دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار شامل مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان:
نشر في الانتباهة يوم 18 - 11 - 2012

قال السيد رجب طيب أردوغان إن العدوان الإسرائيلي على غزة فرض نفسه على جدول أعمال زيارته للقاهرة «اليوم وغدًا» لا سيما أن هدف الزيارة هو فتح صفحة جديدة من التعاون الإستراتيجي واسع النطاق مع البلدين الكبيرين في المنطقة.. وشدَّد في هذا الصدد على أمرين أولهما أن تركيا تريد للثورة المصرية أن تنجح ولمصر أن تنهض لكي تستعيد عافيتها ودورها، لأن تعاون البلدين هو مفتاح النهوض والاستقرار في الشرق الأوسط. الأمر الثاني أن تركيا تتطلع إلى تعاون وثيق ليس مع السلطة السياسية في مصر فقط، ولكن أيضًا مع مختلف القوى والفاعليات السياسية، وليس صحيحًا ما يُشاع عن أنها معنية بالتفاعل مع فصيل دون آخر.
كان اللقاء في مكتبه بمقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة، في ختام يوم حافل بالاجتماعات واللقاءات، ترك أثره على حالة الإنهاك التي بدا عليها، من لقاءات النهار السابقة. كنتُ أعرف مساعديه الذين التفُّوا حوله، لكنه قدم لي فتاة نحيفة محجبة قائلاً إنها سمية أردوغان، نظرت إليه فقال إنها ابنته التي انضمت إلى مستشاريه «علمت لاحقًا أن عمرها 29 سنة وأنها درست العلوم السياسية في الولايات المتحدة والاقتصاد في إنجلترا وتعلمت العربية في الأردن».. كان الجو غائمًا وباردًا في أنقرة، إلا أن أصوات المتظاهرين الغاضبين الذين خرجوا إلى شوارع اسطنبول احتجاجًا على العدوان الإسرائيلي على غزة كانت مسموعة بقوة في مقر الحكومة والحزب.. أثناء اللقاء كان مستشار أردوغان للشؤون العربية قد انتحى مقعدًا جانبيًا ووضع جهاز «الآي باد» على ساقيه. ومن خلاله كان ينقل إلى مسامع الرئيس أخبار غزة أولاً بأول.. لاحظت أن أردوغان كانت أذنه في غزة والأذن الثانية تستمع إليَّ. كنتُ قد أرسلت مسبقًا إلى سكرتيره الصحفي قائمة بعناوين خمسة موضوعات أردت أن أحدثه فيها. الآن أستحي أن أقول إن العنوان الفلسطيني لم يكن أولها وإن كان واحدًا منها. أغلب الظن لأن أحداث المنطقة العربية وضعت الربيع العربي في المقدمة، وصار العنوان الفلسطيني تلقائيًا عنوانًا ثانيًا أو ثالثًا «البعض انتهز الفرصة وشطب عليه». شكرًا لنتنياهو الذي ذكَّرنا بأن فلسطين يجب أن تظل عنوانًا أول.
رفضنا إعادة العلاقات
قلت للسيد أردوغان: ما رأيك فيما يحدث في غزة؟
قال: نحن نتابع ما يجري ولا نستطيع أن نسكت عليه. فإسرائيل مصرة على ممارسة إرهابها بحق الفلسطينيين، غير مبالية بما يجري في العالم وما تُقضي به القوانين والأعراف الدولية.. وقد اعتادت أن تتلقى الانتقادات والإدانات وقرارات المنظمات الدولية، ثم تدير ظهرها لها وتمضي في مخططاتها.. رافضة أي حل سلمى وعادل.. ما نملكه الآن هو أن نجري الاتصالات والمشاورات لمحاولة إيقاف ذلك العبث. فالخارجية التركية تتابع وتحلل المعلومات، ومن جانبي سأقوم بالاتصال مع الأمين العام للأمم المتحدة وسكرتير حلف الناتو وأمين الجامعة العربية. وسأحاول الاتصال مع الرئيس باراك أوباما. ومن الطبيعي أن أجري اتصالاً مع بعض القادة العرب في مقدمتهم الرئيس محمد مرسي «تم الاتصال مساء يوم الخميس». وسيكون الموضوع محل تشاور في القاهرة بطبيعة الحال.
