شاهد.. ظهور مقطع نادر لنجم السوشيال ميديا الراحل جوان الخطيب وهو يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم بصوت جميل وطروب    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    افتتاح المعرض الصيني بالروصيرص    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    أنا وعادل إمام    القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع خبير القانون الدستوري د. محمد أحمد سالم
نشر في الانتباهة يوم 18 - 09 - 2011


أجرته: فتحية موسى السيد/ تصوير: متوكل البجاوي
تناول أستاذ القانون الدستوري بجامعة الخرطوم الدكتور محمد أحمد سالم في هذا الحوار الذي أجرته معه «الإنتباهة» الأبعاد القانونية لفرض حالة الطورئ في النيل الأزرق وعزل عقار بمقتضى حيثيات قانونية إلى جانب أبعاد قرار مجلس الأمن الدولي «2003» فضلاً عن قانونية استمرار الحركة الشعبية «قطاع الشمال» كحزب سياسي في الشمال بعد الانفصال، حيث التزم مولانا سالم في هذا الحوار بالتناول القانوني والالتزام بإطاره بعيداً عن الحديث السياسي، ولاغرو في ذلك فهو أحد أبرز علماء الدستور في السودان حيث جمع بين التأهيل الأكاديمي الرفيع المصقول بالدورات التدريبية في معظم دول العالم وطرح الآراء الجريئة التي لا تعرف المداهنة.. فإلى تفاصيل ما جاء في الحوار:
أولاً كيف ينظر مولانا محمد أحمد سالم إلى التعديلات الدستورية المرتقبة بعد انفصال الجنوب؟
طبعاً الدستور الحالي سارٍ منذ 2005م، ورغم أنه دستور انتقالي صدر في ظروف معينة، ولا يمكن أن يستمر إلى الأبد، خاصة بعد حدوث تحولات كبرى في وضعية البلاد بعد انفصال الجنوب، إلا أنه وبحكم نصوصه، سوف يستمر إلى حين تعديله أو إحلال دستور جديد بدلاً منه. وفي رأيي الشخصي، أننا نحتاج إلى حزمتين من التدابير الدستورية، مشروع إسعافي سريع يتضمن تعديلات ضرورية كأحكام انتقالية، لسد الثغرات، والتعامل مع الواقع الجديد بعد انفصال الجنوب، خاصة بالنسبة لبعض المفوضيات وموقع النائب الأول، وجوانب أخرى في هيكلة دولة الشمال الجديدة، والحزمة الثانية دستور جديد، يتم إعداده على مهل، وبمشاركة الجميع ليعبر عن تطلعات وقيم شعب السودان، ويكون محل تراض وتوافق بين قوى التجمع.
هناك جدل حول الجنسية المزدوجة، وخاصة بالنسبة لأبناء دينكا نقوك باعتبار أن أبيي شمالية، ما هو رأيك؟
الأصل أن أبيي شمالية، لكن حدث نزاع حول هذا الأمر في مفاوضات السلام بنيفاشا، ونصت الاتفاقية والدستور على إجراء استفتاء حول تبعيتها للشمال أو الجنوب، وصدر قانون للاستفتاء، لكن نشأ خلاف حول من يحق له التصويت، فالحركة الشعبية ترى استبعاد المسيرية، وحصر حقوقهم في المرعى فقط دون حق المواطنة، واستند هؤلاء إلى نص معين في القانون، وبروتوكول أبيي، الذي لم يذكر المسيرية بالاسم، كما فعل بالنسبة للدينكا، هذا التفسير المتحامل، وغير العادل رُفض من الشمال، ومن الحكومة، ولا سبيل أبداً لفرضه، لأنه ببساطة يعني الحرب. أما الجنسية المزدوجة فقد طُرحت قبل أشهر، ضمن حزمة الحريات الأربع، ولم تجد قبولاً، لأنه لا يمكن لمجموعة من الناس «الجنوبيين»، كانت تتمتع بالجنسية السودانية، ثم اختارت طائعة عبر الاستفتاء، أن تتخلى عن هذه الجنسية وتختار بدلاً منها جنسية دولة الجنوب، وبعد هذا ترتفع أصوات تنادي بمنح هؤلاء الجنسية المزدوجة.. في هذا الطرح غفلة «واستعباط»، أنت تختار الانفصال عن وطنك، وتذهب بثروات الجنوب، وتنشئ دولة مستقلة، وتحيط هذا الانفصال بفرحة كبيرة، واحتفالات في الشوارع، وهيجان عاطفي، بأنك تخلصت من المستعمِر الشمالي، ثم تأتي لتطالب بمزايا المواطنة في دولة الشمال، وفي مقدمتها الجنسية، وحرية التنقل، والإقامة والعمل.. ذلك لا يجوز خلقاً ولا قانوناً، والحمد لله أنه لم ينطل على القيادة السياسية أو الرأي العام المستنير، أما بالنسبة لدينكا نقوك، فإذا حُسم الأمر لصالح تبعية المنطقة للشمال، فسوف يستمرون مواطنين شماليين، لهم جنسية الشمال الأصلية لا المزدوجة.
