حوار: أحمد يوسف التاي عبد الله عبد الرحيم قال اللواء الركن حسن صالح عمر مدير الأكاديمية العسكرية العليا في حوار أجرته معه «الإنتباهة» إن السودان عندما رفض قوات الأممالمتحدة عقب الانفصال ذهبت هذه القوات إلى الجنوب مشيرًا إلى أنها ظلت تبحث عن شيء يعيدها إلى الشمال مرة أخرى، وأضاف: عندما جاءت هذه السانحة بهذه المناطق المنزوعة السلاح أرادوا أن يدخلوا بها إلى الشمال، وإذا كانت هذه الدول غير محايدة فإن الأممالمتحدة التي أخرجناها سوف تأتي هذه المرة من الشباك. ولم يستبعد تكرار حالات الغدر، وقال: نحن كقوات مسلحة يُفترض أن نكون جاهزين والناس يقولون «لو أنك تريد السلام، استعد للحرب» ويقول سيدنا أبوبكر إن الشيء الوحيد الذي يمنع الحرب هو الاستعداد للحرب» وعن الحريات الأربع قال: من ناحية نظرية توقيع اتفاق الحريات الأربع يمكن يكون في صالحنا إذا كنا دولة اقتصادها أقوى ولهذا لن يطبق الآن لأنه يحتاج إلى زمن ويحتاج إلى تنفيذ الأمن وترسيم الحدود وغيره، وبرأيي أن الأمر مجرد تطمين لهم ليس إلا ... وفيما يلي نص الحوار: بوصفك خبيرًا عسكريًا كيف تقيم بروتكول الترتيبات الأمنية في اتفاقية أديس أبابا بين السودان ودولة الجنوب؟ الترتيبات الأمنية التي تمت في اتفاق التعاون المشترك من ناحية نظرية ليس بها منقصة ولكن لا بد من بناء الثقة والتحقق والمراقبة وضمان حياد الآليات الخاصة بمراقبة الاتفاق والتحقُّق منه. بمعنى أنه وعند حدوث خرق للأتفاق من أي طرف، لا بد من إحقاق الحق في مثل هذا الحدث وإلا فسيكون الأمر بلا معنى. أيضًا أرى أن الاتفاق به شيء من الغموض فتنزيل التفاصيل على الأرض شيء مختلف وكما قيل إن الشيطان في التفاصيل، الأمر برمته مبني على مدى الثقة وحياد الآليات بين الطرفين وهي التي تحدد هل الاتفاق مثمر أم أنه غير مثمر. أشرت إلي بعض الجوانب الغامضة في الاتفاق، فما هي هذه الجوانب الغامضة؟ كل الاتفاقيات حول العالم لا تخلو من غموض إما خبيث أو حميد، الغموض الحميد هو ما يتم في ما كُتب ويقوم كل طرف بتسويقه وعندما تنبني الثقة يتم التنفيذ. الغموض الخبيث هو أن يفهم كل طرف ما كُتب في الاتفاقية بطريقته إن كانت هنالك ضغوط أو خلافه، وعندما نأتي لمرحلة التطبيق تحدث المشكلات وحتمًا لا تخلو البنود من غموض إطلاقاً. إذا تحدثنا عن مخاطر أمنية، فأي درجة من المخاطر يمكن أن ينطوي عليها؟ الاتفاق تم بين دولتين، ومن الممكن أن يتفقا في النواحي الاقتصادية أو خلافها حسب مصالحهم، والمصلحة الزائدة تكون للدولة الأقوى، لكن الترتيبات الأمنية هي أساس بناء الثقة، فمثلاً إذا كان فهمك للحدود شيء والطرف الآخر يفهمها بصورة مغايرة وحصل خرق يتم حله بواسطة آلية الحدود والتي من الضروري أن يكون الطرفان موافقين عليها، فإذا كانت هذه الآلية محايدة يتم العلاج وإذا كانت غير تحصل المشكلات. في رؤيتك الخاصة وقراءتك التحليلية لاتفاق الترتيبات الأمنية، هل يوجد فيه من رابح أكثر وخاسر في تقديرك؟ أولاً نحن كان لدينا عبرة في اتفاق الترتيبات الأمنية وبصورة أكبر في اتفاقية السلام، والسبب الأساس الذي جعلنا ندخل في هذه المشكلة هو عدم تنفيذ اتفاقية السلام والترتيبات الأمنية الأولى «نيفاشا» بسوءاتها فهي لم تطبق بصورة محايدة. ومثال لذلك، القوات المسلحة، فهي مع الحكومة وتتبع التعليمات الرئاسية وتعتبر القرار السياسي أعلى من القرار العسكري. وقد انسحبت كلها من السنتين الأوليين من عمر الاتفاق والطرف الآخر لم ينفذ بنفس الطريقة، وكان هناك مكر وعدم التزام من الطرف الآخر، ونحن بالعكس تساهلنا بصورة كبيرة مع العملية، وهنا نجد أن الآلية المراقبة لتنفيذ الاتفاق لم تكن محايدة أبداً. ما هو الضمان الآن لعدم تكرار هذه المشكلات؟ والله ليس ثمة أمل، فنحن كقوات مسلحة يُفترض أن نكون جاهزين والناس يقولون «لو إنك تريد السلام، استعد للحرب» ويقول سيدنا أبوبكر إن الشيء الوحيد الذي يمنع الحرب هو الاستعداد للحرب فهو الشيء الوحيد الذي يمنع الحرب ويفرض السلام. والسلام هنا الحقيقي وليس الوهمي. في اتفاق الترتيبات الأمنية يوجد ما يُعرف بفك الارتباط بين قطاع الشمال والجيش الشعبي، فإلى أي مدى يمكن أن يسهم في حسم قضايا النيل الأزرق وجنوب كردفان؟ أولاً بمجرد ما الحركة تفك الارتباط مع الفرقة التاسعة والعاشرة من القوات فإن قطاع الشمال سوف يُجبر وينزل للسلام طائعاً، والآن الأمر أصبح حربًا بالوكالة وإذا ما قيل لك لا توجد حرب لا تصدق، فالحرب إما أن تكون مباشرة أو تتم بالوكالة وهي بمساعدة الحركات المتمردة لدى كلا الطرفين، يعني من هنا وهناك، وحتى تطبيق هذا الاتفاق فإن الحرب دائرة. ولكن هم كانوا ينفذون هذا الأمر بصورة واضحة وفاضحة، فهم يتكلمون عن قطاع الشمال وهؤلاء مواطنون لدولة ثانية ونحن ودعنا الجنوبيين هنا وأعطيناهم معاشاتهم وحقوقهم، وإذا ما التزموا بإعطاء الشماليين من جنوب كردفان والنيل الأزرق حقوقهم ومعاشاتهم كاملة سيضطر هؤلاء ويعودون للشمال وتبعًا لذلك ستقف الحرب بين البلدين. كيف تنظر إلى اتفاق الحريات الأربع في ظل التوتر وعدم الثقة الموجود بين الطرفين؟ اتفاق الحريات الأربع هذا ممكن، والآن لدينا اتفاق شبيه مع ليبيا ولكنه لم ينفَّذ، ومع مصر أيضًا موجود ولكنه لم ينفَّذ، وفي رأيي أن «الجري لا يمكن أن يكون قبل المشي» فربنا بنى الدنيا في ستة أيام وكان يمكن أن يبنيها في يوم واحد، والمريض أذا أعطيته الدواء كله مرة واحدة سيموت، فلا بد من التدرج والذي يبدأ ببناء الثقة بين البلدين والتعاون ومن ثم نأتي لمثل هذه الأشياء. وتفسير هذا الاتفاق يكمن في أن دولة الجنوب لا تريد ذهاب جنوبيي الشمال إليهم، لأن هؤلاء على درجة عالية من الوعي وإذا ما ذهبوا هناك فسيطالبون بحقوقهم في التعليم والصحة وغيره من المجالات المختلفة ومن الممكن أن يتظاهروا لأجل أن تنفَّذ مطالبهم، لكن الجنوبيين الموجودين بالجنوب ما عارفين حقوقهم، وإذا ما ذهب جنوبيو الشمال هناك فسيكونون خميرة عكننة لذلك نجد حكومة الجنوب أكثر إصراراً على إبقاء هؤلاء بالشمال وهذا لا يتم إلا باتفاق الحريات الأربع. وهؤلاء إذا ما خُيِّروا فلن يذهبوا للجنوب إطلاقاً، وحتى الذين ذهبوا منهم للجنوب جاءوا راجعين. فمن ناحية نظرية توقيع اتفاق الحريات الأربع يمكن أن يكون في صالحنا إذا كنا دولة اقتصادها أقوى ولهذا لم يطبق الآن لأنه يحتاج إلى زمن ويحتاج إلى تنفيذ الأمن وترسيم الحدود وغيرها، وبرأيي أن الأمر مجرد تطمين لهم ليس إلا. إذا تم تنفيذ هذه الحريات الأربع في ظل الوضع الراهن هل يمكن أن تنطوي على أية مخاطر؟ لن تنفَّذ أبداً. وبرأيي أنها تنطوي على مخاطر كثيرة جداً، فإذا كانت خطوتهم المباشرة عقب انفصال الجنوب صناعة عملة خاصة بهم وقاموا برفض عملتنا مباشرة أنا أعتبر الأمركان حربًا اقتصادية، هذه حرب ناعمة «سوفت وير»، وإذا ما قمت بتنفيذ الحريات الأربع قبل ترسيم الحدود وتحقيق الأمن يمكن أن يتم تدمير اقتصاد السودان بطرق التهريب للسلع الحيوية التي يمكن أن تضرب اقتصادنا مباشرة كتهريب الذرة وغيرها من السلع الضرورية والمهمة، وسيكون الأمر كارثيًا نتيجة لذلك، وفيه مخاطر أمنية على الشمال. هناك كثير من الناس يتحدثون عن المنطقة العازلة، وهناك من يتصور أن تكون هناك وصايا دولية على السودان عن طريق هذه المنطقة ومدخل لقوات أجنبية إلى السودان إلى أي مدى تتفق مع ذلك؟ نحن رفضنا قوات الأممالمتحدة عقب الانفصال وقلنا لا حاجة لنا بهم في بلدنا لأن أساس الإشكال قد انفضّ، فذهبوا منا إلى الجنوب وبرأيي هم يبحثون عن شيء يعيدهم إلى الشمال مرة أخرى عندما جاءت هذه السانحة بهذه المناطق المنزوعة السلاح أرادوا أن يدخلوا بها إلى الشمال، وأنا قد قلت من قبل أن الأمر هذا يعتمد على آلية المراقبة والتحقيق ومن المفروض أن يكون فيها طرفا الاتفاق الشمال والجنوب لينظروا بوضوح مدى التزام الأطراف بهذا الاتفاق، فعلى سبيل المثال إذا قام أحد الأطراف بوضع سلاح داخل حدوده بمسافة عشرة كيلو ومدى هذا السلاح أربعين كيلو يكون هذا الطرف قد أخل بهذا الاتفاق لأنه قام بوضع سلاح داخل أراضيه وخارج المنطقة المنزوعة السلاح ولكنه يمكن أن يصيب به أهدافًا داخل حدود الطرف الآخر.. وفي أمر المراقبة يلزم الطرفين إدخال الدول التي تثق فيها للمراقبة في حدودها ولا بد يكون هؤلاء محايدين وإذا كانت هذه الدول غير محايدة فإن الأممالمتحدة التي أخرجناها سوف تأتي هذه المرة من الشباك. في كلمة أخيرة ماذا تقول؟ كنت أود أن أتحدث عن الأكاديمية العسكرية العليا التي تكونت في عام 1980م وبدأت بتنفيذ ما يُعرف بالكورس المركز وهو مهتم بالحرب وليس بالدفاع. وتم تنفيذ كورسين في مدرسة الاستخبارات القديمة ومن ثم انتقلت لمقرها في شارع النيل. وهي قد كُوِّنت من قبل المصريين الذين أسسوا كلية الدفاع. نحن الآن في كلية الدفاع الدورة «24» التي سيتم تخريجها اليوم. وقبل «12» سنة كُوِّنت كلية الحرب، فصارت هناك كليتان هما الحرب والدفاع.. وأيضًا كان يوجد مركز دراسات إستراتيجية فدُمج مع إدارة البحوث فصار المركز العسكري للدراسات والبحوث. وهي ثلاثة روافد: كلية الدفاع الوطني، وكلية الحرب، ومركز الدراسات الإستراتيجية.. وكلية الدفاع الوطني تُعنى بكل القيادات في الدولة وليس العسكريين فحسب، العسكريون من رتبة عميد والقيادات الواعدة في كل أجهزة الدولة ويتم تنسيبهم من خلال مجلس الوزراء.. وكلية الدفاع تقدم بحوثًا في كل المجالات الإستراتيجية دبلوماسية، وعلاقات دولية، وأمنية وغيرها من الإستراتيجيات.. وهي مثل كل كليات الدفاع في أنحاء العالم. ولدينا الآن «49» بحثًا من الإستراتيجيات المختلفة و«106» بحوث من المشكلات في الإستراتيجية العسكرية. وللكلية علاقة بجامعة كرري، فكل من لديه بكلاريوس يُمنح زمالة كلية الدفاع وماجستير في الإدارة أو الإستراتيجية حسب تخصصه ويشرف عليه دكتور من الجامعات والمعاهد العليا السودانية وتمنح له من جامعة كرري. أما كلية الحرب فالطالب يدرس العقيدة العسكرية، يعني الإستراتيجية العسكرية.. وكل الدارسين عسكريون. أهداف الأكاديمية؟ إنها تساعد رئاسة الجمهورية والقيادة العامة وكلية الأركان المشتركة في حل المعضلات والبحوث، فهي تستوعب كل الذين نعتبرهم قيادات المستقبل في الدولة.. ولدينا دارسون من الدول الشقيقة والصديقة التي لنا معها بروتكولات مشتركة. فالمصريون يخير الأول عندهم في أكاديمية ناصر بين أن يذهب لأمريكا أو السودان فيختار السودان للغة المشتركة وقرب المكان وجودة التدريب والتدريس وأفضلية المعيشة. والحمد لله مستوى كلية الدفاع والحرب في السودان لا يوجد لهما مثيل في المنطقة كلها. ونحن إن شاء الله سوف نخرج اليوم الثلاثاء 16/10/2012م دورتي الدفاع «24» والحرب العليا الذين يبلغ عددهم «150» طالباً وسيشرِّف التخريج السيد رئيس الجمهورية. ونهيب بكل مديري كلية الدفاع السابقين وكلية الحرب ووزراء الدفاع السابقين ورؤساء الأركان العامة والمشتركة ووزراء الدولة بوزارة الدفاع ورموز مدينة أمدرمان لحضور حفل التخريج المسائي بمبنى الأكاديمية.