حين سألتُه عمّا إذا كان لديه أفكار محددة، كأن يطرح فكرة الذهاب إلى غزة للتضامن معها أثناء زيارة القاهرة. قال إن الموضوع لم يكن مدرجًا ضمن جدول أعمال هذه الزيارة، نظرًا لضيق الوقت، فضلاً عن أنه يحتاج إلى تشاور وتنسيق مع القيادة المصرية، وفي اللحظة الراهنة فإنه من المبكر اتخاذ قرار فيما يتعين عمله بعد الذي جرى «كان اللقاء مساء يوم الأربعاء، بعد ساعات من العدوان على غزة».
قلت: إذا ظل رد الفعل مقصورًا على الشجب والإدانة فإن إسرائيل لن تكترث به.
قال: هذا صحيح. لذلك يتعين التفكير في إجراء أكثر فاعلية. ومن جانبنا فقد قطعنا العلاقات مع إسرائيل احتجاجًا على سياستها وعلى عدوانها على السفينة التركية مرمرة في المياه الدولية، وقتلها تسعة من ركاب السفينة الإغاثية التي كانت متجهة إلى غزة، ومازلنا نرفض الوساطات التي تدعونا إلى استئناف العلاقات، مادامت إسرائيل لم تستجب لمطالبنا بخصوص الاعتداء على السفينة التركية.
أضاف أن إسرائيل تخسر الكثير بسبب سياسة العدوان والتعالي التي تتبعها. فقد خسرت بلدًا صديقًا مثل تركيا. والتأييد الدولي لها يتراجع. ثم إنها غير منتبهة إلى إمكانية تعرض اليهود خارجها إلى ردود أفعال سلبية، من جراء استمرارها في سياساتها الوحشية بحق الفلسطينيين، وهي غير مدركة لحقيقة أن التأييد الأمريكي لها لن يستمر إلى الأبد. وتبريراتها الساذجة والمضحكة لما تمارسه من عدوان وإرهاب لن تنطلي على الضمير الإنساني طول الوقت. ذلك أن الإنسانية ستضع حدًا لذلك يومًا ما، كما أن الظلم لا يمكن أن يستمر.
نظر أردوغان إلى مستشاره للشؤون العربية سفر توران الذي زوَّده بآخر أرقام القتلى والجرحى.. وعدد الطائرات المغيرة على القطاع «علمت لاحقًا أنه ظل يتابع الموقف أثناء عودته بالسيارة إلى بيته بإحدى بنايات أنقرة، وكانت ابنته سمية تتلقى الأخبار وتنقلها إليه أولاً بأول». وحين التفت إليّ قلت إن ثمة قائمة طويلة من الأسئلة الأخرى تتعلق بزيارته لمصر، والملف السوري، والربيع العربي، والأوضاع في تركيا.
نظر إليّ بعينيه المجهدتين وهزَّ رأسه موافقًا، فعرضتُ عليه أسئلتي عن مصر.
زيارة للتحالف الإستراتيجي
قلت إنه زار مصر في شهر سبتمبر من العام الماضي. فما الهدف من الزيارة الثانية؟ وما المتوقع من التعاون بين البلدين؟ وهل يُفهم من التقارب التركي المصري أن هناك اتجاهًا لإقامة محور سني في مواجهة إيران التي تقود ما تصفه الصحف الأمريكية بالمحور الشيعي؟ «الذي يضم إلى جانبها سوريا وحزب الله والعراق». وسألته أيضًا عن دعوته إلى العلمانية التي تحدث عنها في زيارته السابقة لمصر، وأثارت لغطًا كبيرًا آنذاك؟
فى إجابته قال ما يلي:
إنه من الناحية الإستراتيجية فإن التعاون بين البلدين الكبيرين «مصر وتركيا» لا غنى عنه للنهوض بالشرق الأوسط واستقراره، وهذا تقدير مستقر لدينا منذ زمن ليس قصيرًا. وحين قامت ثورة «25» يناير فإننا وجدنا أن الطريق بات مفتوحًا.. وأن مصر أصبحت جاهزة للقيام بذلك الدور، وعلينا أن نمد إليها يد العون لكي تتعافى وتستعيد ما فقدته خلال الفترة الماضية، ليس لأجل مصر ولا العالم العربي، ولكن من أجل مستقبل الشرق الأوسط كله. وكان ولايزال قرارنا الإستراتيجي هو ضرورة أن تنجح مصر الثورة. وهو ما سعينا إليه طوال العشرين شهرًا الماضية، حيث كنا حاضرين في ساحتها قدر الإمكان. وعبَّرنا عن رغبتنا في توسيع نطاق التعاون معها بغير حدود.
