تستنسخ الأزمات نفسها وتكرر تداعياتها ومضاعفاتها، فقضية أبيي لم تستفد منها الحكومة كما ينبغي ولم تجعلها قضية دولة في المقام الأول، وتركت تفاقماتها محصورة في حدود قبيلة المسيرية صاحبة الحق في الإقامة والانتفاع التاريخي والمتعارف عليه أهلياً منذ تقسيم السودان لديار وحواكير للقبائل قبل عقود طويلة قبيل الحقبة الاستعمارية وبعدها. وتتوالد القضايا والأزمات من أرحام بعضها البعض، فقضية سماحة و «14 ميل» والمواجهة العنيفة بين قبيلة الرزيقات وجيش دولة الجنوب خلال الأيام القليلة الماضية ومسارات هذه القضية، هي استنساخ لما حدث في قضية أبيي، حذو القذة بالقذة !! ويواجه الرزيقات الآن وحدهم دون عون من الدولة جيش دولة الجنوب الغاشم الذي احتل أرضهم في سماحة و «14 ميل»، ويحاول جيش دولة الجنوب احتلال الأرض ومنع الرزيقات ومراحيلهم وأبقارهم من الوصول إلى بحر العرب، ومعلوم أن حدود الرزيقات جنوباً أو بالأحرى حدود ولاية شرق دارفور تقع على بعد «14» ميلاً جنوب بحر العرب.. وهي معروفة منذ العهد الاستعماري حيث وقعت اتفاقيات في 1918م و 1924م حول حدود الرزيقات الجنوبية وحدود مديرية دارفور وبحر الغزال، وهي قضية معروفة، ما كان ينبغي للحكومة مجرد القبول بمناقشتها بوصفها منطقة مختلف عليها. لكن ما حدث قد حدث، والآن لا يصح على الإطلاق أن تقف الحكومة متفرجة على المواجهات الدامية بين فرسان الرزيقات الذين لا يملكون غير خيلهم وعزيمتهم وشجاعتهم في مواجهة جيش مدجج بالسلاح مثل جيش دولة الجنوب الذي لم يجد تغطية عسكرية من قبل السودان على الحدود فدخل المنطقة وقام بزرع الألغام البشرية المحرمة دولياً، وسد كل المنافذ نحو بحر العرب وبلدة سماحة ومنطقة «14 ميل» التي تصطاف فيها مراحيل الرزيقات، وسقط عدد من أبناء الرزيقات شهداءً في اليومين الماضيين، وتستعد أعداد كبيرة من الفرسان تقدر بالمئات لاقتحام المنطقة وتحريرها. وطالب الرزيقات بتدخل القوات المسلحة وفرق من المهندسين لنزع الألغام الأرضية وتسهيل مهمة الفرسان الذين سيحررون مناطقهم بلا شك من جيش الحركة الغازي الغاشم. ولا يمكن لحكومتنا أن تجهل أبسط واجباتها في هذه الحالة، ففي الوقت الذي تفاوض فيه دولة الجنوب حول المنطقة المنزوعة السلاح والترتيبات الأمنية في اتفاق التعاون المشترك الموقع في 27/9/2012م، وتتحدث عن تفاهمات وتقدم في الملف الأمني والأوضاع على الحدود وضرورة انسحاب الجيش الشعبي التابع لدولة الجنوب من الأراضي السودانية المسماة النقاط المتنازع عليها، وتعد الوساطة الإفريقية مصفوفة جديدة لتنفيذ الاتفاق الأمني.. في هذا الوقت تحدث هذه المواجهات، فبينما كانت دولة الجنوب تبعث وفدها للمفاوضات في أديس أبابا، كانت قواتها تحكم السيطرة على منطقة سماحة وبحر العرب عند «14 ميل»، وحكومتنا تقدم رجلاً وتؤخر أخرى!! هذا مؤشر خطير للغاية، خاصة عندما يحدث في منطقة واحدة هي مناطق الرزيقات والمسيرية في أبيي وسماحة، فخسارة الحكومة ستكون خسارتين. ونرجو أن تشرع الحكومة على الفور في معالجة هذا الوضع المختل قبل فوات الأوان!!