أعلنت الدولة عن عودة ولاية غرب كردفان في مفتتح العام مع احتفالات عيد الاستقلال المجيد. وهي الولاية التي ذُوبت بعد اتفاقية نيفاشا في 2005م، وكانت قرباناً قدم على نصب الاتفاق الذي لم يهب السلام ولا الطمأنينة، ونتذكر هنا حجم الأسى والفجيعة التي شعر بها في ذلك الأوان سكان غرب كردفان بذهاب ولايتهم شظايا تبعثرت بين ولايتي شمال وجنوب كردفان، وأغفت مدينة الفولة وكانت العاصمة يومها أعينها ونامت على حدث لم تكن تتوقعه وذهبت إلى سرداب النسيان بوصفها عاصمة ولاية سُلب منها ثوبها وزينتها وبهرجها وتركت مثل بقية مدن البلاد الباكية تبلل الدموع مقلتيها الظامئتين. مع أن الأسباب التي أدت لتذويب الولاية لم تكن كافية لصناعة قناعات عامة، بيد أن الأسباب التي قادت إلى عودتها هي ذاتها لم تعد قادرة على تعويض أهل الولاية ولا السودان ما فقده جراء ذلك القرار المتعجل بتذويبها، ولم نكسب شيئاً من قرار التذويب ولن نخسر بعد ذلك شيئاً من قرار الإعادة!! وثمة أسئلة تدور وتدور، هل الدوافع التي قادت إلى حل ولاية غرب كردفان تماشياً ونزولاً عند عتبات نيفاشا المقدسة، حققت أغراضها بالكامل؟ ونقصد بذلك حدوث الوئام الأهلي في الولاية الكبرى جنوب كردفان، والتربح الانتخابي وما كان يتوقع في المشورة الشعبية، وتخصيص ميزانيات للتنمية في قطاع غرب كردفان يعوض السكان ذهاب ولايتهم بدمها المسفوح؟ الظاهر أن التقديرات النيفاشية لم تكن دقيقة في ذلك الحين، وإلا فَلِمَ عودة الولاية اليوم؟ فمثلما كانت تحتاج لتبريرات سياسية مقنعة تحتاج اليوم لتبريرات مقنعة أيضاً، بالرغم من أن عودة الولاية ظلت مطلباً يشتعل كالقناديل في ألسنة أهل غرب كردفان؟ نحن مع عودة الولاية وهي تستحق وأكثر من ذلك، لكن نشأت إشكالات عميقة عقب عملية التذويب يصبح من الصعب تلافيها، فهل مناطق شمال ولاية غرب كردفان السابقة التي أضيفت عند التذويب لولاية شمال كردفان ستعود هي الأخرى لولايتها القديمة أم لا؟ وقد صدرت أصوات عن هذه المناطق في النهود والخوي وغبيش وغيرها تطالب بولاية خاصة بها ولا تريد العودة للولاية القديمة. الأمر الثاني: بالرغم من قيام هيئة لتنمية غرب كردفان بعد تذويبها في 2005م، لم تحدث التنمية المتوقعة لا من ميزانية الولاية «جنوب كردفان» ولا من الدعم الاتحادي لهذه الهيئة، وأبلغ دليل على أن التنمية المرتجاة لم تتحقق كما كان منتظراً، الاعتصامات والاحتجاجات التي تجري اليوم في مدينة بابنوسة كبرى مدن غرب كردفان!! ما يريح البال أن الحكومة استجابت لأهالي غرب كردفان وأعادت إليهم ولايتهم، فهل زال السبب بزوال المسبب، أم أن في الأفق تفكير جديد، فلا يمكن فصل الأوضاع في جنوب كردفان عن تفاعلات ولاية غرب كردفان القادمة!! ليس لدى المستمع ما ينتظره مللنا من كثرة التصريحات التي تطلق حول سير المباحثات مع دولة جنوب السودان في الملف الأمني، فكلما سمعنا لوفدنا الحكومي المشارك في اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة، توجسنا