إن الكلام عن محور سني ضد الشيعي ليس واردًا ولا محل له، علمًا بأن تركيا ضد أي تحالفات على أسس دينية أو مذهبية أو عرقية. وهي دائمًا مع التعاون من منظور نهضوي وإنساني.
إن هناك من يتصور أو يسعى للربط بين المساعي التركية وبين تركيبة الوضع الداخلي في مصر، بحيث يحصر تلك الجهود في قوى بذاتها دون أخرى. وذلك انطباع مغلوط يتعارض مع رؤيتنا الإستراتيجية. فنحن مع مصر الدولة والمجتمع بالدرجة الأولى. ونريد للنجاح الذي نبتغيه أن يكون لصالح البلد كله كما هو لصالح المنطقة بأسرها. ولأننا مع الثورة التي سعت لإقامة النظام الديمقراطي في مصر، فأيدينا ممددوة لكل من تأتي به الديمقراطية إلى السلطة.
قال إن الزيارة الأولى لمصر كانت للتهنئة باختيار الرئيس الجديد وإجراء الانتخابات الديمقراطية. أما هذه الزيارة الثانية فالهدف منها هو الانطلاق في العمل مع النظام الجديد من خلال تفاهم حول شراكة إستراتيجية بين البلدين يديرها مجلس وزاري يضم «12» وزيرًا من كل بلد تحت قيادة رئيس الوزراء. وهذا المجلس الوزاري يضم الوزراء الذين يمثلون أهم القطاعات التي سيتم التعاون بين البلدين فيها. وهي بالدرجة الأولى قطاعات الاقتصاد والصناعة والسياحة والدفاع. وهذا الموضوع ظل محل تشاور بين البلدين طوال الأشهر الماضية. لذلك فإن المجلس سوف يشكل أثناء الزيارة، وسيعقد أول اجتماع له على الفور، والدراسات والمشاورات السابقة أعدت الاتفاقات التي سيتم توقيعها بين البلدين. وستتحدد في ضوئها مسؤولية كل وزارة، وسيتابع المجلس الوزاري خطوات التنفيذ أولاً بأول.
التعاون في المجالات الاقتصادية والإنتاجية مفهوم. وثمة علاقات إيجابية بين رجال الأعمال المصريين والأتراك. وفيما يتعلق بالسياحة فإن تنشيطًا حقق تقدمًا خلال الأشهر الأخيرة، خصوصًا بعدما نظمت الخطوط الجوية التركية رحلات مباشرة مع المدن الساحلية على البحر الأحمر. أما في مجال الدفاع، فالمفهوم أن ثمة تعاونًا عسكريًا بين البلدين. لكننا بصدد تنشيط الصناعات العسكرية الدفاعية. إضافة إلى ما هو متوافر في مصر من تلك الصناعات، فإن لدى تركيا صناعات مماثلة متقدمة، بمقتضاها استطعنا إنتاج وتصنيع العربات المدرعة والطائرات بلا طيار إضافة إلى المروحيات والسفن الحربية. وإذا ما تحقق ذلك التعاون فبوسع البلدين أن يدخلا إلى مجال تصدير السلاح.
