في الوقت الذي انكشف فيه توقيع وزارة الخارجية الأمريكية على عقد إيجار مع شركة المصير الدولية المالكة للڤلل الرئاسية لمدة عشر سنوات مقابل ثلاثين مليون دولار بواقع ثلاثة ملايين دولار في العام لإسكان عامليها والعابرين من البعثات الدبلوماسية، في هذا الوقت أيضاً رشح في الأخبار أن الدولار في طريقه إلى الهبوط وإن قيمته مقابل الجنيه السوداني ستهبط إلى خمسة جنيهات، لكن إن كانت الثلاثين مليون دولار ليست مبلغاً كبيراً بالدرجة التي يمكن أن تنعش النظام المالي فإن خبراء اقتصاديين رصدوا حزمة أسباب ستنهض بالعملة المحلية قريباً، ربما ستغني اللجنة الرئاسية المخصصة لزيادة الأجور عن الخروج بتوصيات لزيادتها في هذه المرحلة، وهي التوصيات التي ينتظرها وزير المالية المحاصر باستنفار غندور للعاملين. إن الخبراء الاقتصاديين تحدثوا عمّا اعتبروه أسباباً لارتفاع قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار وذكروا أنها قرار البنك المركزي بتجميد أرصدة عدد من التجار وقد صدر أمس الأول. أتراه القرار الذي صدر منه خبر تجميد أموال قوش؟ وكذلك القرض الصيني الذي ضخ عملات أجنبية. هذا على المدى القريب، أما على المدى المتوسط فإن الخبراء الاقتصاديين قد أشاروا إلى دخول حقول نفطية جديدة دائرة الإنتاج النفطي، أما على المدى البعيد فإنهم قد تحدثوا عن أن المستقبل الاقتصادي سيشهد ارتفاعًا مستمرًا لقيمة العملة المحلية. أولاً دع عنك موضوع إيجار الڤلل الرئاسية، فربما لا تغني الثلاثين مليون دولار عن فجوة كبيرة أو عن الحد من التضخم إلى حد كبير، فإن القرض الصيني هو مربط فرس إنعاش قيمة الجنيه، ولعل الدولة أرادت أن تستبق به رفع الأجور. وبالتأكيد فهي ترى هذا أفضل من رفعها الذي يمكن أن تترتب عليه فوضى سوقية في الأسعار. إن الأفضل للعاملين بالدولة أن يتضامنوا مع الحكومة في مهمة استقرار الأسعار، لكن البطولات الوهمية التي تدّعيها قيادة اتحاد نقابات العمال وهي «نظام نقابي مركزي» في بلاد «اللا مركزية» لن تفيد في شيء كما يُخيل للعاملين. إن مركزية نقابات العمال في حد ذاتها مشكلة، لكن الدولة تريدها هكذا حتى لا تكون مشكلة لها في استقرار الحكومة. إن النظام النقابي يرعى الحقوق ويطالب بها لصالح العاملين في أي مجال من المجالات، لكنه لا يدرّ أموالاً لهم. ولذلك ينبغي أن تكون المطالبات بمنطق. وزيادة الحد الأدنى للأجور أمر ينبغي تركه للدولة بالنسبة للعاملين في المؤسسات الحكومية، لأن أكبر مشكلة تواجه الحكومات بعد الأزمة الأمنية هو تدهور المستوى المعيشي خاصة للعاملين بالدولة، لذلك فإن أية حكومة في العالم الاستقرار الأمني والمستوى المعيشي. وهذه ليس فيها تأييد لحكومة أو معارضة هذه حسابات اقتصادية يستوعبها خبراء الاقتصاد ومن يتابع تصريحاتهم، وليس من يستثمر في الظروف الحرجة مثل الاتحاد العام لنقابات عمال السودان. إن رئيسه البروفيسور إبراهيم غندور يلقي باللائمة على وزير المالية الذي ينتظر توصيات اللجنة الرئاسية الخاصة بدراسة زيادة الأجور، وقد استنفر العاملين في خطوة سياسية يظن أنها ذكية لكن يمكن أن يتحرك استثمار من الجانب الآخر ويتخذ من استنفار العاملين شرارة انتفاضة، ويقال إن انتفاضة أبريل أشعلها النقابيون «نقابة الأطباء» إنه اللعب بنار النقابات يا غندور، وهي ليست ألعابًا نارية كما قد تظن.