بيت من بيوتات العلم وتميز الحياة ديناً ودنيا كان التيجاني يوسف بشير من سلالته فكان واحداً من متلقي الدرس بخلوة جده الشيخ الكتيابي بحي الركابية. فظل ممسكاً بزمام التقدم نحو مجد الكلمة والحكمة. إلتحق التيجاني يوسف بشير بالمعهد العلمي بأم درمان فانكب على كتب اللغة والدين. فأكثر من التأملات التي أفضت به لنقاشات مستفيضة حول قضايا الشعر والفلسفة. بزّ أقرانه بل وأساتذته فصار يتحدث حول قضايا عدها متابعو سيرته أنها أكثر من فهم من هم حوله من الطلاب والأساتذة بالمعهد فكان من الطبيعي أن يتكاثر حساده بل وتعلن عليه الحرب (حرب النفس الحاقدة ضد النبهاء) وهي حرب ما زالت تتواصل اشتعالاتها داخل مجتمع الثقافة والفكر. فُصل من المعهد بسبب آرائه في منهج التعليم المقرر على الطلاب، وآخرون قالوا بغير ذلك. كتب التيجاني أشعاراً بمواد من ذهب فظلت حتى الآن نبراساً لجودة الشعر ورصانته ومن ذلك قصائد كثيرة ولكن تظل قصيدة (أمل) واحدة من أعظم قصائد الشعر السوداني: أمل ميت على النفس الحدت له من كلاءة الله قبرا زهقت روحه وفاضت شعاعاً قبلما ينفذ الطفولة عمرا ومن ضمن أجمل ما كتب أيضاً رثائيته الفخيمة في أستاذه الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم رثاه ببكائية خالدة. يا أبا القاسم المطل على العالم من لحده ومن علوائه بعد فصله من المعهد عمل في وظائف عديدة منها محصل مالي لفواتير شركة ماكينات سنجر بالخرطوم وحين لم ترق له المهنة انكب ثانية على قراءات عنيفة حتى أوردته موارد الهلاك والمرض فكان داء الرئة سبباً في انعزاله عن الناس فلم يستكن للمرض فكتب مقالات نثرية كثيرة عُدت فيما بعد واحدة من الإشراقات الفكرية الأولى لنهضة الأدب والفكر السوداني.. بالرسالة القاهرية وملتقى النهرين ومجلة أم درمان التي حررها زماناً ليس بالطويل إشارات واضحة لعبقريته ولسبق الآخرين في التطرق لعدد من قضايا الفكر والأدب.. أحب التيجاني واحدة من فتيات الحي كثر الحديث عنها واسمها. بيد أن الراجح أن اسمها (قمر) وهي من بيوتات الأرمني قريبي المسافة سكناً من دار أهله بحي الركابية. يظهر ذلك في عدد من قصائده وأهمها قصيدة (القمر المجنون). خلد التيجاني اسمه بإنتاجه على الصعيدين النثري والشعري. ومن ذلك ما ظل في شكل الألحان الغنائية الخالدة وهي (أنشودة الجن) لحن وغناء المرحوم سيد خليفة وكذلك (زهى الحسن) أما الملك عثمان حسين فقد تغنى له بالمتفردة محراب النيل. في يوليو «1937م» رحل التيجاني مخلفاً ذكرى لن تمحي بفضل عبقريته الأسطورية.