في أوائل الإنقاذ اقترح مسؤول رفيع مازال في السلطة بالطبع كدأب جل قيادات الإنقاذ، عدم منح الدراجات النارية للمجاهدين في كل أذرع ومؤسسات التنظيم، بحجة أنهم سيضيعون الوقت في التزاور فيما بينهم من باب زيارة الأخ لأخيه لوجه الله، وكان فقه المسؤول يشير إلى ضرورة كسب الوقت في العمل من أجل تقوية الإنقاذ، رغم أن أولئك المجاهدين ضمن من كانوا صمام أمان الإنقاذ. وأذكر أننا كنا نلتقي في باحة مسجد جامعة الخرطوم عقب كل جمعة، وهو لقاء «في الله» دون الحاجة لدراجة نارية، وكان بعيداً عن مناقشة هموم السلطة والحكم، ومع دوران عجلة الأيام وتغير الحال حتى «المواتر» أضحت سيارات جياد باتت لقاءات المجاهدين ومناقشاتهم تدور حول الهم العام، ومضى بعضهم وجلهم من السائحين نحو الطرق وبشدة على مكامن الخلل هنا وهناك في كل المؤسسات بلا استثناء، حتى جاءت اللحظة، وقال بعض منهم نحن ها هنا من خلال المذكرة التصحيحية التي عُرفت بمذكرة الألف أخ في بدايات العام الجاري، وجوبهت بانتقادات من بعض قيادات الدولة والحزب الحاكم، حتى أن بعضهم سفهها، ولما تفحصوا ما ورد فيها عقدت قيادات رفيعة مثل مساعد الرئيس د. نافع علي نافع حوارات مع أصحابها، ثم جاءت أحداث عاشوراء من خلال ما عُرِفَ بالمحاولة الانقلابية التي قادتها قيادات عسكرية وأمنية رفيعة بالمؤسستين العسكرية والأمنية وبعض المدنيين المتهمين بالضلوع في المحاولة، مثل الفريق أول صلاح عبد الله «قوش». ومع عدم وجود رابط مباشر بينهم وبين المجاهدين، إلا أن قرائن الأحوال تشير إلى اتجاه تلك المجموعة للاستعانة بالمجاهدين، خاصة أن كثيراً من الاعترافات التي أدلى بها المقبوض عليهم تجد هوى لدى المجاهدين رغم عدم الاتفاق مع فكرة الانقلاب، مثل الإشارة إلى مكامن الخلل في كثير من المرافق المهمة والحساسة تستوجب المعالجة، ولطالما فكروا في انقلاب على النظام فإذن الأمر بمثابة الكي الذي هو آخر العلاج، حتى أن المعتقلين أقرُّوا بقيامهم بالعملية التي رفضوا أن يسموها «انقلابية» ووصفوها بالتصحيحية. إذن المجاهدون الآن حضروا في مسرح الأحداث، وبرز ذلك منذ اليوم الأول لإعلان الانقلاب من خلال لقاء المكاشفة الذي تم بينهم وبين مدير جهاز الأمن والمخابرات بحضور أمين الحركة الإسلامية بالمركز العام للدفاع الشعبي، وللمكان دلالاته بالطبع، إذن الحكومة أمامهما خيارات محدودة أمام جنود الإنقاذ الذين هم وقود ثورة الثلاثين من يونيو وقواتها الخاصة وحماتها، وبالتالي لا بد من التغيير الذي نادوا به، خاصة عقب احتلال هجليج من خلال إجراء تغييرات جذرية في مفاصل الدولة، خاصة أن التململ وصل قمته بدليل خروج أمثال العميد ود إبراهيم خليفة الشهيد إبراهيم شمس الدين في إمارة المجاهدين بكل تياراتهم من دبابين وسائحين وكتائب، خاصة في ظل المهددات التي تحيط بالبلاد، مع العلم بأن عدداً كبيراً من الشخصيات العسكرية التي تنتمي للتنظيم باتت خارج الدائرة التي تفكر للمؤسسة العسكرية، آخرهم الفريق صديق فضل قائد سلاح المدرعات الذي استلم المدرعات ومعه الشهيد إبراهيم شمس الدين في فجر الثلاثين من يونيو، وذات الأمر ينسحب على غياب أو تغييب قيادات أمنية عن دوائر صنع القرار. ومضى بعض السياسيين في محاولة التقليل من شأن السائحين واعتبارهم مجرد صفحة في الموقع الاسفيري التفاعلي «الفيس بوك» أو في محاولة لعزلهم عما جرى من أحداث أكدت قرائن الأحوال أنها تهم كل الحركة الإسلامية بلا استثناء، وبالتالي فما حدث الآن هو رد فعل لمجريات الأمور داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، ويبدو بعيداً بعض الشيء عما يجري على المسرح السياسي الذي مازال البعض يقدم من خلاله النصح للإنقاذ من خلال النقاش الذي من الممكن أن يتحول إلى «الكلاش» حال لم يحدث التغيير الذي ينشده الجميع وفي مقدمتهم الإسلاميون!!