار عقل خالي الذهن من كيد الأعداء.. ولا يد مكسورة يمسك بها العدو ليحاور صاحبها! وبهذا جاء ملتقى كادقلي الذي نأمل أن تجد توصياتها التي حملها إلى المركز الفريق آدم حامد طريقها إلى العناية لا النسيان تمشي أقدامه وئيدة خشية أن تطأ أشواك مغامرة الوالي الذي أراده أن يكون طوق نجاة مما هو فيه، وصفعة مدوية لكتاب الغفلة وخيبة أمل لمن يظنون أن الحركة الشعبية سوف تسحب 54 ألفًا من الجيش الشعبي من جنوب كردفان والنيل الأزرق وتفك ارتباطها بقطاع الشمال الذي لا يزال السيد الوالي أحمد هارون يعترف به ويدعو إلى حواره وإن غزا كادقلي وفشل ملتقيات السلام؟ أحمد هارون هو من أخرج باقان وعرمان بضمان من قبضة الشرطة حين قادا مظاهرة حاصرت المجلس الوطني.. أحمد هارون هو من قال عنه سلفا كير نقله عنه «أشويل لوال الوزير برئاسة الجمهورية قبل الانفصال «كل الأوضاع ماشي صاح، والشراكة 100% بجنوب كردفان» يعني بين الحلو وهارون!! وهذه الشراكة هي التي دمرت الولاية وقتلت أبناءها..!! أحمد هارون هو من يصر على مفاوضات قطاع الشمال الذي قصف بالصواريخ أحياء القردود وحجر المك وساحة النسيج حتى اليوم الختامي لملتقى كادقلي.. وبعد هذا يسمي أحمد هارون من يعارض الاعتراف بقطاع الشمال وحواره بالمكارثيين الجدد.. المكارثيون القدامى والجدد الأصل فيهم أنهم يكرهون الشيوعيين «وباقان والحلو وعرمان وألور ولينو» شيوعيون، نسأل هارون لماذا يواليهم ويضمنهم في مراكز الشرطة ويصر على حوارهم والاعتراف بهم بل قال: «إنهم سودانيون مثلنا وبعضنا أولياء بعض.. هم يشجعون الهلال والمريخ ويحبون أغاني وردي»؟!! سبحان الله هذا مبلغ فكر والٍ في ولاية ينبغي أن يكون من على رأسها درس باب العقيدة ومفهوم الولاء والبراء.. نسأل هارون هل الهلال والمريخ وأغاني وردي باب يدرس في العقيدة الإسلامية حتى يصير مضرب مثل في التماسك بين أهل السودان؟! أما نحن فلسنا مكارثيين جددًا، بل نحن إسلاميون ونتحدى.. ولا أحد يزاود علينا في دفاعنا عن الوطن قتالاً وجهاداً.. لا أحد يساجلنا في هذا.. لكن نعجب أن يدعي رجل أنه إسلامي ويعلن أنه يوالي الشيوعيين ويقول «بعضنا أولياء بعض» ولنا عودة إن شاء الله.