تمخَّض الجبل وولد فأراً من فصيل «أم سيسي»، تلك هي المزاعم وأحلام اليقظة التي كان يطلقها الوالي أحمد هارون، والي ولاية جنوب كردفان في الهواء الطلق من خلال مؤتمراته وتنويراته الصحفية حول الأوضاع الأمنية والسياسية، التي زادت سوءاً من أي وقت مضى منذ اندلاع الحرب في منتصف الثمانينيات، حيث فترة ولاية هارون هي الأسوأ والأنكأ التي زادت الجراح وعمّقت الآلام. أحمد هارون ظل يؤكد دائماً أنه مع مفاوضة الحركة الشعبية، ثم قطاع الشمال من بعد، وظل يذر الرماد في العيون بتجديد دعوته الفطيرة هذه، أنه يفاوض بيد ويقاتل بيد أخرى!! هذه الازدواجية المدعاة قادت الولاية إلى كارثة أمنية عظيمة، دفع ثمنها إنسان الولاية دماءً غالية أهدرت، وأرواح أطفال وعزل ونساء وشيوخ أزهقت، ومنازل هدِّمت ومتاجر خرِّبت وأسواق هجرت ووشائج صلات مزِّقت.السّيد أحمد هارون بعد هذا كله قفل راجعاً من طريقه الذي قرر السير فيه مستبداً برأيه بخفي حنين، بعد أن نزحت كادقلي وتوترت الأحوال وعمّت الفوضى، وتوقفت التنمية أعلن الوالي دون أن يطرف له جفن إيقاف التفاوض وإعلان الحرب على قطاع الشمال دون أن يعتذر لأهل الولاية ويعترف أنه كان مخطئاً ولم يعر النصائح التي قدِّمت إليه أدنى اهتمام..!! إن الذي جعل الوالي يرتكب كل هذه الأخطاء هو وجود حكومة ضعيفة وعاجزة عن فعل شيء يذكر، فهي كدمية في حقيبة الوالي إذا خرج من الولاية وما أكثر حالات خروجه وأسفاره صوب الخرطوم خرجت معه فلا حكومة في الولاية ولا صلاحيات في غيابه حتى يعود الرجل الملحمة يتيم زمانه..!! فهو الوالي وهو وزير المالية ووزير الإعلام ورئيس المؤتمر الوطني، ورئيس لجنة الأمن، ورئيس المجلس التشريعي.. أما الشخوص المكلفة في هذه المؤسسات فهي عبارة عن صور آلية وأشباح. هل يعرف الرأي العام في السودان.. دع السودان وقل ولاية جنوب كردفان من هو وزير الإعلام بالولاية؟ طبعاً الإجابة لا!! لأن الوالي هو وزير الإعلام، وهو الذي يعقد اللقاءات الصحفية كما سبق ليتحدث دائماً عما يجري في الولاية، وهو الذي يساجل ويجالد كُتّاب الأعمدة والصحافة وعموم وسائل الاتصال، يكتب ويرد ويهاجم من خلال مقالاته وحواراته الصحفية، وهذه البدعة لا توجد في ولاية أخرى سوى جنوب كردفان!! وهو أمر يؤكد أن الولاية تفتقر لخطة إعلامية وإدارة تقوم بهذا الدور الحيوي، وإذاعة الولاية وتلفزيونها حدِّث ولا حرج لا حول ولا قوة لهما، والإعلاميون من أبناء الولاية وما أكثرهم ، وما أمهرهم يعمل الوالي ليل نهار لإقصائهم وتغييبهم كما فعل مع النخبة السياسية وأهل الرأي الشجاع السديد وحجب المعلومات عنهم حتى لا يؤرقوا مضاجعه بكشف مثالب وعورات حكومته المترهلة أحياناً، والمغيبة عن الفعل أحياناً أخرى. والمجلس التشريعي كما ذكرنا من قبل غاية ما يحسنه بعض أعضائه هو الهرولة نهاية الشهر للحصول على الحوافز والمخصصات، ولا يجرؤ أحد فيه على تقديم طلب لمساءلة الوالي عن الإقصاء والتغيُّب والانفراد بالقرار الذي يمارسه على المجلس والحكومة، لأن المجلس نفسه غير مكتمل وبالتالي فاقد للشرعية، حيث إن الوالي جاء بالهادي أندو رئيساً للمجلس التشريعي ولم يكن منتخباً وهذه مخالفة دستورية.. وهناك أعضاء داخل المجلس والحكومة والمؤتمر الوطني بعض أفراد أسرهم وإخوانهم متمردون وحاملون السلاح، ولذا هم غير جادين في الحسم الأمني لهؤلاء المتفلِّتين والطابور الخامس رأفة بذويهم. والحوار السيء الذي كان يديره الأخ الوالي مع الحركة الشعبية والآن مع قطاع الشمال دون رؤية إستراتيجية واضحة، هو الذي مكّن للتمرد في الولاية حيث جمع صفوفه وتدرّب وتسلّح وحصل على المعلومات والدعم ولذا استفحل أمره وأعيا الطبيب المداويَ، والوالي هو المسؤول وهو