فريق ركن ابراهيم الرشيد علي يقول رئيس حكومة الجنوب فك الارتباط مع الحركة الشعبية قطاع الشمال «الفرقتين التاسعة والعاشرة» مستحيل!! لقد ظل العداء بين الولاياتالمتحدة وحكومة السودان في عهد الإنقاذ عداء مستحكمًا لا فكاك منه إلا بثمن غالٍ لا أظن أن معظم الشعب السوداني يمكن أن يقبله. عندما رتبت الولاياتالمتحدة لإسقاط حكم الرئيس نميري بسبب إعلان الشريعة وقوانين سبتمبر بعد أن كانت العلاقات حميمة بين السودان وأمريكا كانت تسعى لنظام حكم في السودان يكون موالياً لها يقوم على العلمانية كنظام للحكم. بعد سقوط مايو لم تجد أمريكا ما تنشده في ظل الديمقراطية الثالثة ولذلك رفعت يدها عن دعم السودان واستمرت سياسة وقف المساعدات التي كانت تُقدَّم للسودان والتي وقفت قبل سقوط نظام الرئيس نميري بسبب قوانين سبتمبر. لم تمهل الحركة الإسلامية الديمقراطية كثيراً فقام انقلاب الإنقاذ بتوجهه الإسلامي الصارم فقطعت أمريكا علاقتها تماماً بالسودان وأصبحت بمرور الزمن تعمل على إسقاط نظام الإنقاذ الذي كانت شاراته: «أمريكا دنا عذابها»، واستمر الحصار الاقتصادي على السودان ووُصم بصفة الإرهاب وبدأ العمل على هزيمته وإسقاطه بإعلان الحرب عليه من جيرانه صراحة ودعم كل الأنظمة المجاورة له لتنفيذ المخطَّط وتم تصميم مشروع السودان الجديد الذي تبناه المتمرد العقيد جون قرنق ووفرت له الولاياتالمتحدة كل دعم ممكن عسكرياً وسياسياً والعمل على تهيئة مسرح العمليات السوداني بحصار السودان اقتصادياً وسياسياً وأمنياً واحتضان المعارضة من الأحزاب السودانية التقليدية والعقائدية وكل من حمل السلاح متمرداً ضد نظام الحكم القائم. عندما لم تنجح سياسة الولاياتالمتحدة في هزيمة السودان بواسطة الحركة الشعبية والمعارضة السياسية والمسلحة لجأت للوصول لأهدافها عن طريق تحقيق السلام في السودان بالشكل الذي تحقِّق به سياساتها تجاه السودان فكانت مفاوضات سلام نيفاشا الذي مارست فيه الولاياتالمتحدة كل أنواع الضغوط على الشمال أحياناً والتهديد بفرض مشروع سلام السودان والترغيب برفع العقوبات وشطب اسم السودان من قائمة الدول الإرهابية، وبكل خسة وتآمر أوصلت الحكومة والحركة الشعبية إلى اتفاقية سلام كانت في معظمها ظالمة لشمال السودان ولم تفِ الإدارة الأمريكية بأيٍّ من وعودها، ولم يغب مشروع السودان الجديد عن روح الاتفاقية وأصبح حاضرًا في ممارسات الحركة الشعبية خلال الفترة الانتقالية ومشاركتها في نظام الحكم، وأصبحت قيادات الحركة الشعبية جميعها تتأبط ملفاته متمسكين بتطبيقه حتى بعد الانفصال وقيام دولتهم المستقلة، وهكذا بقي المشروع في حماية حكومة الجنوب ودعمها وتحت مسؤولية الحركة الشعبية لقطاع الشمال للاستمرار في السعي لتطبيقه في شمال السودان برعاية مباشرة من الولاياتالمتحدة. من يظن أن مشروع السودان الجديد قد انتهى أمره فهو واهم ومن يظن أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستتخلى عنه فهو واهم خاصة في عهد حكم الإنقاذ.. ومن يظن من أهل الإنقاذ والحكومة القائمة والشعب السوداني أن أمريكا وإسرائيل ستتركان السودان لحاله ليستقر وينمو ويتطور فهو واهم. تفاءل الناس باتفاقية أديس الأخيرة وظنوا أن ما اتُّفق عليه هو خاتمة المطاف لصراع طويل وأشادوا وطبلوا وصفقوا للفريق سلفا كير الذي وقع الاتفاقية مع الرئيس البشير وعاد الوفد للسودان مزهواً بإنجازه ونسوا أو تناسوا أن الحركة الشعبية لا تملك قرارها وأن زعيمها لا وفاء له لاتفاق وأن الأمر كل الأمر بيد الإدارة الأمريكية. عندما يقول الفريق سلفا إن فك الارتباط مع قطاع الشمال مستحيل بعد ما توافق مع الرئيس البشير ووقَّع على اتفاق أساسه الترتيبات الأمنية هذا يؤكد أنه لا يملك قراره. وعندما يأتي مبعوث الرئيس الأمريكي يحدِّثنا عن سعيهم لحل مشكلة أبيي في إطار مقترح أمبيكي وهو على علم بموقف الحركة الشعبية من إجراءات الترتيبات الأمنية فهو لا يسعى لحل يتوافق مع مطالب الشمال. إنهم مداهنون ومنافقون يشتركون في أجندة واحدة هدفها تركيع الشمال وهزيمته بنفس طويل مع الاستمرار في تخديرنا بحلول ممكنة وهي في حساباتهم مستحيلة وبوعود دون التزام بالايفاء بها وبالاستمرار في استنزاف قدراتانا مع دعم حكومة الجنوب للصمود بتعويض مادي يفي باحتياجاتهم. لا أعتقد أن قواتنا المسلحة عاجزة عن هزيمة الفرقتين التاسعة والعاشرة اللتين تحتلان جزءًا من أراضينا إذا عزمنا على ذلك فللصبر حدود.. ولا أعتقد أننا عاجزون عن سد فجوة الموازنة الناتج عن صادرات بترول الجنوب إذا عزمنا على سد تلك الفجوة بالإنتاج وتفجير الطاقات، فالشمال كان يصرف على الجنوب ويوفر جميع احتياجاته وما جاع شعب الجنوب يوماً، وكان يصرف على مقاومة تمرد فُرض عليه مدعوماً من الغرب ودول الجوار وما هزمت قواته المسلحة يوماً.. فهل نعجز عن نظافة جيوب معزولة تعيش وسطنا مهدِّدة لأمننا واستقرارنا؟ إن سياسة التراضي والتنازلات والمجاملات وحسن النية وطول البال أصبحت لا تفيد، وإن الوقت يمضي، وإن للصبر حدودًا وقد أعطينا وما استبقينا شيئاً، إنهم يفرحون عندما تألمون، ويحتفلون عندما تهزمون، ويشمتون عندما تصابون، ويبتهجون عندما تُقصفون. { احتفلوا عندما احتلوا هجليج وكان على رأس الاحتفال رئيسهم في جوبا ومدن الجنوب الأخرى وفي الخرطوم في كلية الشرطة. وفرحوا يوم العيد بسقوط طائرة تلودي واستشهاد من فيها وأنتم تألمون. { واحتفلوا بذكرى مجزرة توريت وكرموا من قاموا بها وأُسر الشهداء في الشمال يحزنون. { وأقاموا الليل شكراً ورقصاً وبهجة احتفالاً بطائرات الغدر والخسة وهي تقصف اليرموك وربما كرموا السفير الإسرائيلي المقيم بجوبا!!