حينما عهدت الحكومة للدكتور الطيب ابو قناية قبل اكثر من ستة اشهر مسؤولية اقتلاع جذور الفساد والمفسدين عبر آلية خاصة سُمِّيت وقتها «آلية ابو قناية» لمكافحة الفساد فوجدت الفكرة استهجانًا واسعًا حتى من اكثر المتفائلين فاطلق البعض تسؤلات متهكمة: كيف نحارب الفساد «بقناية»؟ قد لا يبدو ان الحكومة في حاجة الى آليات جديدة فما لدى الحكومة من قوانين وتشريعات وهيئات ولوائح داخلية بكل مؤسسات الدولية كفيل باسقاط ابراطورية الفساد غير ان الذي ينقص الحكومة الارادة القوية والاصلاح الاداري والنزاهة والشفافية واعطاء المال العام قدرًا اعلى من القدسية على ان تقف خلف هذا المال سلطة القوي الامين.. فسقط رهان الحكومة وذهبت آلياتها ادراج الرياح فبنى المفسدون دولتهم بأقوى وأحدث المعدات والأساليب التي افشلت كل مسعى يصب في اتجاه محاصرة الفساد حتى بات المال العام نهبًا ومستباحًا لكل اصحاب الضمائر غير الحية فتشبعت ساحة الدولة بكل الشائهات حتى وصلت إلى حد التخمة ولم يعد الحديث عن الفساد سرًا تتناقله المجالس على استحياء شخوصه لا يبالون ولا يمارسون فضيلة التواري او مواجهة الاضواء فهم مداهنون وبارعون في التخفي ينصبون اسياجًا حديدية على الجريمة ولا يتركون اثرًا يمكن ان يقودهم الى كشف الحال.. والحكومة تدري تمامًا ان ما بداخلها تمساح كبير يبتلع كل ما هو حق عام دون ان تطوله يد القانون. ورغم ان السودان يحتل ذيل القوائم التي تعدها منظمة الشفافية الدولية في محاولة تقييمها ورصدها لأكثر الدول فسادًا في ذمم حكامها يبقى من غير المنطق او غير المفهوم وبلا حياء ان يتحدث البرلمان عبر لجنة الحسبة والمظالم بان السودان من اميز الدول شفافية على المستوى العربي والافريقي وان جرائم المال العام فيه لا تتعدى «42» جريمة فقط. فالناظر للمعطيات في منظومة الفساد يدرك تمامًا خطأ اعتقاد البرلمان فهو لا يتحدث بلسان الحقيقة وحتى المراجع العام المعني بمراجعة كشوفات وحسابات الدولة لم يفلح في الوصول الى الحقيقة كاملة فهناك حصون ومصدّات قوية لا تقوى اسلحة المراجع على اختراقها فتظل الحقيقة عنها غائبة بل ان هناك مؤسسات دولة يقودها «بلدوزرات» لديهم كامل السلطة والتفويض والقوة لحماية هذه المؤسسة حتى لا ينكشف حالها وتظهر خباياها وفسادها ولهذا تقاتل بكل شراسة حتى تظل هكذا بلا رقيب وبلا مراجعات فالفساد اذن اصبح يبني الآن اعشاشه واوكاره في كل مؤسسات الدولة وبكل اطمئنان وتظل آليات المكافحة اسيافًا من عشر مهما حاولت الحكومة اظهار قدرتها او فرض هيبتها في معالجة ملفات الفساد التي ما زالت معلقة ومقدسة وفي حصن حصين فكم من القضايا الفاسدة التي كشفتها عيون الصحافة وتناقلتها المجالس سرًا وجهرًا لكنها توارت من الأنظار دون مبررات معلنة ولا يعرف عنها شيء حتى الآن هل جرت تسويتها في الغرف المغلقة؟ ام انها مؤجلة بأمر القضاء لمزيد من التحقيقات؟ فلننتظر الى ان يقضي الله امرًا كان مفعولاً