الذي قدّم هذه الفرص الذهبية المجانية لقادة التمرد الحلو وسواه. الوالي اليوم بعد شعوره بعقدة الذنب والتمادي في الأخطاء التي أشعلت الإعلام والصحافة في وجهه، وفجّرت براكين الغضب في وسط أهل الولاية فلا صوت يعلو فوق صوت المطالبة بإقالته لإنقاذ ما بقي من هذه الولاية الجريحة.. وعلى المركز أن يدرك هذه الحقيقة، وهي أن الوالي قد فشل في إدارة الولاية وأن بقاءه لا يزيد النار إلاّ عواراً واشتعالاً. الوالي رغم إعلانه الحرب على قطاع الشمال فما يزال القول يجافيه الفعل، بل هذه الأيام رفع شعاراً جديداً وكأنه يقول نقاتل الإعلام بيد ونقاتل قطاع الشمال بيد أخرى، فبعد مطالبته الشهيرة في اجتماع مجلس الوزراء عند مناقشة إتفاقية التعاون المشترك بين السودان وجنوب السودان باتخاذ إجراءات استثنائية ضد الصحافة والإعلام الوطني الحر الذي ناصره أيام الجنائية وما يزال يفعل كلما فتح أوكامبو عينيه، دخل أيضاً هذه الأيام في موقف جديد مع الإعلام حيث تقدّم بشكوى ضد صحيفة المجهر وخصّ فيها الزملاء الشرفاء الهندي عز الدين وصلاح حبيب ويوسف عبدالمنان، ثم أتبعها بشكوى أخرى ضد «الإنتباهة» وخصّ فيها الطيب مصطفى والصادق الرزيقي ووقيع الله حمودة شطة، وحتى يقول القضاء كلمته فلكل حادث حديث ولكن نؤكد أن مثل هذا المسار لا يصرفنا عن كشف الحقائق وسلسلة أخطاء الوالي الذي أدرك أن وقت رحيله غير مأسوف عليه قد دنا وأن الجماهير التي اختارته وكان هو أفضل السيئين هي التي تطالب الآن بإقالته قيادةً وقواعدَ وعليه أن يحفظ ما بقي من ماء وجهه ويرحل. إن التمرد صار كل يوم يتمدّد في رقعة جديدة من الولاية والدليل على ذلك أن أي سيارة صغيرة تحاول العبور على طرق الدلنج كادقلي تستهدف، وما تزال الصواريخ والمدافع تقصف كادقلي، وما تزال محليات ومناطق هيبان وأم دورين وكاودا وكاونارو وجُلد والبرام تحت سيطرة الحركة الشعبية والوالي فشل في طرد التمرد من هذه المناطق، والآن هناك حشود جديدة لاقتحام تلودي مرة أخرى، لأن العدو إذا لم تغزه غزاك، وإن لنت قوي وإن ملت إلى الحوار والمسالمة في غير وقتها تنفس الصعداء وهزمك. الوالي جزاه الله خيراً بذل مجهوداً مقدّراً وهذا من باب الإنصاف له.. فتلودي أضحت عروساً مدارس ومستشفى واستراحة ومياهاً وكهرباء وسوقاً ومنتزهاً ومطاراً، ولكنه أخفق في أن يقدم شيئاً يذكر من خدمات في مناجم الذهب ومنها منجم الحميض وباجون في محلية قدير وأم دوال في محلية تلودي، والقناية والأخضر والأحمر في محلية الليري، حيث لا توجد خدمات فلا مدارس ولا طرق ولا مياه ولا صحة وهناك حاجة ماسة للجسور على خور البطحة في محلية أبو جبيهة، وخور ود المليسة في الحميِّض بمحلية قدير، وذلك لدور هذه المناجم في بناء الاقتصاد الوطني. ما تزال هناك مديونية كبيرة على الولاية من قبل الشركات فيما يتعلق بنشأة محليات العباسية والكويك ودلامي، وما تزال فكرة مصنع أسمنت العباسية تراوح مكانها.. كل هذه الأمور فشل الوالي أيضاً في معالجتها، والتنمية التي قامت في مجالات مختلفة هي الأفضل من أي وقت مضى ولكنها تنمية «بالعجز في الميزانية». وهذه تفتح تساؤلات أخرى نجيب عنها لاحقاً. أما الفساد المالي والإداري وتجارة «السمبك» التي تدعم الآن قطاع الشمال وهي أكبر ثغرة فتحت الجحيم على الولاية هذا ملف مدهش وخطير وعجيب فشلت محلية كادقلي ومحلية كيلك في وضع حد لهذا العبث وسنكشف تفاصيله ليعرف الرأي العام فساداً مستطيراً. ولنا عودة وهناك مساوئ أخرى خطيرة وهي نزعات قبلية من خلال محاباة وتقريب إثنية على حساب الأخريات وسنكشف عنها، ليعرف الرأي العام من هم المحيطون بالوالي؟ وما هي كفاءاتهم؟ ومن الذي جاء بهم؟ ولماذا جيء بهم؟ وعند جهينة الخبر اليقين!!.