حين ألقيت عليه سؤالي عن العلمانية التي أثارها في حديثه أثناء زيارته السابقة، قلت إن الرئيس بشار الأسد قال في حديث أخير له إن سوريا أصبحت الدولة العلمانية الوحيدة في العالم العربي، الأمر الذي يضعنا أمام نموذجين للعلمانية: واحد استبدادي وقمعي في سوريا، والثاني ديمقراطي ومتسامح في تركيا، وهو ما يستدعي التساؤل عن أيهما العلمانية الحقيقية. قلت أيضًا: إن تركيا ذاتها كانت في السابق تحكم بنظام علماني مستبد ونافر من الدين لكن حزب العدالة والتنمية نقله إلى نظام علماني ديمقراطي متصالح مع الدين، الأمر الذي يستدعي نفس السؤال؟
في رده قال أردوغان إن العلمانية كما يفهمها حزبنا ترتكز على قاعدتين هما الديمقراطية والحياد إزاء كل الأديان.. وأضاف أن هناك تطبيقات مختلفة للعلمانية حتى في العالم الغربى فهي في إنجلترا وأمريكا غيرها في فرنسا وألمانيا خصوصًا في موقفها من الأديان.
استغرقت مناقشة هذه النقطة بعض الوقت وقد وافقني أردوغان في نهايته على أن العلمانية ليست شيئًا واحدًا ولكنها في النموذج التركي الراهن تنحاز إلى القاعدتين السابقتين، ولا بأس من تسميتها علمانية تركية تمييزًا لها عن غيرها.
حدود حلف الناتو مع سوريا
في إجابته عن أسئلتي حول سوريا ذكر ما يلي:
إن نظام دمشق لم يستجب إلى النصائح التركية بخصوص الاستجابة لمطالب الشعب، حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه الآن. وبعد تدهور الموقف فإن دمشق ما برحت تتحرش بتركيا عن طريق قصف بعض المناطق القريبة من الحدود، الأمر الذي أوقع قتلى وجرحى بين المواطنين الأكراد. وتحاول تركيا في الوقت الراهن أن تتعامل مع هذه التحرشات بأقصى درجات ضبط النفس، لكن صبرها له حدود.
إنه يتمنى ويسعى جاهدًا لئلاّ يصل الأمر إلى حد المواجهة العسكرية مع النظام السوري، ويرجو ألا يحاول النظام هناك أن يختبر القدرة العسكرية التركية. ويذكِّر قيادته بأن الأمر من هذه الزاوية أخطر وأعقد مما يظنون، لأن حدود تركيا التي يتحرشون بها هي حدود حلف الأطلنطي أيضًا.
إن ما بين الأتراك والسوريين ليس علاقة جوار فقط، لكنه علاقات قرابة ونسب ومصاهرات أيضًا. فالأكراد والعلويون والتركمان يعيشون على الجانبين. وللأسف فإن النظام السوري يحاول أن يعبث بهذه العلاقات ويوظفها لصالحه. وقد رصدت الأجهزة الأمنية التركية اتصالات سورية مع عناصر من حزب العمال الكردستاني لمحاولة تصدير التوتر إلى تركيا، ولكن هذه الاتصالات تمت مع عناصر محدودة للغاية وغير مؤثرة، فضلاً عن أنها لاتزال تحت السيطرة من قبل تلك الأجهزة.
والجهد الذي بُذل مع بعض العناصر الكردية تم أيضًا مع عدد من العلويين في المنطقة الحدودية، لكن ذلك كله ليس له علاقة بالمحيط العام للطائفتين. من ثم فالكلام عن نقل التوتر الطائفي إلى داخل تركيا أبعد ما يكون عن الصحة، وهو من خيالات المروجين له وليس له صلة بالواقع.
هناك مبالغات كثيرة في تصوير خرائط المنطقة في حالة سقوط النظام السوري. ولذلك فمثل تلك الأقاويل ينبغي أن يتم التعامل معها بحذر.. ومن وجهة النظر التركية فإنه حتى الحديث عن الانفصال «العلوي أو الكردي» ومن ثم تمزق الدولة السورية مستبعد إلى حد كبير. وفي كل الأحوال فإننا سنترك المستقبل لقرار الشعب السوري، علمًا بأن تركيا ستحافظ على وحدة التراب السوري. لأن استقرار جيرانها جزء من الدفع عن أمنها القومي.