هناك حديث عن مراجعة للقوانين الهامة في المرحلة القادمة، ماذا عن ذلك؟
هذه خطوة مهمة ومطلوبة، فالدولة لا تدار بالدستور فقط، هناك قوانين عضوية OVGANIC، لا تقل أهمية عن الدستور وهي مكملة له ومفسرة.. لأن الدستور إطار عام، والقانون هو الذي يحمل التفاصيل، وينص على الآليات. أعتقد أننا نحتاج لمراجعة شاملة لمجموعة كبيرة من القوانين المرتبطة بالعدالة والحريات، والعمل السياسي، على ضوء التجربة العملية، فهناك ثغرات برزت، وهناك مستجدات طرأت، والقانون كائن حي، يجب أن ينمو، ويتطور، ويواكب، نحتاج إلى مراجعة لقوانين الانتخابات، والأحزاب، والصحافة، وكذلك القوانين المنظمة للهيئات القومية شبه القضائية، مثل هيئة الحسبة والمظالم، وديوان العدالة القومي، ونحتاج إلى تفعيل وتحديث قانون المفوضية القومية لحقوق الإنسان، وربما دعت الحاجة إلى قانون قومي للحكم المحلي، وللأراضي والاستثمار، كما أن قانون المشورة الشعبية يحتاج إلى لائحة قومية لإيراد التفاصيل التنفيذية، ولسد الباب أمام أي تفسيرات أو تأويلات خاطئة أو مغرضة، كالحديث عن تقرير المصير أو الحكم الذاتي، كما أن هناك إشكاليات حول السلطات المشتركة بين المركز والولايات.
دولة الشمال تمر الآن بمنعطف تاريخي.. ما هي سبل الخروج؟
لا شك في حرج وحساسية المرحلة الحالية، بعد انفصال الجنوب، ولقد كان الانفصال مؤلماً، وجسّد خيبة أمل، بعد أن راهن الشمال بكل ثقله وبحسن نية على الوحدة، وبذل في سبيلها كل مرتخص وغال.. لكن ما حدث قد حدث، ولا جدوى من البكاء على الأطلال، وذرف الدموع على اللبن المسكوب، بل ولا فائدة من إضاعة الوقت والجهد في تحديد المسؤولية، وإجراء محاكمات تاريخية.. المطلوب الآن النظر للأمام، للمستقبل..
كل الأمم تمر بابتلاءات وامتحانات، والعبرة بالقدرة على النهوض من جديد، وعقد العزم على تجاوز الصعاب.. دعونا نوحد صفنا الداخلي، ونسد الثغرات في بنائنا.. ونحسن اختيار شاغلي المواقع القيادية.. ونعتمد على الذات، ونعيد ترتيب الأولويات.. ونرشد إنفاقنا القومي، ونراجع السياسات، ونُعمل المؤسسية والشورى، ونبذل جهداً في وضع الرجل أو المرأة المناسبين في المكان المناسب، ونقدم مصلحة الوطن على مصلحة الحزب والذات، وفي رأيي أن تكون الأولوية لتخفيف أعباء المعيشة ومكافحة الغلاء ومحاربة الفساد وتوسيع مجال الحريات.
