الحركة الإسلامية الآن هي حديث الساعة.. وهي الخبر الرئيس وهي مادة اللقاءات الصحفية.. والتصريحات.. والاستنطاقات وكل واحد يدلي بدلوه.. وكل واحد يقترح على الحركة طريقاً إلى النجاة والنجاح.. حتى العلمانيون وأعداء الحركة الإسلامية .. وأعداء الإسلام أصبحت الحركة الإسلامية هاجساً يومياً لهم.. فإن لم يكن الحديث عن الحركة الإسلامية السودانية.. وهي التي عنيناها في مطلع هذه الأسطر، فربما كان عن الحركة الإسلامية العالمية أو الافغانية وعن اختراق أمريكا للإسلاميين في أمريكا وفي أفغانستان.. وتطويع قيادات مسلمة وأخرى شرق أوسطية لذهب أمريكا أو دولار الCIA الأخ دكتور غازي صلاح الدين يتحدث بالصوت العالي والجهير عن اختبارات القوة والأخلاق في الحركة الإسلامية السودانية ويؤذن في الإسلاميين: أيها الإسلاميون بين يدي مؤتمركم حرروا أنفسكم.. تتحرر جماعتكم.. وهذا شبيه بالنداء الذي أطلقه الآباء الأوائل للحركة الإسلامية.. أقيموا دولة الإسلام في صدوركم تقم في أرضكم.. والأخ دكتور غازي ينتقد بوضوح شديد ما فعله مجلس تنسيق ولاية الخرطوم من الوصاية على مجلس الشورى من دون سند في النظام الأساسي أو من الأخلاق. والأخ دكتور غازي يتحدث عن وثيقة الدستور التي ستقدَّم للمؤتمر الثامن ويثني على الذين انتُدبوا لإعدادها ولكنه يُذكر بمقولة السلف الصالح نحن نعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال.. وأقول للأخ د. غازي صلاح الدين إن الحديث عن القوة والأخلاق والحديث عن اعتبار الشورى عبادة عندما يحين وقت الشورى وتتحقق الحاجة إليها.. وكذلك الحديث عن معرفة الرجال بالحق لا الحق بالرجال.. أقول للأخ دكتور غازي.. ولا أريده أن يعتبر ذلك رداً عليه أو موقفاً شخصياً منه أقول له إن وقت هذا الكلام كان قل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة. فقد ظلت الحركة الإسلامية في حالة انكسار وانبطاح أمام المؤتمر الوطني وأمام العلمانيين داخل المؤتمر وخارجه.. بل ظلت في حالة انكسار وانبطاح أمام أمينها العام الأسبق حسن عبد الله الترابي حيث كان هو لا يقبل المراجعة ولا المناصحة وحتى عندما جاءت مذكرة العشرة وأطاحت بالأمين العام وحدثت المفاصلة فإن الحركة الإسلامية لم تستطع أن تنعتق من قبضة الشيخ.. فكل شيء بقي كما أراده.. ورآه الأمين العام. ومثال واحد من عشرات الأمثلة.. الدستور العلماني الذي وضعه الشيخ وتبرأت إلى الله منه لجنته برئاسة مولانا خلف الله الرشيد وعضوية دفع الله الرضي وآخرين.. رغم تعديله الأخير فلا يزال هو الدستور الحاكم بما فيه من علمانية حتى المواطنة وشروط الولاية الكبرى و«إن كانت قطرية» ظلت كما هي إلى يومنا هذا.. والأخلاق التي يطالب بها الأخ غازي صلاح الدين حفظه الله وأبقاه كان آخر مظاهر انهيارها وانحسارها في صفوف وهياكل الحركة الإسلامية هو مؤامرة مجلس التنسيق التي ذكرها الأخ د. غادي.. والغريب أن المؤامرة مرت رغم أنها انكشفت ورغم أن الأخ المشرف حكم ببطلانها لأن الأغلبية المكانيكية المصطفة خلف الأمين ونائبه لها رأي آخر في الأخلاق. أخي د. غادي.. واهًا لأمثالك.. ألا تعلم أن الوقت لا يكفي ولا يسعف الإخوان لتحرير أنفسهم وأنا أكتب هذا العمود وأسمع في التلفاز إعلاناً عن قيام المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية يوم الثالث من ديسمبر 2012 أي بعد حوالى عشرين يوماً.. إن عشرين يوماً قد تكون كافية لإحداث انقلاب من رجل واحد ولكنها لا تكفي لإحداثه في جماعة.. خاصة وإن السوس ظل ينخر في عظامها طيلة ربع قرن من الزمان. أخي دكتور غازي. نحن في حاجة إلى معجزة وإلى خارقة، والمعجزة والخارقة ليست كثيرة ولا مستحيلة على الله.. فسيدنا عمر بن عبد العزيز.. كان معجزة وكان خارقة.. لأنه كان من بني أمية ولكنه كان مدخراً من عند الله سبحانه وتعالى لمثل هذا اليوم ولمثل هذا الدور حتى أصبح في غالب أمره يعد خامس الخلفاء الراشدين بأكثر مما يعد من خلفاء بني أمية. فهل تستطيع الحركة الإسلامية أن تأتي من صفوفها بأمين عام يستطيع أن يفعل بها ما فعله عمر بن عبد العزيز بخلافة بني