انتهى المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية السودانية، حيث ضم المؤتمر أربعة آلاف عضو تم اعتمادهم بعد عشرات بل مئات من المؤتمرات القاعدية والقطاعية في ولايات السودان المختلفة، فهم حصيلة اختيارات وانتخابات وممارسات شورية و «ديمقراطية» امتدت لفترات طويلة إلى أن التأم المؤتمر وسارت أعماله كما شاهد الناس جميعاً عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة وشهد عدد مقدر من قادة الحركات الإسلامية في العالم، وشهده كذلك وفي ذات الوقت الأحزاب السياسية السودانية المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية وقادة الربيع العربي ونفر مقدر من مسلمي إفريقيا وآسيا وأوروبا. والمؤتمر الثامن جاء بعد مسيرة طويلة من العمل المضني والجهاد في سبيل إعلاء راية الإسلام في بلادنا.. جاء هذه المرة ليعلن الناس كافة أن الدعوة إلى الله وإنفاذ أوامر المولى لم تعد سرية.. ولا ينبغي بعد أن شبَّت عن الطوق ولحق الأبناء بالآباء وطهرت ثمرة البناء أن تكون هناك سرية على الخلق ... فالدعوة عندما بدأت لأول مرة في مكةالمكرمة بدأت سرية.. وإزاء الاستقبال العنيف لقريش لها هاجر المسلمون الأوائل عبر البحر الأحمر إلى أرض السودان التي كانت تعرف آنذاك بأرض الحبشة كما أثبتت الدراسات التاريخية ذلك.. وانتشر في هذه البلاد التي تدين بغير الإسلام.. ثم أمر المولى عز وجل رسوله الكريم بأن يعلنها عالية ومدوية وقوية في وجه الأعداء... فكان أمر الله تعالى نافذاً. والحركة الإسلامية السودانية بدأت صغيرة غضة وعلى أيدي نفر قليل من شباب بلادنا المثقفين.. ونمت وترعرعت عبر حقب من الزمان ومن خلال معاناة وحرب وفقر وسجون واغتيالات ومطاردات وهذا تاريخ معلوم وتعرضنا له عرضاً ... شبَّت ونمت من خلال مجاهدات القيادات الشابة والشائبة التي نراها أمامنا في قيادة الحركة.. وقادوها دون كلل أو ملل.. حملوا عبأها وتحملوا نتائج ذلك وضربوا الأمثال وقدموا القدوة الحسنة، وقد حان الوقت لتداول القيادة وتقنين عمل الحركة وفق محددات وشروط وقبول بذلك من الجميع.. وقد جاء ذلك بوضوح شديد من خلال كلمات بعض القيادات التي حاولت كبح نفس وحماس.. فهي مسؤولية عظيمة ولا يدركها إلا من اكتوى بنيرانها التي تحرق الأعصاب وتجلب الأعراض والأمراض وتودي بالحياة هكذا.. فالقيادة تحتاج إلى مساحات كبيرة من الصبر والتحمل والتجمل من الأصدقاء ومن الأعداء من الأقرباء والبعيدين.. من الداخل ومن الخارج والقيادة امتحان معقد فيه فيزياء وكيمياء ورياضيات ولوغريثمات وفيه جبر وهندسة.. فيه جغرافيا وتاريخ وفيه فقه ونحو وصرف ومنطق فيه المعلقات وفيه إنشاء وإملاء.. القيادة نار يكتوي بها القائد ونهايتها «كوم تراب». إذن فإن تجربة الحركة الإسلامية وفي ظل استقطاب غربي حاد.. وحصار سياسي واقتصادي وعقوبات دولية ومخططات صهيونية جديرة بالدراسة والتقويم .. وجديرة بأن تنتهج أحزابنا السياسية«وهي أحزاب دينية» أساسها الإسلام بذات النهج .. فالختمية حزبها الاتحادي الديمقراطي.. والأنصار حزبهم الأمة.. وهي واجهات سياسية لفرق إسلامية.. عليها أن تلتزم في مؤتمراتها الشورى والديمقراطية والانتخاب المباشر العلني في اختيار القيادات واعتماد المناهج، فالسودان وطن للجميع والكل عليه واجبات المواطنة وحقوقها فلا احتكار للسلطة في أيٍّ من مستوياتها .. فالذي لا يمارسها داخل كيانه الخاص لا يستطيع أن يمارسها في السودان الفسيح.