المحاولة الانقلابية التي افصحت عنها السلطات الخميس الماضي واعتقلت بسببها عددًا من ضباط الامن والجيش فضلاً عن مدنيين ابرزهم مدير جهاز الامن السابق الفريق اول صلاح عبدالله «قوش» اعادت ذكرى اجواء مفاصلة الرابع من رمضان 1999 التي اشعلت فتيل الحرب وادخلت البلاد في سيل من الازمات المتطاولة ليصطف البعض الى جانب عراب الحركة حسن الترابي في المؤتمر الشعبي بينما فضل آخرون البقاء في المؤتمر الوطني الى جانب الرئيس البشير في حين دفع الغضب والالم آخرين إلى الانزواء بعيدًا عن أيٍّ من الطرفين وتلاحقت الاحداث بدءًا باستمرار التفاوض مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق وقبل ان تصل لمرساها الختامي باتفاق السلام الشامل بنيفاشا الكينية في يناير 2005 وفي خواتيم العام 2002 انطلقت شرارة التمرد بدارفور ليتعاظم خطره لاحقًا مغرقًا البلاد في دوامة من قرارات الاممالمتحدة، اما اتفاقية نيفاشا التي كان السلام احد اهدافها الرئيسية فانتهت باعادة انتاج الحرب في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان فضلاً عن الازمة التي عصفت بالاقتصاد عقب الانفصال وذهاب مورد النفط جنوبًا.. وعلى إثر هذه الاعتلالات الوطنية المتراكمة طفت المذكرة التي اصطلح على تسميتها بمذكرة الالف اخ وكثير من المنتمين اليها اوضاعهم الاقتصادية جيدة فبعضهم مهندسون واستاذة جامعات وبعضهم يعمل في السوق مما يشير الى دفع شبهة السعي للمناصب والنفوذ عنهم وقد تسربت المذكرة للصحافة في يناير الماضي تناولت ايجابية مسيرة الحكم منذ انطلاقها في 1989 ثم التفتت للمساوئ وفي مقدمتها انشقاق 1999 الذي وصفته بوصمه العار واشارت الى اخطاء الإقصاء والتعامل بالعقلية الامنية والفشل في حسم الفساد والمحسوبية وتفشي النعرات القبلية والاخطاء التي ارتكبت في دارفور.. وفي يوليو الفائت اطلَّت للعلن مجموعة «السائحون» وهي من مجموعات المجاهدين وعقدت عدة لقاءات بالخرطوم والولايات دعت من خلالها كل المجموعات القتالية بالحركة لتوحيد صفوفها بغض النظر عن انتمائها الحزبي، ومن ذلك ما اوردته الصحف عن اشتراك القيادي بالمؤتمر الشعبي الناجي عبدالله في احد لقاءاتها ابان احتلال هجليج وشكلت لها صفحة على الفيس بوك واجرت من خلالها حوارًا مع القيادي بالحزب والحركة د. غازي صلاح الدين الذي يتمتع بثقل كبير في اوساط شباب الحركة الذين سعوا لتقديمه امينًا عامًا لها في مؤتمرها الأخير وقد تجلت شعبيته بوضوح خلال مخاطبته لفعاليات المؤتمر ولكن رياح الشورى كانت اعتى من تطلعات تيار الاصلاح حتى ان بعض الأحاديث اشارت الى ان الغاضبين من مخرجات المؤتمر احد اضلاع العملية التخريبية. ومما يجدر ذكره ان «السائحون» الذين ارادوا التصعيد للمؤتمر بعيدًا عن الاطر التنظيمية المعهودة قدموا قائمة ب «250» عضوًا لم يشارك منهم سوى 9 اعضاء، وفي سياق مؤتمره الصحفي اشار امين الحركة الزبير احمد الحسن الى انه تحدث الى بعض الشباب غير المتوافقين مع مخرجات المؤتمر وان حديثه إليهم سيتصل ولكن يبدو ان بعضهم كان اسبق بتدشين منبر للاصلاح يقوده المجاهد عبد الغني احمد ادريس دعا فيه الى معاملة الموقوفين بصدد التخريبية بعدالة كما جاء في الصحف. القيادي بالحركة بروفسير عوض حاج علي نفى من الاساس ان يكون الاسلاميون خارج مواقع القرار مشيرًا الى موقع غازي في البرلمان وحسن عثمان رزق في الحركة في مركز القرار والهيئة القيادية للوطني اما «السائحون» فلهم ممثللون في الحركة مثل محمد احمد حاج ماجد الذي يتولى الأمانة الاجتماعية بالحركة ورئاسة منظمة الشهيد واشار الى أن المؤتمر اشتمل على مختلف الآراء ورفض عوض في حديثه ل «الانتباهة» الاشارة الى «السائحون» ككتلة لها رأي واحد رغم ان الكثيرين منهم تم تصعيده للمؤتمر، وبسؤاله عما اذا كان المؤتمر قد حظي برضا الجميع وفيهم المجاهدون قال: أي شخص لديه رؤية تم طرحها في المؤتمر الذي استوعب كل الاصلاحات المطلوبة، فالقضية في الاصل اجتهادات ولا يستطيع احد ان يفرض آراءه على الآخرين وهذه هي الديمقراطية، واستدل على حديثه باحد قيادات السائحون الصادق محمد علي الشيخ الذي كان من انصار غازي في المؤتمر بينما هو من انصار علي عثمان محمد طه، وقال: حاليًا نحن نعمل معًا، فتحدث الصادق الذي كان موجودًا مع بروف عوض عبر الهاتف قائلا ل «الإنتباهة» ان كل المجاهدين ملتزمون برأي الشورى والمؤتمر الذي نصب الزبير امينًا عامًا وسيعملون معه لإصلاح البلد وتمكين الدين، وفي المقابل كانت لبعض قيادات شباب «السائحون» مثل اسامة عيدروس آمال كبيرة على المؤتمر، اشار لها في حوار ب«الانتباهة» فرؤيته ان إدراج الهيئة القيادية واختيار الامين العام من قبل مجلس الشورى محاولة لتكبيل الحركة ووضع دورها في يد مجموعة مسيطرة على حاضر الحركة ومستقبلها، وكان يرى ضرورة تعديل تلك النصوص لان اجسامًا مهمة كالطلاب والشباب لا يتم انتخابها انما يتم تعيينها.. اذن ما بين رؤية الداعين للنزول على رأي الأغلبية والغاضبين على مخرجات مؤتمر الحركة مساحة للفعل ورد الفعل لعل ملامحها اخذت في التبلور والإعلان عن نفسها بنهاية المؤتمر.