صحيح أن الموضوع السوري حمّل تركيا بعض الأعباء الاقتصادية فضلاً عن الإنسانية إلا أننا في مساندة انتفاضة الشعب السوري انطلقنا من موقف مبدئي شديد الحرص على احترام إرادة السوريين، وفي هذه الحالة لا بد أن يكون هناك ثمن للالتزام المبدئي والأخلاقي. وكان علينا بدورنا أن ندفع ذلك الثمن الذي تحملناه من جراء نزوح «115» ألف لاجئ سوري إلى بلادنا. غير أن أكثر من «60» ألفًا آخرين انتقلوا للإقامة في أنحاء تركيا.
إن الأزمة السورية ألقت بظلالها بدرجات متفاوتة على علاقات تركيا بكل من العراق وإيران وروسيا. لكن التأثير يظل محدودًا الأمر الذي سمح لأنقرة بأن تحتفظ بحد من العلاقات الطبية مع موسكو وطهران، وإن ظلت علاقاتها مع حكومة شمال العراق أفضل من علاقاتها بحكومة بغداد.
ضد العثمانية الجديدة
في الرد على أسئلة العالم العربي وربيعه؟ أجاب رئيس الوزراء التركي بما يلي:
العالم العربي جزء من المحيط الإستراتيجي لتركيا، وسكانه أهلنا الذين تربطنا بهم وشائج قوية وعميقة، لا يمكن أن تنقطع ولا يمكن أن تضعف.
الربيع العربي يشكل منعطفًا مهما في تاريخ المنطقة، يعيد إليها الحيوية ويفتح أبواب الأمل للنهوض بدولها. ذلك أن إقامة الديمقراطية في الدول العربية هي بداية الطريق لانطلاقها نحو المستقبل الأفضل.
أيًا كانت العثرات التي تواجه بعض دول الربيع العربي فإنها تظل من قبيل الهزات والتوترات التي تمر بها الأوطان في فترات الانتقال. ولأن تركيا عاشت زمنًا طويلاً في ظل أوضاع قلقة وغير مستقرة، فإننا نعتبر ما يحدث في العالم العربي أفضل بكثير مما مررنا به في تركيا. التي انتقلت إلى الحكم الديمقراطي بعد أن دفعت أثمانًا باهظة لقاء ذلك. لذلك لا ينبغي أن تكون القلاقل الحاصلة في بعض الأفكار سببًا للقنوط أو اليأس. لأنها أعراض طبيعية تسبق تحقيق الاستقرار المنشود.
لا أحب مصطلح العثمانية الجديدة، الذي صار من التاريخ المنقضي ويُساء فهمه وتأويله ويُستخدم استخدامات سلبية تضر بعلاقاتنا مع إخوتنا العرب. فنحن نتعامل مع العالم العربي باعتبارنا أشقاء وأندادًا، وليس من منطلق تاريخي بأي معيار. وهدفنا ليس فقط أن نتعاون مع أشقائنا، ولكننا نريد أن نحقق المصالح المتبادلة لشعوبنا جميعها.
ليس دقيقًا القول بأن الربيع العربي أضر بمصالح تركيا وعلاقاتها. وحتى إذا كانت هناك بعض الأضرار الاقتصادية التي حدثت خصوصًا بعد الأزمة السورية، فإن ذلك لا يقارن بالمكسب الهائل الذي تحقق بفضل يقظة الشعوب العربية وانحيازها إلى الحرية والديمقراطية.
للأسف فإن الجامعة العربية لم تستطع أن تقوم بدور فاعل في حل الأزمة السورية، وهو الحاصل أيضًا بالنسبة لمجلس الأمن والمجتمع الدولي، لكننا لانزال نراهن على وعي الشعوب العربية التي تضامنت مع محنة السوريين، كما أن قضيتنا كبيرة في قوة وصلابة ونضال الشعب السوري.