مولانا سالم.. بصفتك أحد الخبراء الدستوريين ما هي أهم ملامح الدستور الجديد والدائم من وجهة نظرك؟
أرى أن يتم حسم عدد من الخيارات الجوهرية، بعد إدارة حوار قومي شامل وجاد حولها.. أول هذه الخيارات موضوع الهوية وطبيعة الدولة، وثانيها المفاضلة بين النظامين الرئاسي والبرلماني، وثالثها قضية لا مركزية الحكم وقسمة الثروة والسلطة بين المركز والولايات، ورابعها مسألة الحريات الأساسية.. وجدلية الموازنة بين الأمن والحرية، وخامسها العدالة الاجتماعية، ومعالجة النزاعات الجهوية والحروب الداخلية.
عفواً مولانا.. هذه هي الموضوعات، فماذا عن الوسائل للوصول إلى حلول لهذه القضايا.. وكيف نضمن التراضي حول هذه المسائل الشائكة؟
الدستور هو عقد اجتماعي وسياسي بين مكونات الأمة.. وأي عقد يشترط فيه التراضي والتوافق.. السبيل إلى ما نريد هو تكوين منبر أو لجنة قومية، أو مؤتمر يمثل فيه الجميع، أحزاب، وكيانات اقتصادية، واجتماعية، ومنظمات مجتمع مدني، وفئات وقوى حديثة.. الشباب والنساء.. رجال الأعمال.. العمال.. الزراع.. الإدارة الأهلية، قادة الرأي.. وأن يصدر بالتكوين قرار من رئيس الجمهورية، بعد تشاور واسع.. وألا يُستثنى أحد.. وأن يكون التمثيل وفق الأوزان الحقيقية.. ثم تكون مع هذه اللجنة القومية لجنة فنية من قانونيين، وإداريين، وخبراء في العلوم السياسية.
وأن يحدد أجل لعمل اللجان، لا يتجاوز الأشهر الثلاثة.. ثم يكون الرجوع للقواعد، وللمواطنين البسطاء في كل أرجاء السودان.. وأن نستفيد من تجاربنا الماضية.. ومن تجارب الآخرين من حولنا.
أصدر مجلس الأمن مؤخراً القرار «2003»، الذي وسع من مهام اليوناميد، واعترضت عليه الحكومة السودانية.. كيف ترى هذا القرار؟
هذا القرار قرار سياسي في المقام الأول.. وراءه الولايات المتحدة ودول الغرب.. يريد أن يضع البلاد تحت الوصاية الدولية.. ولقد أحسنت الحكومة برفض هذا القرار.. ويجب توعية الشعب بمخاطره ونواياه المبيتة، ومواجهة القرار تتم بعمل متوازن دبلوماسي خارجي.. وسياسي وتعبوي داخلي.. بالنسبة ليّ فإن السودان مستهدف بوضوح.. فعندما شارفت مشكلة الجنوب على الانتهاء أشعلوا ملف دارفور.. وعندما قطعنا شوطاً بوثيقة الدوحة.. حركوا ملف جنوب كردفان.. ثم النيل الأزرق وربما شرق السودان.