شراً، لأننا نسمع نقيضه تماماً من الطرف الآخر، فرئيس وفد دولة الجنوب باقان أموم يقول ويصر في قوله إن التفاوض وصل لطريق مسدود، بينما يقول وفدنا إن هناك تقدماً، وتم تحديد جدول زمني للانسحابات المتزامنة من المنطقة المنزوعة السلاح مع فك الارتباط بالفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين للجيش الشعبي والحركة الشعبية الحاكمة في دولة الجنوب.. فهل الحقيقة تائهة ومازالت؟! الحال من بعضه مثلما كل شيء ومقابله يحدث في السياسة ومختلف مجالات الحياة، فقد ساهمت الرياضة في ترسيمات اللوحة السريالية في بلدنا، فانتقل كابتن فريق الهلال وزميل آخر له إلى النادي المنافس والند، دون أن يطرف لهما جفن، وهذه هي لعنة الاحتراف في مجال الرياضة، يذهب اللاعب لمن يدفع أكثر وللمصلحة التي يراها، ولا أهمية لجمهوره وتاريخه، فالجماهير التي كانت تهتف له هنا ستلعنه هناك، وعشاقه في الهلال سيتحولون لمردة كارهين له وهو في المريخ. صحيح أن الهلال تخلى عن لاعبيه، لكن المريخ لم يسجلهما في كشوفاته من أجل أعينهما، لكن نكاية في الهلال ومكايدة له، وستكرر قصة عز الدين الدحيش الذي شطبه الهلال مطلع الثمانينيات فسارع المريخ لتسجيله، لكنه لم يقدم للمريخ شيئاً.. فالتاريخ يعيد نفسه!! ذهبية التلفزيون يحتفل التلفزيون القومي بعيده في يوبيله الذهبي، فقد انطلق لأول مرة في عام 1962م تقريباً ثاني تلفزيون دولة في إفريقيا، وهو من أوائل التلفزيونات في الوطن العربي.. لقد كان السودان عظيماً ومتقدماً ورائداً وسباقاً. هذه التجربة والتاريخ الطويل تستحق بالفعل احتفالات كبيرة وضخمة، وهي مسيرة تتداخل فيها مشاهد وصور وشخوص وتجارب وعقبات.. تحتاج بالفعل لتقييم وتوثيق واحتفاءات، لكنها بلا شك تحتاج لتمحيص وإعادة نظر في سبب وقوفنا في محطة واحدة لم نتقدم فيها بعد.. وهناك أشياء كثيرة تخص التلفزيون كهيئة قناة فضائية وشاشة وأداء لمراجعات وتطوير حتى نستطيع أن نتحدث بفخر ونقول إننا الرواد فعلاً. شقائق النعناع معروفة هي شقائق النعمان الزهرة الحمراء والأقحوانة التي ألهمت الشعراء على مر العصور، ومعروفة بأنها حيوان بحري وسمكة، وكذلك تعرف بوصفها اسماً لمسرحيات للسوري الشاعر محمد الماغوط ولسلمان رشيد سلمان. لكن الشاعر البحريني الكبير جعفر الجمري، أصدر ديواناً شعرياً رقيقاً قبل فترة وقع في يدي باسم «شقائق النعناع» فيه نكهة النعناع ولطافته.. ويحتوي على قصائد بالفصحى والعامية، وأعجبتني منه قصيدة «اطمئنوا لن يتأخر الخراب ..» ولا يعرف لمن تهدى: مكتوب على باب بيته: الإخوة الضيوف: تلك فرصتكم كي تتحولوا إلى لصوص!! سخي .. كهواء معلن منكسر.. كعيد مؤجل معلن.. كضريح !! هل سيجد المتسولون أرصفة بحجم أوهامهم المحتملة؟ للخراب مجده وللهندسة عارها!! أقسم بالبريد حين يهجرني الأحبَّة!! ارتكِبُوا مزيداً من الحماقات إنْ أردتم إنقاذ العالم!! الأجنحة وفيرة غير أن الفضاء شحيح!!