الجيش خرج من السياسة
تعدَّدت وتشعَّبت الأسئلة المتعلقة بالوضع التركي. وتراوحت بين ما هو خاص بمستقبله ودوره السياسي، وبين تطورات الأوضاع الداخلية. وفي رده على الأسئلة ذكر ما يلي:
إنه لم يقرر بالضبط ما الذي سيفعله بعد انتهاء رئاسته الثانية للحزب التي لا تسمح له بالتجديد، الأمر الذي سيضطره إلى عدم الترشح مجددًا لرئاسة الحكومة. رغم أن مسألة ترشحه لرئاسة الجمهورية مطروحة بقوة في الشارع السياسي «البعض يشبه تبادل الأدوار مع الرئيس الحالي عبد الله جول بما حدث في روسيا حيث تبادل بوتين الدور مع الرئيس السابق ميدفيديف» إلا أنه ذكر في هذه المسألة نقطتين، الأولى أن ذلك قرار الحزب وليس قراره وحده. الثانية أنه لا يزال هناك «20» شهرًا متبقية لطرح هذا الموضوع، وليس هناك مبرر للاستباق وإشغال الناس به الآن.
إنه ليس متفائلاً بإمكانية النجاح في إقرار النظام الرئاسي في الدستور الجديد، بسبب معارضة الأحزاب الأخرى المشتركة في لجنة إعداده. ومن جانبه فإنه مقتنع تمامًا بأهمية تغيير النظام، لأن تركيا عانت كثيرًا من جراء التزامها بالنظام البرلماني، ولذلك فإنه سيبذل غاية جهده، ومعه حزب العدالة والتنمية، للدفاع عن فكرة التحول عنه إما إلى نظام رئاسي وإما نصف رئاسي كما هو الحاصل في فرنسا. وسيقبل بأي صيغة أخرى مغايرة للنظام البرلماني.
الأكراد في تركيا تتحسن أوضاعهم بصورة مطّردة، ووضعهم في الوقت الراهن لا يكاد يقارن به في الماضي. وقد نجح حزب العدالة والتنمية في إزالة التشوهات التي لحقت بوضعهم في ظل الأنظمة السابقة. وأحدث قرار في ذلك الاتجاه اتُّخذ في الأسبوع الماضي، حين وافق البرلمان بالأغلبية على السماح لهم بالشهادة بلغتهم أمام القضاء، الأمر الذي يعزز الاعتراف بخصوصيتهم وهُويتهم أمام مؤسسات الدولة.
لم يعد للجيش أي دور سياسي بخلاف الوضع الذي كان معمولاً به في الماضي. وبعد انصرافه إلى مهامه الوطنية الأصلية وبعدما خرج من السياسة، فإنه أصبح يعيش في أفضل حالة ديمقراطية مرت بها البلاد.
موضوع الدولة العميقة التي عانت منها تركيا كثيرًا في الماضي ضعف إلى حد كبير، حتى يمكن القول بأن أصابع الدولة العميقة في السياسة قد بُترت ولم يعد لها وجود يُذكر. ورغم أنه يتعذَّر القول بأنه تم القضاء تمامًا على تلك الدولة بمعنى شبكة المصالح القوية التي كانت تعمل في الخفاء خارج الدولة وتؤثر على الحياة العامة والقرار السياسي إلا أنه يمكن القول بأنه إضافة إلى انعدام دورها في المجال السياسي، فإن وضعها الآن بين أيدي القضاء الذي لم يتوقف عن تتبع آثارها وامتداداتها في مختلف القطاعات المدنية والعسكرية. من ثم فبوسعنا الآن أن نقول باطمئنان إن تركيا تعيش الآن في ظل دولة سيادة القانون وليس في ظل الدولة العميقة.
لاحظت في نهاية اللقاء أن التعب بلغ بالرجل مبلغه، وأن النعاس بدأ يداعب جفنيه، وكان قد قيل لي إن طبيبه نصحه بالراحة وأن يخفِّف من الإجهاد الذي يعرض نفسه له، بإصراره على أن يعمل في مكتبه «12» ساعة يوميًا، فخجلت من إلحاحي في السؤال وشكرته على سعة صدره. وسمعته ونحن متجهون إلى الباب وهو يسأل ابنته سمية ومستشاره سفر توران: ما أخبار غزة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.