لقد كان هم الغرب فصل الجنوب.. لهذا ظلوا يستعملون اسلوب العصا والجزرة.. يعدون برفع العقوبات وبإعفاء الديون، وبشطب السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب.. حتى إذا تحقق لهم فصل الجنوب تنكروا لعهودهم. سكتوا عن الاعتداء على قواتنا المسلحة من أبيي والغدر بها، وعندما تحركت القوات المسلحة لفرض النظام والأمن، أقاموا الدنيا وتحدثوا عن مجازر في أبيي.. وعندما طعن عبد العزيز الحلو السلام الاجتماعي في جنوب كردفان، واغتال الأبرياء في بيوتهم.. وتمرد.. لم يدينوا ذلك العمل.. لكن بمجرد تحرك القوات المسلحة لحماية المنطقة، وردع المتآمرين، ارتفعت الصيحات عن المقابر الوهمية الجماعية، ونشط مجلس حقوق الإنسان.. هذه حلقات من التآمر الذي لن يتوقف، وهي لا تستند إلى منطق ولا قانون دولي. ولا معايير موضوعية.. بل تحيُّز سافر ومعايير مزدوجة.
ما هو تقييمك لإعلان الرئيس وقف إطلاق النار من جانب واحد في جنوب كردفان؟
تلك ضربة معلم.. وتدبير سياسي وعسكري حصيف.. أراد الرئيس أن يفوِّت على أعداء السودان الفرصة.. وأن يثبت حسن نوايا الحكومة. لكن للأسف لم تتجاوب الحركة الشعبية وبذا كشفت عن نواياها الحقيقية.
ما هي الحلول لأزمة دارفور؟
هي أزمة بدأت بسبب ظروف مناخية.. شح الأمطار.. وتضارب المصالح التقليدية بين الزراع والرعاة.. ثم ساعد في تأجيجها موقف الجيران ليبيا وتشاد.. والصراع الدولي على خلافة فرنسا في غرب إفريقيا.. أضف لذلك الصراع السياسي الداخلي، وأعتقد أن وثيقة الدوحة هي إطار مناسب وعادل وأعطى دارفور فوق ما كان يتوقع أي مراقب.. ونحن الآن ننتظر تنفيذ الاتفاق على الأرض.. ونأمل في نجاح الرهان على الداخل.. ولا شك أن التسوية مع تشاد وانهيار نظام الطاغية الشرير في ليبيا مؤشر إيجابي.. لكن الطريق ما زال طويلاً.. فهناك حركات مسلحة لم تنضم بعد.. فإذا نجحنا في عمل تنمية ومعالجة المظالم ورد الحقوق.. أمكن حسم وعزل الحركات المسلحة بالعمل السياسي الداخلي أولاً، وبدعم القوات المسلحة والشرطة والأمن ثانياً، ومن المهم أيضاً التخلص من الوجود الأجنبي في شكل قوات دولية أو منظمات مشبوهة.. وأن تسعى الدولة لعدم تكرار تجربة أبوجا الفاشلة.
يثور جدل قانوني وسياسي كثيف الآن حول شرعية قطاع الشمال كحزب سياسي ما هو تقييمكم للأمر من الناحية القانونية.. علماً بأنكم أول من طبق قانون الأحزاب السياسية ونظام التسجيل منذ عام 1998م؟
الذي حدث بعد إصدار قانون الأحزاب السياسية عام 2007م أن الحركة الشعبية قامت بتسجيل كيانها كحزب سياسي.. تسجيل الحركة لم يعتمد فقط على القانون، لأن القانون يحظر احتفاظ أي حزب بتشكيلات مسلحة.. لكن الحركة تم استثناؤها من هذا الشرط بموجب اتفاقية السلام التي سمحت للحركة بالاحتفاظ بجيشها.. والمفترض قبل انتهاء الفترة الانتقالية أن تنفذ التدابير الأمنية وهي انسحاب قوات الحركة جنوباً، وتسريح أو دمج قوات قطاع الشمال.. ذلك لم يحدث بالنسبة لجنوب كردفان، والنيل