حزم السيد وزير الدفاع حقائبه وتوجه إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مترئساً وفد السودان في اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة مع دولة الجنوب، لمواصلة بحث القضايا الخلافية بين البلدين التي استعصت على الحل في الجولتين السابقتين في جوباوالخرطوم عقب توقيع اتفاقية التعاون المشترك في نهاية سبتمبر الماضي. وبذا تكون الوفود من الخرطوموجوبا في قضايا مختلفة قد شدّت الرحال لأديس أبابا، حيث يوجد بها وفدنا الذي يمثلنا في قضية أبيي، ووفد دبلوماسي رفيع بقيادة وزير الخارجية الذي شارك في اجتماعات مجلس السلم والأمن الإفريقي، وهذه ليست محمدة على الإطلاق بأن تكون كل قضاياك بيد غيرك وحلولها في الخارج. مهما يكن، فإن التفاوض العبثي الذي ينتقل من مكان إلى مكان، فيه مضيعة للوقت وإهداره في ما لا طائل تحته، خاصة أن تقارير غربية وشرق إفريقية تتحدث عن معلومات مهمة في قضية الخلاف بيننا وجنوب السودان. فخلال وجودنا في العاصمة الإثيوبية مطلع هذا الشهر للمشاركة في ورشة عمل عن المحكمة الجنائية الدولية، غشيت أسماعنا وتحسسنا عن ما يدور في الأروقة ووراء الأستار، فهناك قوى دولية وإقليمية تقف وراء الفشل المتكرر لاجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة بين السودان وجنوب السودان، وتعمل هذه القوى على دفع جنوب السودان للتعنُّت والتلكؤ والتباطؤ بشتى الذرائع والحيل والتلاعب على حبال الوقت ومطّ المباحثات وتعقيدها للأسباب الآتية: أولاً: تعمل هذه القوى الدولية والإقليمية على ربط الأوضاع الداخلية بالسودان بالتحولات الجارية على مستوى الإقليم والجوار العربي، وهناك ترتيبات تجرى على قدم وساق للفت الأنظار وتكثيف العمل ضد السودان في الفترة المقبلة بعد حدوث تحولات حتمية في المنطقة، يترافق معها تسخين كل الجبهات الداخلية المتوترة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، مع تسعير الخلافات في المناطق الحدودية المتنازع عليها بين البلدين خاصة في سماحة وأبيي والنقاط الحدودية المختلف حولها. ثانياً: لا ترغب هذه القوى الدولية والإقليمية في قيام دولة الجنوب بتنفيذ ما عليها من التزامات وتعهدات واردة في اتفاقية الترتيبات الأمنية الموقعة في أديس أبابا في 27 سبتمبر الماضي، فالتنفيذ يعني وقف دعم وإيواء الحركات والمجموعات المسلحة التي تعمل ضد السودان، وفك الارتباط مع قطاع الشمال وجيشه الشعبي ونهاية الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين للجيش الشعبي وقيادته في جوبا، والانسحاب من المناطق التي يوجد فيها جيش دولة الجنوب الآن داخل الحدود والأراضي السودانية. فإذا ما توصلت حكومة دولة الجنوب إلى اتفاق في هذا الشأن، فإن ذلك يعني شيئاً واحداً هو انعكاس نتائج حل الملف الأمني على الأوضاع الداخلية السودانية وتراخي حالة الشدّ والجذب للقدرات العسكرية والأمنية، وانتهاء حالة الإنهاك الكبيرة التي تعيشها الدولة السودانية الأمر الذي يعزز قدرتها في مواجهة هذه الحركات والمجموعات المسلحة التي تكون قد فقدت السند والدعم والملاذ والإمداد. ثالثاً: مطُّ التفاوض وجرجرة الحكومة السودانية في مضمار طويل لولبي حلزوني ماكر، سيجعل من السهل الضغط عليها وتحميلها فشل التفاوض وإعلان عدم رغبتها في الحلول التي تقدّم لها من فريق الوسطاء أو المقترحات التي تأتي من هنا وهناك، وهذا يفسِّر وجود أعداد كبيرة من الأوروبيين والأمريكيين كمستشارين لدولة الجنوب والاتحاد الإفريقي لا يبرحون مكان التفاوض واجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة. ** من هنا نفهم أن ما يدور اليوم هو نوع من العبث غير المبرر، ومنهجنا في التباحث حول القضايا الخلافية مع دولة الجنوب يجب أن يتغيّر، بهذه الطريقة لن يتحقق شيء وستمارس ضغوط جديدة علينا في أديس، ولا يستبعد أن لا يتم التوصل إلى أي شيء مما يضطر الرئيس البشير للذهاب مرة أخرى للقاء سلفا كير وتكر المسبحة من جديد ...!!فلتوقف هذه الملهاة للبحث عن حلول بطرق أخرى .!! --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.