في بدايات الإنقاذ وحين رن تلفونه بعد الواحدة ليلاً نهض المجاهد د/ شاع الدين العبيد، ولبس جلبابه ولما استفسرته زوجته أجابها بأنه مطلوب حضوره للدفاع الشعبي حالاً.. نظرت إليه قائلة: (الآن وفي الدفاع الشعبي وتمضي لهم بالجلابية).. خجل من نفسه واستبدل الجلباب بالكاكي وكان خروجه لمسارح العمليات لثمانية أشهر متصلة ما عاد منها إلا بعد أن (شرطت بطنه) طلقة من الكلية للكلية حتى اندلقت مصارينه التي ظل يحملها بيد ويحشرها باليد الأخرى سحابة نهاره ذاك... وحين رن هاتفه عصرًا قبل عامين.. لبس الكاكي وهمّ بالخروج فسألته أيضًا زوجته المجاهدة إلى أين فأخبرها بأنه مطلوب حالاً في الدفاع الشعبي.. ردت عليه قائلة: (دايرين بيك شنو).. لا والله يا أختاه ما تغيرت رسالة الدفاع الشعبي ولكن تغير تسلسله في أولويات الدولة. المجاهد إسحق فضل الله حسام الإنقاذ في الميدان ويراعها في الإعلام.. بعدما صمتت المدافع شرع يحارب المرجفين والمندسين والعملاء بذات الضراوة التي قاتل بها المتمردين في ساحات القتال لا فرق عنده بين هؤلاء وأولئك... لم يسلم منه من ادعى الحق الإلهي في حكم هذا البلد أو من جاء يقدل في حماية الموساد والسي آي إيه.. كما لم يسلم منه من تعلق بأستار الكعبة أو لبس جلباب البشير... إسحق الذي ظل يرصد ويفضح تحركات واجتماعات المتمردين والمندسين وعملاء السفارات الأجنبية ووكلاء المخابرات العالمية زمانًا ومكانًا ورصدًا دقيقًا لأرقام هواتفهم ولوحات سياراتهم وسردًا صادقًا لأقوالهم حتى شتت شملهم وشكك بعضهم في بعضهم.. إسحق الذي ظل يدافع عن الإنقاذ بأكثر مما دافع به إعلامها المدفوع الثمن والمهول الإمكانات يجرجر في المحاكم في نحو ثلاثين قضية نشر كسبها جميعها دون عون من حزب أو دولة... إسحق تسكته الإنقاذ التي أكلت بنيها.. إسحق ضمير الشهداء ورفيق المجاهدين لن يسكته إلا الموت. الأخ المجاهد د/ خليل عبد الله المنسق العام الأسبق لقوات الدفاع الشعبي والوزير السابق للشؤون الدينية حين وقف على فساد مالي بالملايين في وزارة الدين القيِّمة على دين المواطنين ذهب بمستنداته للمجلس الوطني ضمير الأمة وأمينها المنتخب الذي تخلى عنه ولم يعقب عليه بل وتم إعفاؤه.. تمامًا مثلما تخلى سابقًا عن مسؤوليته تجاه اتفاقية نيفاشا الكارثية وكرَّرها لاحقًا تجاه اتفاقية أديس أبابا الأخيرة.. وفي كل عام يغض الطرف عن تقارير المراجع العام... أبعد هذا من يستطيع أن يسأل عن المتطاولين في البنيان أو المتوسعين في الأراضي أو المضاربين بالدولار.. وما أكثر «أهل التلات ورقات». الأخ المجاهد بروف علوان المجاهد بالكلمة والبندقية من زمرة الثابتين والمثبتين لإخوانه في سوح العمليات يوم تجلجل الصواريخ والدانات وتتطاير الرؤوس والهامات وتفور الأرض بفعل الذخيرة كالبليلة.. علوان حين ضاعت صرخاته وتلاشت عظاته ووجد نفسه مثل كثيرين من إخوانه غريبًا في وطنه وبين إخوانه آثر الغربة مثل كثيرين من كبار الأطباء وأساتذة الجامعات تاركين خلفهم صدعًا كبيرًا في جدار الوطن الذي دفع فيهم دم الغلابى والمحرومين.. فبأي حق يرحلون.. أهي الضائقة الاقتصادية أم التضييق السياسي. المؤتمر العام للحركة الإسلامية (خلاصة أكثر من اثنى عشر ألف مؤتمر أساس ومحليات وولايات وقطاعات) جئناه نبحث عن أمنا لنخرجها من سجن العناية المكثفة ونرد لها اعتبارها وقد أفلحنا في الخطوة الأولى (رئيس المؤتمر) لكن الملاسنات والتراشقات وبوادر الانشقاق التي تلت ذلك جعلت ذات الأغلبية التي تنشد التغيير ونفذته في الخطوة الأولى تعود وتتخلى عنه مرحليًا إن كان ثمنه انشقاقًا جديداً وضياعًا أكيد.. حتى إن شعاراتنا الحبيبة إلى أنفسنا (كل شيء لله.. وفي حماك ربنا) التي صدحنا بها في قاعة الصداقة ومركز الشهيد الزبير في محاولة لردم الهوة وتجسير الطريق كان التجاوب معها ضعيفًا وباهتًا وحزينًا. في لقاء خاص وشفاف بأحد كبارنا استصحبنا فيه هيبة الدولة التي ضاعت بين أقدام وكلاء الجنائية والعنصريين الجدد وحملة السلاح وقتلة الشهداء وتضخم المركز رغم سلطات الحكم الولائي المهولة وإرضاءاته لبعض الولايات التي تجيد توزيع الأدوار ما بين التمرد والولولة والابتزاز بتصديق المزيد منها والتوسع في إنشاء المحليات التي لا تملك مصدرًا للتسيير ناهيك عن المرتبات والمخصصات ولا مجال عن الخدمات التي باسمها تنتهك حرمة البلاد وتباع في سوق النخاسة العالمي.. تحدَّثنا عن التودّد للمتمردين ومكافاتهم وإبعاد الأقوياء المخلصين.. تحدَّثنا عن الانهيار الاقتصادي والفساد المالي والإداري وتقارير المراجع العام والتجنيب الذي إن أفلح به بعض الصادقين فقد استغله الآخرون.. تحدَّثنا عن تجار الأزمات وأهل الحظوة والمصالح والشلليات والجهويات والخطاب المرتبك والتقاطعات والجزر المعزولة.. تحدَّثنا عن ضعف المفاوضين وهوان المفاوضات والتفريط في الحقوق والمكتسبات.. تحدثنا عن المنظمات الكنسية والاستخبارية التي تسرح وتمرح خارج نطاق رسالتها دون أن يقول لها أحد جر.. تحدَّثنا عن المكنكشين بالسنين بلا عطاء مع غياب المتابعة والمحاسبة.. تحدَّثنا عن أهل الرصيف الذين هالهم موت الحلم وضياع الأمل حتى صاروا غرباء في وطنهم وبين إخوانهم.. وتحدَّثنا عن المؤتمر الوطني الابن الشرعي للحركة الإسلامية التي كانت تجلسه في حكرها لترضعه من ثديها فأصبحت تجلس في حكره لترضعه ولا تسلم من عضه... وحين جاء دوره فجعنا بقوله (دا كلام ناس فقدوا السلطة وآخرين تجاوزهم الاختيار) وخرجنا في حال من الحزن النبيل والغضب المكبوت وضياع العشم في الإصلاح... فبعض الناس خير لك أن تسمع عنهم لا أن تسمع منهم... (غايتو بارك الله فيهو ما دقانا). أخي الرئيس المجاهد (كلمة حبيبة إلى نفسي) أجد فيها دفء الإخاء وصدق الانتماء بأكثر مما أجده في كلمة (سيدي الرئيس) التي هي عندي جافة وخشنة ومكتبية.. افتقدنا جلساتك الخاصة مع إخوانك في قيادة الدفاع الشعبي ورموز المجاهدين وأنت تخبرنا بأنه لا سقف لأسئلتنا والفورة مليون.. فلئن كان الذي يحول بين المرء وزوجه ملعون فإن الذي يحول بين الراعي ورعيته أكثر لعنة وأشد بغضًا.. نحتاج لقاءك اليوم قبل الغد؛ لأن ما جرى بقاعة الصداقة بين كبارنا يدعونا لذلك وما يجري لدولتنا من تراجع مريع بفعل بعضنا أو بفعل أعدائنا يدعونا لذلك فما دفع إخواننا الانقلابيين (وهم أفضلنا وخيارنا) ما دفعهم لذلك إلا تراكم الأزمات لدينا وتباعد المسافات بيننا حتى صار وكلاء (السي آي إيه وحركات التمرد والجدادة والفكي) أقرب إليهم منكم وأصدق عندهم منا.. فهل من فتنة أكبر من ذلك وضياع أخطر من هذا.. نريد مجالستك يا أخا الشهداء وأمير المجاهدين ولا نريد سواك فأنت قائدنا وباني نهضتنا ورمز عزتنا وموضع ثقتنا.. ونرجو ألا ترسل إلينا ذلك الذي كاد يدقنا.... ولا تشمت الأعداء فينا.