الأزرق.. وبالتالي لا يمكن للحركة، بعد انتهاء الاتفاقية التي أعطتها حق الاحتفاظ بقوات مسلحة مؤقتاً.. لا يمكن لقطاع الشمال أن يستمر كحزب سياسي، إلا إذا تخلى عن قواته المسلحة.. الأمر الثاني.. أن «90%» من قيادات الحزب.. رئيس الحزب.. أمينه العام.. معظم المكتب السياسي.. بل «90%» من قواعدها.. أصبحت جزءًا من دولة أجنبية.. ولا يوجد قانون أحزاب في العالم كله، يسمح لحزب قيادته أجنبية بممارسة العمل السياسي.. الأمر الثالث.. أن دستور الحركة.. واسمها وأهدافها.. وهي تحرير السودان عبر الكفاح المسلح.. كلها لا تتماشى مع دستور وقوانين البلاد.. ولا بد من تعديل النظام الأساسي، ودستور الحزب، وتغيير أهدافه ووسائله.. إذن ماذا تبقى لحزب الحركة الشعبية؟ الشيء المنطقي أن تعتبر الحركة الشعبية المسجلة سابقاً كحزب، غير قانونية وتسجيلها لاغيًا.. وإذا أراد أعضاء الحركة في الشمال تكوين حزب جديد.. عليهم التقدم بطلب جديد، ودستور جديد، وقيادة جديدة، لمجلس شؤون الأحزاب.. الذي يقوم بمراجعة دستور الحزب الجديد، وينشره مع قائمة المؤسسين، على الرأي العام السوداني للطعن فيه.. وبعدها يقرر مجلس شؤون الأحزاب في قبول أو رفض الطلب المقدم إليه.
مولانا كيف ترون مستقبل المشورة الشعبية في النيل الأزرق وجنوب كردفان بعد تلك الأحداث؟
بالنسبة للنيل الأزرق فقد قطعت المشورة شوطاً مقدراً، إذ أجريت انتخابات المجلس التشريعي الولائي، وكونت المفوضية البرلمانية من داخل هذا المجلس، واستمع إلى آراء المواطنين، وتبقت إجراءات قليلة منها أخذ آراء النخب، بيد أن الحركة الشعبية سعت لتعطيل هذه المسيرة، بمقاطعة ممثليها في المجلس لنشاط المفوضية، ثم بالتمرد المسلح ونسف الاستقرار والسلام الاجتماعي، وفي رأيي أن الفريق عقار لم يكن سعيداً بنجاح إجراءات المشورة، وأدرك أنها تسير إلى غير ما يريد، لهذا لجأ إلى الحرب ليقطع الطريق أمام ممارسة غالبية المواطنين هناك لحقهم الديمقراطي، بل إنه اعترض على تمديد فترة المشورة، بمبرر متهالك، عندما زعم أنه لم يُستشَر في ذلك. وبعد عودة الأحوال إلى طبيعتها، يعاد تقييم الموقف من حيث تجاوب أعضاء الحركة في المجلس التشريعي واستعدادهم لإكمال المشوار.
أما في جنوب كردفان، فالأمر أكثر تعقيداً.. لأن عبد العزيز الحلو بادر بالتمرد، وأشعل نيران الحرب من جديد.. وحيث إن للحركة الشعبية «21» عضواً من جملة «54» عضواً بالمجلس التشريعي لجنوب كردفان، فقد تعذرت دعوة المجلس للانعقاد. توطئة لتشكيل المفوضية البرلمانية المنوط بها تحسس آراء المواطنين.. إذن نحن نحتاج بعد استتباب الأمن، لبذل المساعي السياسية لعزل عبد العزيز الحلو، وإقناع ممثلي الحركة بالعودة والمشاركة في أعمال المجلس، فإن أصروا على موقفهم، يتعين البحث عن بدائل، لأنه لا يمكن أن تكون جنوب كردفان بلا برلمان، ولا دستور، ولا مشورة شعبية، ولا يمكن رهن مسيرة التنمية وسير السلطات العامة وتحقيق التنمية بأجندة أجنبية ومخططات تآمرية.
