يجمع كثير من المراقبين على أن ما يأتي من معالجات للقضايا الشائكة بين دولتي السودان وجنوب السودان بعد انقضاء اتفاقية السلام الشامل كتشكيل لجنة الوسيط الإفريقي ثامبو أمبيكي في إنشاء منطقة منزوعة السلاح ومقترح استفتاء أبيي المتنازع عليها من قبل الدولتين هو من نتائج لثغرات نيفاشا، غير أن إنشاء منطقة منزوعة السلاح أمر يفرضه الواقع بالرغم من أن المنطقة لا تعني الاعتراف بالحدود ولا المرجعية ولا السيادة على الأرض، ورغم أن استفتاء أبيي نصت عليه اتفاقية التعاون المشترك مع دولة الجنوب إلا أنه بين الشد والجذب.. فالحكومة السودانية تطالب بتأجيله من الزمن المحدد أكتوبر، ورأت أنه لن يرضي الطرفين في حال جاءت النتيجة لصالح أي منهما «المسيرية ودينكا نوك» ونظرًا لأهمية التعايش السلمي رأت أن يكون الحل على قواسم مشتركة، إما بالتقسيم الجغرافي أو المزيج الإداري، ومع كل ذلك أطلقت الحكومة تحذيراتها وأبلغت مجلس الأمن بعدم الدفع بحل لقضية أبيي لا يرضي الطرفين لجهة أن فرض أي حل يقوم على عزل الآخر من شأنه أن يعيد الجميع إلى المربع الأول «الحرب» وبالرغم من موافقة الحكومة على مقترح استفتاء منطقة أبيي على مضض إلا أنها سرعان ما اختلفت مع دولة الجنوب والوساطة في نقطتين رئيسيتين كان الاختلاف أولاً في توقيت الاستفتاء، فدولة الجنوب رأت أن يقام في أكتوبر إلا أن السودان اعتبر هذا الشهر هو موعد رحيل المسيرية باتجاه الجنوب، الأمر الذي يفقد أهل المصلحة حقهم، أما السبب الآخر حول من يرأس مفوضية الاستفتاء، فدولة الجنوب رأت أن رئاسة المفوضية لابد أن تؤول إليها ويكون النائب شمالياً، غير أن هذه المسألة حسمها رئيس الجمهورية نفسه بالرفض القاطع معتبراً أن الرئاسة للسودان، وهنا تدخل رئيس المفوضية ثامبو أمبيكي حيث عرض أن يكون رئيس المفوضية من الوساطة الإفريقية، إلا أن الرئيس رفض وتمسك بموقف السودان بأن تكون الرئاسة من حقه. ويرى مراقبون أن الاتفاقية يجب أن تنص على أن لا يحدث استفتاء إلا بعد ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وأن يكون ترسيم الحدود شرطاً لازماً للاستفتاء، وما حدث أحد أنواع الممارسات التي تبلغ حد الغفلة، وأن الاكتفاء بحدود «1956» هو اكتفاء هلامي معدوم الملامح لأنها حدود إدارية وليست سياسية بين الدول وهي في العادة ما تكون حدودًا مرنة، التجاهل الواضح يبين إشكالية الحدود بين الدولتين قبل الانفصال وطوال فترة التطبيق لم ينتبه الفريق السوداني المناط به التطبيق لتحديد الحدود بشكل واضح، ويمضي المراقبون إلى أن مرد كل ما نحن فيه الآن لانعدام الإسناد الإستراتيجي للاتفاقية وهذا ما أدى لاختلاط الأمور وتصبح هناك دولتان دون حدود بيِّنة، وهذه من السوابق في العالم والآن الجنوب دولة معترف بها دون حدود وكذلك السودان، ومع ذلك كل من الدولتين يدعي وجود حدود وبذلك قضى الأمر أن تكون هناك منطقة منزوعة السلاح، وبهذا أصبح السودان رهيناً للوساطة، وهنا يبرز السؤال: هل تنجح المنطقة منزوعة السلاح في ظل الظروف المعقدة التي تمر منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق؟ وبحسب رؤية المحللين أن المنطقة منزوعة السلاح على الأقل في الوقت الراهن تحول بين أي مواجهة مباشرة بين الدولتين ومن باب المصلحة أن لا تحدث حرب مواجهة بين الدولتين خاصة في ظل الظروف الأمنية الحالية ومن الأفضل نزع الفتيل الحالي، فإذا حدثت حرب مفتوحة بين الجانبين ستقضي على كل ما تحقق، وإذا ما عقدنا مقارنة ما بين المنطقة منزوعة السلاح بين كوريا الجنوبية والشمالية يتضح أن المنطقة ذات حدود واضحة وهي بفرض أن لا تحدث تصرفات فردية، غير أن الوضع في السودان مختلف تماماً فلا توجد حدود في السودان، غير أن المحلل السياسي البروفيسور الطيب زين العابدين ذهب إلى أن المنطقة منزوعة السلاح يعيقها التنفيذ على الأرض ويشير إلى أن المشكلة الأولى خط الانسحاب ل«10» كيلو مترات هو مصدر اختلاف وإشكال، الخريطة التي قدمها ثامبو أمبيكي رفضتها الحكومة إلا أنها أخيرًا قبلت بأن تكون منطقة ال«14 ميل» التي تمتد من جنوب دارفور وجنوب بحر العرب ويسكنها الرزيقات ودينكا ملوال وهي لم تكن ضمن المناطق المتنازع عليها، ويشير الطيب إلى أن قبول اللجنة السياسية برئاسة مدير جهاز الأمن السابق صلاح قوش بأن تكون المنطقة ضمن المناطق المتنازع عليها بالرغم من أن اللجنة المشتركة حددت أربع مناطق فقط. ويؤكد الطيب أن نزع السلاح لم يطبّق لوجود الحركة الشعبية قطاع الشمال والتي تسيطر على حدود طويلة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، مشيرًا إلى أن الجيش السوداني لا يستطيع الانسحاب «10» كيلو مترات لأنه لا يوجد بالمنطقة لاستلامها للحركة الشعبية، يشير زين العابدين إلى عدم نجاح المنطقة منزوعة السلاح بدون حل المشكلة.