أمية.. قطعًا لا!! ولا أظنك تطلب مني إيضاحاً لأنك لو فعلت لظلمت نفسك وظلمتني وظلمت بني أمية!! بل وأخطر من ذلك لظلمت عمر بن عبد العزيز.. الأخ صلاح أبو النجا حفظه الله ورعاه يستنكر مطالبة الإخوان بأن يكونوا أعضاء في المؤتمر الوطني حتى يتسنى لهم الاستمتاع بعضوية الحركة الإسلامية.. ويؤكد أنه غادر صفوف الحركة الإسلامية لأنه لا يستطيع أن يلتزم بهذا الشرط!!. وكثيرون غيره فعلوا ذات الشيء.. وآخرون ظلوا مستمسكين بعضويتهم مثلي ولم يتقدموا باستقالات.. ولكن الحركة هي التي غادرتهم بتجاهلهم وتخطيهم وإخفاء النشاطات عنهم.. والأخ صلاح أبو النجا يريد من الحركة أن تكون حركة دعوية وألا تشتغل بالسياسة وأن تكون سنداً للحكومة وللمؤتمر الوطني وأن تعمل في إحياء القيم والتربية وأن تستقل استقلالية كاملة عن المؤتمر الوطني.. وألا تشغل نفسها بالسياسة. وأنا أحسب أن هذا المقترح كان سيكون مناسباً ومقنعاً لو أن المؤتمر الوطني كان قد نشأ نشأة مستقلة عن الحركة الإسلامية ولم تكن هي أمه التي أنجبته وأرضعته وسهرت عليه حتى شبَّ عن الطوق وبلغ مبلغ الرجال والحكام.. وهب أن الأمر استقام في تفكير بعض الناس أو أخذ به المؤتمر العام الثامن القادم بعد أيام فهناك سؤال مهم من هو المؤتمر الوطني.. ومن هي الحركة الإسلامية!! من هو الذي يستقل عن المؤتمر الوطني؟ هل تخرج كل عضوية الحركة الإسلامية وتستقيل من المؤتمر الوطني وتنشئ كياناً جديداً اسمه الحركة الإسلامية.. وتخرج كل قياداتها ابتداءً من البشير وعلي عثمان ونافع وعوض الجاز وكل من شغل منصباً دستورياً في الإنقاذ باعتباره عضواً في المؤتمر الوطني أو شغل منصباً تنفيذياً أو أي منصب قيادي آخر.. هل يستقيل كل هؤلاء من مناصبهم ليتفرغوا للدعوة؟؟ ومن إذن سيبقى في المؤتمر الوطني ليدير دفة الحكم؟ وهل بقي من الإسلام شيء إذا خرج كل هؤلاء من الحكم؟ أم يا ترى يخرج من المؤتمر أمثالك وأمثالي وأمثال د. غازي وحسن رزق والصافي جعفر وحتى عثمان الهادي وعبد القادر محمد زين وآخرين يجلسون على الرصيف لتتحقق الاستقلالية الكاملة للحركة الإسلامية ولتحرر من سلطان المؤتمر الوطني وكيف يخرج هؤلاء ويظل الدستوريون في أماكنهم في الدولة وفي المؤتمر.. أعتقد أن الذي دفع الأخ صلاح أبو النجا لمثل هذا هو كراهيته لما يجري في أروقة الحكم من أمور لا ترضي أحداً ولا تنجو الحركة الإسلامية من المؤاخذة ومن أصابع الاتهام بسبب هذه الأمور! إن الحل الأفضل يا أخي صلاح هو أن يصدر المؤتمر الثامن قراراً بحل المؤتمر الوطني وقراراً آخر بإحالة كل قيادات الدولة والحركة والمؤتمر إلى التقاعد وأن ينفذ ذلك تدريجياً وعلى مراحل.. وأن يبدأ في تصحيح المسار وتصحيح الأخطاء وضخ الدماء في شرايين الدولة والحركة.. ولكن هذه أضغاث أحلام.. وبرق خلب.. وتهاويم وتخاريف. وربيع الإسلام في السودان لمّا يحن وقته بعد. والأستاذ فهمي هويدي في سياق مقارب لهذا يتحدث عما يجري في مصر ويقول إنه يخاف على الشريعة من أنصارها قبل خصومها. وأنا أقول وقد ذكرت هذا من قبل إن أخوف ما نخافه على الإخوة في مصر هو تطبيق النموذج السوداني في التعامل مع الحكم ومع الشريعة. إن المصطلح المفتاحي في هذا السياق هو الدغمسة.. والدغمسة ليست ابتكاراً عمريًا بشيريًا قضارفيًا.. ولكنه ترابي بدأ بجبهة الميثاق الإسلامي ثم مروراً بالجبهة الإسلامية القومية وانتهاءً بالمؤتمر الوطني.. يتبع { من فرح ودتكتوك.. إلى كمال رأى أحد السفهاء الشيخ فرح ودتكتوك وهو ينظر إلى ملابسه الجديدة المرة بعد المرة فظنه معجباً وفرحاً بها. فقال لصاحبه: ألم يقولوا إن الشيخ لا يغضب قط؟ لأُغضبنّه اليوم. قال صاحبه: كيف؟ قال: سوف ترى. وذهب السفيه إلى الشيخ ووقف على رأسه وبال فوق الملابس الجديدة. فهبَّ الشيخ واقفاً وقال للسفيه وهو ينفض عنه قطرات البول: الله يفتح عليك يا ولدي، الله يبارك فيك، الله يريحك زي ما ريحتني. قال السفيه في حيرة ودهشة: ريحتك؟ كيف! قال الشيخ: والله يا ولدي كنت شاكًا في طهارة الملابس الجديدة دي. وهل تجوز فيها الصلاة أم لا.. الله يبارك فيك يا ولدي ريّحتني.