خمسائة وواحد وسبعون صوتاً كان هو كسب د. غازي صلاح الدين في المعركة الانتخابية التى جرت في العام «2005» بفارق مائة وواحد وسبعين صوتاً عن منافسه الأستاذ علي عثمان محمد طه، وبالرغم من أن فارق الأصوات ليس قليلا ً نسبياً بالنظر إلى دنيا التنافس الانتخابي إلا أن كثيرين نظروا الى هذه النتيجة بمعيار آخر يتعدى لغة الأرقام وطبيعة المعارك الانتخابية باعتبار أن منافسة الزعماء البارزين خاصة في عالمنا العربي دائماً ما تعتبر مغامرة خطرة لا تحمد عقباها ودائماً ما تنتهى بالهزيمة الساحقة، فضلاً عن أن منافسه الأستاذ علي عثمان يتمتع بالكارزيما واللباقة السياسية والخطابة البارعة، من هنا فإن ما حققه د. غازي مصحوباً بتلك المعطيات يعتبر كسباً سياسياً مقدراً، وبالطبع فلم تكن قدرة د. غازي صلاح الدين على المنافسة نابعة فقط من إسقاطات المناصب التي تولاها حيث كان مستشارًا لرئيس الجمهورية للسلام وقبلها وزيراً للإعلام وأميناً عاماً للمؤتمر الوطني وأخيراً مستشارًا لرئيس الجمهورية بل ربما كانت مشاركته في مذكرة العشرة الشهيرة التى طالبت بالمؤسسية والشورى في ظل زعيم سياسي قابض هو د. الترابي لها تأثير في تلك الفترة إضافة الى القدرات النوعية ل د. غازي من الناحية الفكرية والسياسية ليس كموازٍ لدكتور الترابي بزعامته الكارزمية ولكن كبديل يرتكز على مفاهيم وأدبيات اعتبرها البعض الأقرب الى المرجعية الإسلامية بشفافيتها ووضوحها سيما أن للدكتور غازي رؤية في فلسفة الحكم كان قد حددها في مقال نُشر في صحيفة الشرق الأوسط في اكتوبر 2003 حينما قال «إن المنطلق والمبرر الأساس لحاكمية الإسلام تقوم على ركيزة وإنه حين يحكم فلا بد له أن يحكم بقيم رصينة وعالية» وهي رؤية بالنظر الى إسقاطات نظام الإنقاذ في تلك الفترة تعتبر رؤية إصلاحية لا يمكن النظر إليها في إطار التصريحات الاستهلاكية نظراً لطبيعة وتركيبة د. غازي، كما أنه يعطي أهمية للدعوة والفكر والبعد الإستراتيجي بديلاً للسياسات ذات النفس القصير والصبغة البرجماتية ولهذا فهو لا ينصب نفسه مدافعاً بغوغائية عن تجربة الحركة الإسلامية في الحكم، وفي ندوة «صعود الإسلاميين: دلالاته ومآلاته» في قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم، في يناير الماضي حذر الدكتور غازي صلاح الدين الإسلاميين من التحول إلى أدوات اضطهاد للخصوم، واعتبار الوصول إلى السلطة نهاية المطاف، مشيرًا إلى أنه حري بالحركات الإسلامية أن تقف في الجانب الصحيح من حركة التاريخ في مسألة الديمقراطية وقال: «لن يفيد الإسلام وأتباعه من شيء قدر ما سيفيدون من الحرية. والضمانة الأقوى لبقاء المد الإسلامي هو أن يرسّخ الإسلاميون أنفسهم، بالتعاون مع الآخرين، نظامًا ديمقراطيًا يؤمن بالحرية للناس كلهم ويقيم العدل ويفتح أبواب الخيارات واسعة لكل صاحب فكرة أو مبادرة أو إبداع. فهل سيعي الإسلاميون دروس التاريخ؟ أم أن دورتهم في قيادة شعوبهم ستكون تكرارًا لمسالك الإخفاق التي سلكها كثيرون قبلهم؟» إذن فإن د. غازي ضد الهيمنة الفكرية والسلطوية ويؤمن بسياسة فتح النوافذ وعدم إقصاء الآخر. مرونة مع القوى السياسية يعتبر د. غازي صلاح الدين من أكثر الزعامات البارزة في الإنقاذ التي تنظر الى التيارات السياسية الأخرى برؤية إستراتيجية مرنة تتجاوز العصبية السياسية الضيقة ذلك لأنه لا يتعامل مثل الآخرين الذين ينظرون إلى تلك القوى باعتبارها منافساً ينبغي محاربته والانتقاص منه بشتى صور الاختراق والتشظي وأحسب أنه يرى أن تماسك هذه التيارات فيه تقوية للوحدة الوطنية ومدعاة للاستقرار والتداول السلمي للسلطة ولعل هذه المرونة هي التي دعته للتوسط لإطلاق سراح الشيخ. محمد عبد الكريم من المعتقل في عام 2006.. مرجعية الحكم ولأن د. غازي ميال لسيادة القيم الإسلامية وتأصيل الممارسة السياسية فهو يرى أن الحركة الإسلامية هي المرجعية للحزب والدولة وذلك عبر الورقة التي قدمها في المؤتمر السادس للحركة الإسلامية في أبريل 2006 ولعل ذلك هو الذي جعل د. غازي ينال ثقة الكثيرين في الحركة الإسلامية، ويقول د. الطيب زين العابدين في حديث سابق «إن هؤلاء الأعضاء كانوا يريدون أن يتولى د. غازي منصب الأمين العام للحركة حتى يعطى الحيوية الى الدور الذي ينبغي أن تلعبه الحركة كقائد وموجه في الحكم» قائد ميداني وفي العام 1976 كان الشاب غازي صلاح الدين أحد القادة الميدانيين البارزين في الحركة الإسلامية في المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد النظام المايوي آنذاك مما يعني أن د. غازي الذي حمل البندقية للدفاع عن المبادئ التى يؤمن بها هو من الذين يوائمون بين القول والعمل. بين الفكر والسياسة عندما كان د. غازي يتولى رئاسة وفد الحكومة في الجولات المارثونية التفاوضية مع الحركة الشعبية كان آنذاك مستشاراً لرئيس الجمهورية للسلام بيد أن الأستاذ علي عثمان حل محله وقاد الجولة التفاوضية التي أفضت الى اتفاقية نيفاشا وبعدها انزوى د. غازي الى حدٍ ما ثم استقال من منصبه أو ربما أُعفي لكنه تحت ضغط الكثريين من رجال الإنقاذ عاد مجدداً الى القصر مستشاراً وهو أمر رأى بعض المراقبين أنه ربما أثر مستقبلاً في مدى رصيده الجماهيري والتنظيمي داخل الحركة والذي حققه عندما كان حراً بعيداً عن المنصب الرسمي، أخيراً هل يحسم د. غازي صراع الفكر والسلطة بتناقضاته وتلاقيه منحازاً الى مرجعيته الفكرية أم أنه سيتوه في دهاليز الميري السياسي أستنساخاً لمرجعيات وسياسات هنا وهناك قد لا تتفق بالضرورة مع أقوال ومفاهيم نادى بها طويلاً من قبل؟