عفواً مولانا.. لكن قطاع الشمال يتذرع بأن هناك أحزابًا سودانية.. كحزب البعث العربي.. لها انتماءات خارجية، ورغم ذلك تمارس العمل السياسي بصفة مشروعة؟
هناك اختلاف كبير.. حزب البعث، أو الحزب الناصري، أو حتى الحزب الشيوعي.. كلها أحزاب سودانية شمالية.. ارتباطاتها بالأحزاب الخارجية منحصر في توافق في النظرة العامة وفي بعض المبادئ والتوجهات المشتركة.. لكنها ليست أفرعاً لأحزاب أجنبية.. كما أن كل قياداتها سودانية وموجودة داخل السودان الشمالي.. أضف لذلك أنها لا تحمل تشكيلات مسلحة.. القضية الآن ليست في تبني قطاع الشمال لأيدلوجيات عالمية، لكن الارتباط العضوي العسكري والفكري والسياسي الوثيق، والمؤسسي بالحركة الشعبية الأم في دولة جنوب السودان.
كيف توفقون بين هذه الرؤية، والاتفاق الإطاري الذي وقعه المؤتمر الوطني في أديس أبابا برعاية دولية مع قطاع الشمال، والذي سمح للقطاع بالعمل السياسي بل وبالشراكة مع المؤتمر الوطني؟
اتفاق أديس أبابا.. لم يعد قائماً.. اعترض عليه المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني.. وتراجع عنه.. ويُحمد للدكتور نافع شجاعته الأدبية في الاعتراف بأن الاتفاق لم يكن موفقاً.. والآن هذا الاتفاق تجاوزه الزمن.. وهو بالمناسبة ليس اتفاقاً دولياً ولا معاهدة دولية.. المعاهدات الدولية تكون بين دول ومنظمات دولية.. وهذا الاتفاق بين حركة سياسية محلية مع الحكومة السودنية، أو مع المؤتمر الوطني.. وبالتالي لا يكتسب صفة المعاهدة الدولية.. ووجود شهود على هذا الاتفاق من دول أو أشخاص غير سودانيين كرئيس جنوب إفريقيا السابق أمبيكي.. لا يعطيه الصفة الدولية.. لأن اتفاقية نيفاشا نفسها لم تكن اتفاقية دولية.. رغم أنها مضمونة بواسطة أطراف دولية.. وهي لم تكتسب مشروعيتها لأن لها صفة دولية.. بل اكتسبت هذه المشروعية داخلياً عندما ضمنت في الدستور الانتقالي لسنة 2005م.
بعض القوى المعارضة أثارت شكوكاً حول إعلان الطوارئ ووصفته بأنه غير دستوري، كما ادعى آخرون أن اللجوء للطوارئ فيه تعجل ويفضلون خيار عزل الوالي عبر المجلس التشريعي بدلاً من القرار الرئاسي، كما احتج فريق ثالث بأنه لا يجوز عزل والٍ منتخب بتدابير الطوارئ، ما رأيكم؟
لا أريد أن أتعرض للمنطلقات السياسية والمكايدات بين الحكومة والمعارضة، وأفضل تناول الأمر من وجهة النظر القانونية للجنة.. إعلان حالة الطوارئ إجراء دستوري متعارف عليه في كل النظم الديمقراطية الحديثة في العالم، ومواثيق حقوق الإنسان الدولية تجيز تقييد الحريات الفردية عند حدوث أخطار أو مهددات للأمن القومي، وسلطة إعلان الطوارئ ذُكرت في معظم الدساتير السودانية.. والرئيس يملك بنص الدستور حق إعلان حالة الطوارئ في الظروف الاستثنائية.. ولقد فعل ذلك بموجب حيثيات قوية ومقنعة وهي مواجهة تمرد مكشوف واعتداء على القوات المسلحة، وتهديد لأمن المواطنين وأرواحهم وممتلكاتهم.. والدستور يعطي الرئيس صلاحية تعليق أو حل أي أجهزة ولائية معينة أو منتخبة، ولقد مارس السيد الرئيس سلطاته هذه في حدودها الأدنى، فلم