سعدت في تلك الليلة «23-03-2011م» عندما علمت أن الموضوع المطروح للنقاش بندوة الأربعائية هو«المشورة الشعبية»وأن مقدم الورقة هو الأستاذ أحمد شرفي الذي أبدع وهو يتناول هذا الموضوع الذي كان حديث الساحة في ذلك الوقت، وعندما اتيحت لي فرصة الحديث استلهمت مداخلتي من أستاذي علي عبدالوهاب الذي أشار بذكاء إلى الدور الإيجابي للإدارة الأهلية في المجتمع السوداني، كان استهلالي بمقدمة عن المجتمع السوداني قبل قرون مضت لنثبت أن المسلك المجتمعي الذي يميز السودانيين اليوم هو نتاج طبيعي للأنشطة الاقتصادية الموغلة في القدم وكان يمارسها الإنسان السوداني والمتمثلة في حرفتي«الرعي والزراعة» وهما حرفتان تتطلبان قدرا من المصابرة «والمباصرة» والمثابرة وعمق الإيمان ما ينعكس إيجابا على صحة الإنسان النفسية وبالتالي على مسلكه وحسن خلقه وهذا ما يميزنا عن باقي البشر. ثم عرجنا لدور الإدارة الأهلية في الماضي وكيف نجح النظار والعمد والشيوخ في الحفاظعلى متانة العلاقات المجتمعية بين الناس باتباعها منهجاً مبنياً على مبدأ«الحل والعقد» وإصلاح ذات البين بود وإخاء وعفوية ورأب الصدوع الاجتماعية والاستئناسبالرأي والرأي الآخر. وبالرغم من الاختلاف الواضح بين المفهوم السياسي لهذا المصطلح وكلمة«الشورة والمشاورة» كلفظ اجتماعي شكل المجتمع السوداني وما زال سائداً- إلا أن مادة الاقتباس واحدة، بعد ذلك ذكرنا ما يعلمه الجميع وهو أن اتفاقية السلام أقرت إعطاء حق تقرير المصير لجنوب السودان ولحق ذلك توقيع على بروتوكولات المشورة الشعبية لولاية النيل الأزرق وجبال النوبة وهي مناطق تماس تسكنها قبائل عديدة، وتحكمها نظارات مختلفة ولها عادات وتقاليد ولغات متنوعة لذا كان لابد من إيجاد صيغة لحل المشاكل التي تواجه هذه المناطق، ومن هنا جاء مصطلح المشورة الشعبية الذي يعني«استطلاع رأي مواطني هذه المناطق تجاه اتفاقية السلام وهل لبت الاتفاقية متطلباتهم أم لا ؟». وهدف المشورة هو إنهاء النزاعات والتأكد من تصحيح أوجه القصور في النواحي السياسية والاقتصادية والإدارية، وأن المجلس التشريعي والمفوضيات هي الجهات المسؤولة عن تنفيذ المشورة الشعبية، وتتبع في ذلك سقوف زمنية محددة حتى تكتمل العملية وهذا الأسلوب موجود أيضا في الغرب، وهي على إطلاقها تعتبر معالجة برلمانية لمسائل محددة. بعد بروز مفهوم المشورة الشعبية إلى السطح تباينت وجهات النظر حوله، حيث يرى البعض أن المشورة رديفة لمبدأ تقرير المصير وقد نفت الحكومة ذلك.