٭ في تناول متأخر جداً لقضية الدفاع عن وزير المالية السيد علي محمود عبد الرسول، لخص الكاتب الصحافي الأستاذ عادل الباز الأمر الطويل والمعقد في أبعاده السياسية من ناحية تركيبة حكومية يراعى فيها توزيع السلطة، لخصه في أن يستقيل السيد الوزير بعد أن تعرض لما تعرض له من نقد تغرد طيوره خارج السرب، وقد أشفق على صحته، إذ أنه من حين إلى آخر كان طريح الفراش «شفاه الله وأدام عافيته». وطالب الباز وزير المالية بالاستقالة وكأن الوزير رئيس ناد رياضي فشل في الوصول إلى ربع النهائي، أو كأنه رئيس حزب مثل الأحزاب الكبرى والصغرى في بلادنا التي انفض كثير من أعضائها من حول زعمائها الراسخين على قيادتها رسوخ الجبال من ستينيات القرن الماضي. إن وزير المالية ومن دون الوزراء الآخرين يختلف إلى حد كبير من ناحية تحمل المسؤولية تجاه الواجب المنوط بأي عضو في مجلس الوزراء. فهو من فوقه مسؤولون ومن تحته مسؤولون داخل وزارته، وبين جانبيه مسؤولون في شؤون الإيرادات المالية من المؤسسات الخاصة والعامة، وهو في هذا الموقع المركزي لا يتحمل وحده أية مسؤولية بشأن الاقتصاد في كل نواحيه، ولذلك إذا كان لا بد من نصحه بالاستقالة، فإن هذا النصح يلزم أن يوجه للجميع، وهذا سيقودنا إلى النظر في طرح الصادق المهدي أخيراً وهو «حكومة انتقالية». ثم إن السيد علي محمود وإن كان كفؤاً في مجال الاقتصاد وهو من خريجي كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بجامعة الخرطوم قبل عقود ومعروكاً بالعمل العام في هذا المجال سنين عدداً، إلا أن تنحيه عن موقعه هذا يعني بالطبع التأثير على المحاصصة التمثيلية لكل جهات السودان، وبعد استقالته لن يكون التفكير فقط في كفاءة الوزير القادم، بل أيضاً وبالدرجة الأولى فيمن يرقع ثقب المحاصصة التمثيلية الذي أحدثته استقالة السيد الوزير. ثم إن للوزير مساعداً أيمن هو وزير الدولة بالمالية الدكتور عبد الرحمن ضرار، وهو صاحب باع طويل في الشأن الاقتصادي، ويجيد بأسلوب رائع عكس المشكلات والحلول المقترحة في الشأن الاقتصادي، وقد تناول يوم الجمعة الماضية في برنامج «مؤتمر إذاعي» بإذاعة أم درمان آخر التطورات على الساحة الاقتصادية وبالأخص سلعة السكر. وهنا نسأل لماذا لا يُنصح وزير الدولة ضرار بتقديم الاستقالة أسوة بالوزير الاتحادي؟!. هل الدعوة إلى الاستقالة من باب الاستجابة لما يتعرض إليه السيد الوزير من نقد من قبل أناس وصفهم الباز بأنهم لا يفقهون في الشأن الاقتصادي إلا قليلاً.. بل ربما ولا حتى هذا القليل؟! إن التجاوب مع عامة الناس أو غير الخبراء الاقتصاديين أو غير المحللين السياسيين الذين يخوضون في تعقيدات الظروف الاقتصادية، التجاوب معهم في هتافاتهم وثوراتهم، يمكن أن يضر بكل الشعب، وينطبق عليهم المثل الذي يقول: «جاء يكحلها أعماها». وذلك لأن الدولة إذا تنازلت عن قرار بزيادة سلعة مثلاً، ثم تنازلت عنه بسبب أية ضغوط عليها، ستلجأ إلى طباعة المزيد من العملة الوطنية لإسكات أصحاب الضغوط تجنباً لتفوير الشارع، لكن النتيجة بالمقابل هي مزيد من تقليل قيمة العملة التي يحملها أصحاب الضغوط الذين يضغطون بلا استيعاب لحتمية القرارات الاقتصادية في ظروف معينة، والأهم معرفته هو أن وزارة المالية لها الولاية العامة على المال، أما امتلاء بطن الخزينة العامة بالمال والذهب فيكون بإنجازات وزارات القطاع الاقتصادي الأخرى، مثل النفط والمعادن والصناعة والزراعة، حتى لا يكون الاعتماد كبيراً على وزارات القطاع الخدمي. إذن الأولى بالاستقالة هم وزراء القطاع الاقتصادي ما عدا وزير المالية ووزير الدولة بها.