يعزل حتى وزراء الحركة ولم يحل المجلس التشريعي، واقتصر الأمر على عزل والٍ متمرد خرج على الشرعية وشنّ الحرب على الدولة.. كما أن إعلان الطوارئ يشمل فقط ولاية النيل الأزرق، وسوف يُعرض على البرلمان وفق الدستور، كما أن الإعلان لم يعلق أياً من الحقوق الأساسية المستثناة من التجميد حتى في حالة الطوارئ، مثل حق الحياة، والحرمة من التعذيب، والحرمة من الاسترقاق، والحق في المساواة أمام القانون، وكذلك حق التقاضي واللجوء للقضاء في حالة التضرر، وقبل هذا وذاك الحق في المحاكمة العادلة. وفق الضمانات المتعارف عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. أما عن خيار عزل الوالي بواسطة المجلس التشريعي لولاية النيل الأزرق، فهذا الخيار متاح في الظروف العادية، عندما يكون الأمن مستتباً والأحوال مستقرة.. وهو يكون عندما يرى «3/4» أعضاء المجلس أن سياسات الوالي وأداءه لا تحوز على ثقة المجلس.. بيد أن الأمر الآن مختلف.. لأننا لسنا إزاء اختلاف في الرؤى السياسية.. بل في مواجهة حرب وتمرد مسلح يقوده الوالي. ولا سبيل لمعالجة هذه المخاطر باتباع الوسائل العادية.. فالمجلس لا يستطيع أن ينعقد في ظل عمليات عسكرية.. وبعض اعضاء المجلس ضالعون في التمرد.. والأمر لا يحتمل الإرجاء أو التهاون.. ثم إن المشكلة لا تكمن في تباين في الرؤى السياسية.. بل في خروج تام ومكشوف على الشرعية والدستور والقانون.
د. سالم.. هل من كلمة أو رسالة أخيرة؟
كلمتي الأولى هي تحية خاصة أوجهها لأبنائنا وإخواننا في القوات المسلحة.. وهم يتصدون ببسالة، ويقدمون التضحيات الجسام في سبيل الوطن وعزته.. وقلبي عليهم ومسارح العمليات تمتد وتتوسع بفعل التمرد والتآمر.. إن القوات المسلحة كمؤسسة قومية تمثل إحدى ممسكات الوحدة الوطنية وهي محل تقدير من الشعب كله لهذا يجب الالتفاف حولها ودعمها، ولا يجوز في أي وقت أن تكون محل مزايدة سياسية. أما كلمتي الثانية فإشادة بجهود اللجنة القومية لإسناد ولاية النيل الأزرق، التي يقودها البروفيسور الأمين دفع الله، والتي تعمل الآن على تنسيق ومتابعة ودفع عملية دعم الولاية، وتقديم الإغاثة لمواطنيها، وإعادة الخدمات، ولقد أفلحت اللجنة الآن في تنظيم رحلة العودة للنازحين لبيوتهم وقراهم، وواضح أنها استفادت من دروس دارفور المريرة، فلا مجال بعد الآن لمعسكرات النازحين على النمط الدارفوري، التي تكرس الأزمة، وتفتح الباب للتدخلات الأجنبية، وتتحول إلى بؤر للتآمر. ومن الدروس المهمة أيضاً، والتي أفرزتها الأحداث الأخيرة في جنوب كردفان، والنيل الأزرق، عدم التهاون في نزع سلاح المليشيات، وألا تكون هناك كيانات عسكرية خارج إطار المؤسسات النظامية القومية، ولقد أعجبني في هذا الصدد، التصريح الوطني المسؤول الذي أدلى به القيادي بالحزب الشيوعي السوداني المهندس صديق يوسف، للصحف قبل أيام، عندما دعا إلى نزع سلاح قوات الحركة الشعبية في النيل الأزرق وجنوب كردفان، فذلك هو السبيل الوحيد لضمان الاستقرار والأمن في ربوع الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.